بدأ ارتفاع أسعار الذهب منذ عام 2007 وتصاعد مع الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت العالم في العام الماضي والخبراء لايتوقعون هبوط الأسعار قريبا وخلال عام واحد زاد سعر أوقية الذهب 40٪ تقريبا، ومن رأي المستثمرين والبنوك المركزية بأن الجميع يتهافتون علي شراء الذهب وبالتالي فإن زيادة سعر الذهب ستتصاعد. لماذا هذا العشق بالمعدن الأصفر..؟ تأتي الإجابة بدون تردد.. لأنه أكثر من أي خامة أخري يطمئن من يمتلكه.. وعلي كل لايزال الذهب بعيدا عما حدث له في فبراير 1980 إذ بلغت قيمة أوقية من الذهب 1800 دولار.. إن الجنون بالمعدن الأصفر لايقتصر علي اقتنائه فقط بل اكتسح أيضا ديكورات المنازل ومكونات بعض الأطباق. وأصبح اللون الذهبي في كل مكان وعلي كل شيء حتي ولو أن البريق الواهج ليس دائما من ذهب. لقد أصبح الذهب التميمة الجديدة للمستثمرين. ومنذ عامين وهو يعتبر الاستثمار الأول والأكثر أمانا مع أنه في حقبة الثمانينات عاني من هبوط كبير وتكاد تكون »راحت عليه« فيما عدا طفرة فبراير 1980. ولكن مع الأزمة الاقتصادية الطاحنة استرد الذهب مكانته وشبابه وحيويته.. واليوم كل العيون ترصده وتبحث عنه لأنه أصبح رمز الأمن والأمان في المجال الاقتصادي. واسترد دوره في القيمة التي يمكن اللجوء لها. وفي قمة الأزمة الاقتصادية قال ممتلكو الذهب إذا ساءت الأمور أكثر فإن الذهب سيبقي ذهبا. واليوم هدأت الأزمة نسبيا وظل الذهب يمثل الأمان في مقابل الخسائر الفلكية التي تصيب الدول ومقابل العملات المختلفة التي يتشكك في مستقبلها. وهذا مايجعل الخبراء يصرحون بقولهم.. »إن منظور ارتفاع سعر الذهب يعكس سوء الحالة الصحية للاقتصاد الحالي«. والذهب .. سواء كان سبائك أو عملات أو حلي يفضل أصحابه إيداعه في البنوك.. ولكن حديثا أخطر أحد بنوك نيويورك عملاءه بخطابات غريبة ترجوهم بضرورة المجيء لسحب مدخراتهم من الذهب لان الخزائن لم تعد تكفي لاحتواء كل مايقدم لها.. لم يعد في البنك مكان لاحتواء »كل الذهب« ويحاول المسئولون توفير أماكن جديدة وتصل المدخرات من الذهب حاليا إلي 130طنا في خزائنه وهذا غير المتواجد في الخرانات الشخصية بالمنازل والتي أصبحت لقمة سائغة للصوص المحترفين، وآخر حوادث السرقة مالحق بخزانة »روبرت بيجو« وريث أشهر أسر السيارات الفرنسية.. لقد استطاع اللصوص سرقة خزانة قوية جدا مخبأة في حائط بالحمام.. لقد رفعوها بهدوء ومحتواها 500.000 يورو قيمة مابها من سبائك وعملات من الذهب.. تاركين فجوة واسعة في حائط الحمام. المراهنة علي الذهب في عام 2007 بدأ جنون تصاعد سعر أوقية الذهب (أي 31.10 جرام من المعدن الأصفر) وزاد هذا الصيف بعد أن أخذ في الهبوط 950 دولارا في أغسطس الماضي ثم ألف دولار في شهر سبتمبر و1226.5 دولار في بداية ديسمبر بعد الانهيار الاقتصادي.. وإذا وضع في الاعتبار التضخم فإن الذهب لم يبلغ بعد القمة التاريخية التي وصل لها في فبراير 1980 حيث وصل سعر الأوقية إلي 85 دولارا وهو مايمثل اليوم 2100 دولار. وفي بداية 1980 فإن السباق نحو المعدن الأصفر والذي سببه تصاعد التضخم وتذبذب الدولار وقضايا سياسية كان قصير المدي. ولكن اليوم فإن المستثمرين يعيدون اكتشاف