عمر الشريف وسيرين عبدالنور المسافر من نوعية أفلام المخرج، أو تلك التي يكتبها المخرج، لتعبر عن مفاهيمه الخاصة ورؤيته للحياة، مثل الأديب أو الشاعر ولكنه هنا يستخدم الكاميرا بدلا من القلم في التعبير عن أفكاره، ومشكلة أحمد ماهر أن فيلمه الأول يزدحم بالمعاني ، وهو يطرح مشكلة أو أزمة دون أن يصل بها لحل أو يقين، ويرهق المشاهد بمحاولة ملء الفراغات التي تركها مفتوحة، أو الأسئلة التي تركها معلقة بلا إجابات! أحداث الفيلم تختزل حياة البطل الذي عاش قرابه الثمانين عاماً في ثلاثة أيام فقط، يعتبرها أهم أيام حياته أو هي الأيام المفصلية في مشواره الطويل! حسن أو"خالد النبوي" في الشباب والكهولة ثم عمر الشريف في الشيخوخة، كان شاباً يعمل في التلغراف بمدينة بورسعيد في سنة 1948يعشق اغتنام الفرص دون أن يقدر النتائج المترتبة علي ذلك، يتابع فتاة أرمنية الأصل هي نورا"سيرين عبد النور"علي ظهر سفينة أتلانتا العملاقة، ويصل للسفينة عوماً، ويتسلل إليها باحثاً عن الفتاة التي يحلم بها شباب البلدة، ينتحل شخصية شاب آخر كانت تنتظره هو فؤاد"عمرو واكد"، ولأنه يريد أن يبهرها وخاصة بعدما أدرك أنها تفضل الشاب الجريء المغامر، يقوم باغتصابها، ويحاول حسن أن يصعد ساري السفينة ليزيدها انبهارا به فيسقط في الماء، في الوقت الذي يظهر فيه فؤاد"عمرو واكد"الشاب الذي كانت تنتظره نورا، وهو علي النقيض من حسن فهو متحمس دائما فيتخذ قراراً بالزواج منها فوراً، ولكن" حسن" يشتعل غيرة ويتسبب في حريق علي ظهر السفينة ليفسد فرحة نورا بزواجها من الشاب المناسب! اليوم الثاني الذي يعتبره "حسن" من أهم أيام حياته، يأتي في خريف عام 1973بعد انتصارات أكتوبر حيث ترسل له فتاة جميلة نادية أو"سيرين عبدالنور" وهي ابنة نورا وتشبهها طبق الأصل، تخبره بوفاة شقيقها التوأم "علي" الذي جاء نسخة منه، كما تصفه الفتاة، وجاءت وفاة "علي" نتيجة تهوره وعشقه للمخاطر، حيث ألقي بنفسه في بير مسعود فابتلعته الأمواج، في الحال، بعد إتمام مراسم دفن الشاب، يستجيب حسن "خالد النبوي" لإلحاح محمد شومان وهو شاب نصف أبله، ومتخلف، لزواجه من الفتاة، ويوافق "حسن" ولاتعترض الفتاة رغم عدم رغبتها، ويتركها ويرحل لأنه لم يتعود علي تحمل المسئولية، وفي اليوم الثالث الذي يأتي في خريف 2001 يكتشف "حسن" بعد أن تحول إلي شيخ عجوز"عمر الشريف"بشاب يبحث عنه"شريف رمزي"، ويعتقد أنه جده، ويجد الشيخ العجوز في هذا الفتي دافعا له علي الاستمرار في الحياة، ولكن التساؤلات تلاحقه دائما في حقيقة نسب الفتي إليه، هل هو حفيده فعلا؟ هل حملت نورا منه أم من فؤاد الذي تزوجته في نفس الليلة التي شهدت اغتصابه لها، وتزداد حيرة الشيخ العجوز عندما تخبره طبيبة التجميل"بسمة" أن أنف الشاب مطابق لأنف عمرو واكد ذي التكوين النادر! ويحاول الشيخ العجوز أن يجرب بعض المغامرات التي كان يسمع أن من يعتقده ابنه يقوم بها، فيقف أمام القطار ولكنه يكاد يفقد حياته، ولايصل إلي يقين! إنها أزمة الإنسان عندما يصل إلي نهاية العمر دون أن يكون لديه هدف يعيش من أجله أو شخص ينتسب إليه، أو رفقة تساعده علي تحمل سنوات الشيخوخة واقتراب النهاية! مشكله الفيلم أنه ترك العديد من الأسئلة معلقة، فنحن لانعرف شيئاً عن حياة هذا الشيخ العجوز، وكيف أمضي نصف قرن من عمره، ولكن إذا استخدم المشاهد عقله قليلاً، فسوف يدرك أن هذا الشيخ العجوز"عمر الشريف" لم ينجح في تكوين أسرة وأنه رجل أمضي حياته بلا صداقات، إنه رجل بلا جذور يتعلق بفتي التقاه ، وتمني أن يكون حفيده، ولكن الفتي يضيق به ويتركه ويرحل في ليلة عيد، بعد أن يكون العجوز قد تعلق به! المسافر فيلم خاص فعلاً يحمل الكثير من جماليات السينما، وبه مشاهد صعب أن تنساها مثل إطلاق الخيول لتقفز في مياه البحر بعد أن تندلع النيران في السفينة، ولقاء الشيخ الكهل مع من يظنه حفيده، ومحاولته إيجاد أي نقاط تشابه في السلوك أو المزاج بينه وبين الفتي، وإعادة أجواء سنوات الأربعينيات في المشاهد الأولي، ومزج الواقع بالخيال أو مايطلق عليه الواقعية السحرية، هناك اهتمام كبير بالتشكيل الفني للكادر بحيث تتحول كل لقطة إلي لوحة فنية موحية، ولكن سوأة الفيلم في ردود أفعال شخصياته، وخاصة في الجزءين الأول الذي كان في حاجة إلي سخونة في الأداء واختزال الأزمنة غير المفيدة درامياً، ورغم المشاهد القليلة التي ظهر فيها "عمرو واكد" إلا أن وجوده كان أكثر إيجابية من خالد النبوي الذي لعب بطولة الجزءين الأول والثاني، واكتفت سيرين عبدالنور بجمالها ولكن برودها الشديد كان له تأثير ضد الشخصية، محمد شومان رائع في شخصية الصديق المتخلف، أما الجزء الثالث الذي لعب بطولته عمر الشريف فقد ضبط إيقاع الفيلم كله، ومنح المسافر عبقاً خاصاً، المسافر قصيدة شعرية، لم يستوعبها من يفضلون الشعر "الحلمنتيشي"، أحداثه التي تمتد لنصف قرن من عمر بطل الفيلم تجمع بين المأساة والسخرية، ولولا بطء الإيقاع في الجزءين الأول والثاني لكان للفيلم شأن آخر!