لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع تلك الأحداث المتسارعة في عالمنا العربي منذ بداية ثورات الشعوب التي تطالب بتنحي الحكام الطغاة ومحاكمتهم بعد أن برعوا في السرقة والنهب بينما شعوبهم تعاني القهر والتخلف والمرض . . بدأت تلك الأحداث بثورة الشعب التونسي التي كشفت فساد زين العابدين بن علي وتطورت الأمور وتعامل بن علي مع الأحداث بذكاء اللصوص حيث حمل حقائب الأموال بخلاف ما استولي عليه وتم تهريبه الي الخارج واستطاع الهروب بصحبة أسرته بعد ما استشعر خطورة الأوضاع في تونس . ورغم هذا المشهد في تونس فقد كان للرئيس المخلوع مبارك سيناريو آخر عندما استهان بثورة الشعب المصري في كل المحافظات وردد عبارته الشهيرة مصر ليست تونس .. ولم يفكر الرئيس المخلوع في تكرار سيناريو بن علي للهروب الي الخارج بل آثر التواجد في مصر متمسكا بكرسي الحكم واثقا في أجهزته الأمنية لردع تلك المظاهرات وإسكات الأصوات التي تصرخ في الميادين ارحل .. ارحل .. لم يتصور مبارك قدرة الشعب علي إسقاط نظامه ومحاكمته بسرقة الأموال ونهب الثروات وكان منظرا صعبا مهينا للرئيس السابق وهو ملقي علي سريره الطبي داخل القفص وهو يردد أمام رئيس المحكمة "حاضر يا أفندم " ! منتهي المذلة والإهانة لرئيس أذل شعبه بالعيش في فقر ومرض. وامتدت الثورة العربية الي ليبيا وعمت المظاهرات البلاد ضد طاغية. وكانت أبرز انجازاته الاهتمام بإطلاق الألقاب علي نفسه مثل "ملك ملوك أفريقيا" !.. أما ليبيا فقد عاشت عصور الظلام والتخلف وقد لمست ذلك بنفسي عند زيارتي الي ليبيا منذ خمسة عشر عاما فوجدتها أرضا مهجورة تمتد فيها الصحراء بدون أي لمسات للتطور والتحضر وتكررت زيارتي مرة أخري في العام الماضي، واقتصرت ملامح التغيير والتطور علي تحويل الساحة الخضراء من أرض أسفلت تم دهانها باللون الأخضر إلي حديقة كبيرة مغطاة بالنجيل. أما المشروعات التي تهتم بتطوير الإنسان فلم تتعد مرحلة اللافتات فقط التي تملأ الشوارع ! وكان مصير القذافي أن لقي مصرعه علي يد الثوار .. وما يزال قطار الثورة يطارد الطغاة في كل من سوريا واليمن ولكن مهما استطاع الحاكم الطاغية الهروب من حكم الشعب فهل يستطيع الهروب من حكم التاريخ ؟