أهمية الذهب.. أنه بأي حال من الأحوال لن يفقد أبدا 100٪ من قيمته كما أن الخبراء لايتوقعون انهيار أسهمه ربما بسبب قوة الدولار الحالية.. وهذا ماجعل البنوك المركزية تراهن علي الذهب للحماية من أي مخاطر. وقد يتمكن الذهب من تخطي سعر 1.500 دولار للأوقية. وهذا الارتفاع يتواكب مع ارتفاع كبير لأسعار الطاقة والخامات الأولي. ولكن الأمر يرتبط بمدي تطور مديونيات الدول وهذا أمر يثير قلق المستثمرين خاصة بعد أن عرفت اليونان »أزمة اقتصادية« حادة بسبب مديونياتها الفلكية والعجز في الميزانية. الصين .. الأولي في الذهب وتشير كل التقارير إلي أن أسواق الذهب تغيرت تماما .. ففي حقبة الثمانينات كانت أفريقيا الجنوبية واستراليا وأمريكا من أهم وأكبر مناطق إنتاج الذهب.. واليوم فإن الصين هي المنتج الأول العالمي للمعدن الأصفر (1054 طنا) ولكن العيب هنا أن مناجم الصين صغيرة والإنتاج من القطع الصغيرة. وبصفة عامة فإن الإنتاج العالمي من الذهب في انخفاض (هبط بنسبة 8.7٪ بين 2001 و2004) وهو لايكفي لاستجابة الطلب مما يزيد من سعره ومنذ أكثر من عشر سنوات والاكتشافات ضعيفة وعمليات استخراج الذهب مكلفة. هناك عنصر آخر وراء تغييرات سوق الذهب إذ بسبب الأزمة الاقتصادية فإن طلب الصاغة تراجع في أنحاء العالم بنسبة 27٪ بينما شراء السبائك ارتفع 43٪ الاستثناء الوحيد في الصين أيضا إذ تقبل فئات المجتمع الجديدة علي شراء حلي من الذهب كمظهر من مظاهر الثراء والاستثمار في نفس الوقت. ومن المتوقع أن يزيد الطلب من قبل صائغي الذهب عندما يري الهنود وهم من أكبر مشتري الذهب تحسنا في اقتصادهم. ومن الأمور الجديدة أن البنوك المركزية في الدول المنبثقة تنهال علي شراء الذهب لتقوية أرصدتها وهي خطوة تشهد علي اتجاهها في عدم الاعتماد فقط علي الدولار وأيضا قلقها تجاه العجز الذي تعاني منه كثير من الدول الصناعية.. إن البنك المركزي في الهند اشتري حديثا 200 طن ذهبا. وفي روسيا أيضا اتبع البنك المركزي نفس الخطوة وإن كانت الكمية أقل.. ونفس التصرف في سريلانكا وجزر موريشيوس والصين طبعا. فهل أصبح الذهب ضحية لنجاحه؟ الذهب في الطب والصناعة الذهب عنصر هام في مجال التصنيع والأدوات الطبية فوجوده ضروري في صناعة التليفزيون وكابلات الاتصال أو تركيب أسنان صناعية وهي من العمليات التي انتشرت كثيرا في الماضي إن الذهب يتواجد في أماكن غير متوقعة وله تقدير كبير من صناع المنتجات الإليكترونية وأجهزة الاتصالات لأنه موصل جيد جدا وهي خاصية تسهل نقل المعلومات. ويستخدم الذهب كذلك لتغطية الوصلات الدقيقة في الحاسبات الإلكترونية. والكابلات التي تصل بين أسطوانة C.D في حاسب آلي للشاشة مغطاة بجزئيات رقيقة من الذهب. وبنفس الأسلوب البطاريات الإلكترونية للبطاقات الرئيسية في الكمبيوتر والتليفونات المحمولة مغطاة أيضا بطبقة رقيقة جدا من الذهب. وفي الماضي كان أطباء الأسنان يستخدمون الذهب في الأسنان الصناعية البديلة أو غطاء للأسنان نفسها (طربوش) ولكن هذا الاستخدام قل كثيرا اليوم وكثر استخدام البورسيلين. وعلي العكس ظهر الذهب في الصناعات المزدهرة لجراحات التجميل وذلك في أسلوب عمليات »شد« البشرة وتستخدم فيها خيوط الذهب لتجنب ارتخاء أو تشوه الشكل البيضاوي للوجه. الذهب والاستدانة من البنك صحيح أن المعدن الأصفر ينفع في اليوم الأسود.. وكثيرا ما تدخل الذهب لإنقاذ أسرة من التسول.. فمقابل الذهب الذي تملكه يمكنها »رهنة« ربما عند الصائغ نفسه مقابل مبلغ يتوازي مع سعر الذهب، وفي الخارج لاتزال سارية عملية الاستدانة من البنك مقابل مايعرض من ذهب من طالب »السلفة« وفي فرنسا علي سبيل المثال بالنسبة لحلي من الذهب إذا كانت بسيطة يقدر جرام الذهب ب عشرين يورو ويصل المبلغ إلي الضعف إذا كانت قيمته من حيث المصنعية.. ويزداد المبلغ إذا كانت الحلي من أشغال مشاهير الصائغين بمعني »سينييه« وبعد تقدير حجم الذهب يوضع في علبة صغيرة تترك فوق سجادة صغيرة متحركة وتعهد إلي »روبوت الحلي« الذي يقوم بتنظيم وخروج قطع الحلي الصغيرة وبعد ساعة من يتسلم الحلي تسليم صاحبها »سلفة تقدر ب 50 إلي 70٪ من القيمة المقدرة. ولاسترداد الحلي يسدد صاحبها المبلغ »السلفة« مع فائدة تتراوح بين 9 إلي15٪ ولا مانع من تأجيل تسديد السلفة والاكتفاء بتسديد الفائدة ومما يحكي في هذا المجال أن مجموعة من الحلي حفظت في أحد البنوك لمدة 54 سنة ثم استردها صاحبها ليقدمها لحفيدته.. وإذا لم يظهر صاحب الحلي ولم يسدد لا الفوائد ولا السلفة نفسها أو إذا فقد البنك أي إشارة علي بقائه علي قيد الحياة يحق للبنك في هذه الحالة بيع الحلي في مزاد علني في صالة مبيعات خاصة بالبنك. متحف للذهب علي مدي أربعة قرون عاشت الولاياتالمتحدةالأمريكية عصر حمي الذهب أو الهجوم علي الذهب وكان للذهب في حضارة هنود المايا معني جنائزي بينما كان رمزا للقوة عند المغامرين الأسبان وفيما بعد فإن »الهرولة« علي مناجم الذهب هي التي شكلت الوجه المالي للولايات المتحدة. وكم من جرائم ارتكبت باسم الذهب. وكم من أحلام تبخرت وحياة تحطمت. وحول هذا الموضوع يقام معرض باسم »ذهب الأمريكيين« في المتحف القومي للتاريخ الطبيعي ويعرض فيه أروع قطع الحلي من الذهب تشهد علي براعة صائغها.. وكيف كان التنافس علي أشده بين الصائغين لابتكار أجمل القطع وتعرض كذلك صور عن الذين كانوا ينحتون الصخر بأيد عارية علي أمل العثور علي بعض قشور الذهب يمكنها أن تغير حياتهم أو »تسترها«. بداية أسطورة الذهب الارتفاع المذهل في سعر الذهب جعل الكثيرين من أهالي كاليفورنيا يعاودون البحث عن معدات آبائهم القديمة للتنقيب عن المعدن الأصفر شمالا وجنوبا في الصحراء وفي الأنهار حيث يسيرون علي خطي اجدادهم لعلهم يعثرون علي صفقة العمر.. سبيكة من الذهب.. وقبل الفجر يصلون في منطقة تعرف باسم وادي الموت فينصبون خيامهم، ومعظمهم من المحالين علي المعاش أو من طالتهم البطالة ومنهم أيضا من العاملين والقاسم المشترك بينهم هو البحث والتنقيب عن الذهب. ويقول إن الباحثين أو المغامرين بعد عشرين سنة عملا مستمرا في هذا المجال: »أنها وسيلة صعبة وشاقة لكسب العيش، في الشتاء نمضي ساعات طويلة للعمل في قلب المياه الباردة لرفع الصخور وتحريك الرمال.. ولكني لا أشكو. أحب العمل في الهواء الطلق مهما كانت قسوة الجو، اشعر بالحياة وأنا أكاد أموت من التجمد.. بل هو يشعر بالحياة أكثر وهو يتخيل عثوره علي سبيكة جميلة.. صفقة العمر.