يبدو أن فيلم المسافر كان كلمة السر التي أكسبت مهرجان الاسكندرية السينمائي في دورته السادسة والعشرين حيوية, ظل طويلا يبحث عنها وينتظرها ولكنها كانت تجافيه وتخاصمه وكان فيلم الافتتاح. وكانت العادة أن ينصرف جمهور الضيوف والمدعوين بعد الاستعراض الغنائي الافتتاحي وبعد الترحيب بالضيوف والمكرمين وأعضاء لجنة التحكيم, ولكن هذه المرة انتهي الحفل ولم ينصرف المدعوون, بقي كل منهم في كرسيه يتململ أحيانا من إيقاع الفيلم وجمود الشخصيات, ويبدو أن فاروق حسني وزير الثقافة وعادل لبيب محافظ الاسكندرية, والنجم عمر الشريف كانوا الوحيدين الذين يملكون بعد نظر, حيث غادروا القاعة قبل عرض الفيلم مباشرة. خرج جمهور المدعوين من صالة العرض, بعد مشاهدة المسافر في صمت وذهول والفضول وسؤال ينتظر الجميع إجابة شافية أوغير شافية يجيب عن رأيه من خلالها في الفيلم واتفق الجميع علي رأيين, أولهما أن فكرة الفيلم جيدة جدا, والثاني أن ايقاع الفيلم سييء جدا وأن الفيلم نفسه ليس جميلا. وفي يوم الأربعاء الماضي والذي تلا عرض الفيلم عقدت ندوة لأبطال العمل ومنهم عمر الشريف, وسيرين عبدالنو, وشريف رمزي والمخرج أحمد ماهر وعلي مدي ثلاث ساعات كاملة اجتمع أكثر من مائة صحفي وناقد واثنتي عشرة كاميرا من محطات فضائية مختلفة تحاول رصد أي إجابة عن هذا الفيلم فكم كان الفيلم موترا وبدأت الندوة بأكثر الاسئلة تقليدية وكانت موجهة, بالطبع إلي النجم العالمي عمر الشريف والذي سئل عن هجومه علي فيلم المسافر في مهرجان فينسيا بدورته في العام الماضي وإعلان تبرئه من الفيلم فما هو رأيك ؟خصوصا بعد إعادة مونتاج الفيلم وبدبلوماسية فنان مدرب علي مواجهة الصحفيين في العالم حول عمر الشريف الحوار الي نشأته ومولده في الاسكندرية وكيف ساهمت والدته في صنعه, وفي أن تضع قدميه علي أول الطريق, ليكون بعد ذلك عمر الشريف الذي يعرفه العالم, وعندما تحدث عن الفيلم لم يكن متحمسا لرد النقد, ولكن أيضا لم يتبرأ منه والدليل كما قال أنه موجود هنا مع أول عرض للفيلم في مصر وبعد مرور سنة كاملة علي عرضه في فينسيا ورغم ذلك شهدت الندوة هجوما شديدا لم يحد من لهجته سوي بعض الخجل من وجود عمر الشريف نفسه إلي أن ظهر من تطاول بأسلوب غير صحفي وغير لائق علي الفيلم ومخرجه وبطلته سيرين عبدالنور, ثم هدأت بعد ذلك شحنة الهجوم وبدأت الكلمات العاقلة والأكثر قدرة علي قراءة المسافر, ومحاولة كشف مزاياه وعيوبه ولكن التساؤل الحقيقي الذي يطرح نفسه لماذا كل هذا الجدل.. لعل السبب الحقيقي يرجع الي غموض رؤية الفيلم, وأنه عمل بلا روح رغم تميز عناصره بشدة في التصوير والديكور والمونتاج والتمثيل, ففكرة المسافر تدور في ثلاثة أيام وفي ثلاثة أزمنة مختلفة, الزمن الأول في خريف1948 والثاني في خريف1973, والثالث خريف2001, والتواريخ الثلاثة تحمل دلالات تاريخية شديدة الأهمية بكل تأكيد, ففي التاريخ الأول احتلت إسرائيل الأراضي الفلسطيينة وفي الزمن الثاني حيث انتصر المصريون علي إسرائيل وطردوهم من سيناء, أما التاريخ الثالث فيتعلق بضرب برجي التجارة العالميين في أمريكا, وهذا الاختيار الزمني ليس له وجود في الفيلم, بل أن مخرج الفيلم ادعي في الندوة وفي حواراته المختلفة أنه لم يقصد شيئا بعينه, وهي مسألةغريبة فعلا والمهم أن شخصيات الفيلم عادية تماما, وكل الصراعات فيما بينهم رغم الأزمنة المختلفة هي محاولة إثبات نسب الابن لأبيه, وحفيده لجده, إنه قصة عمر الشريف التي يرويها في الزمن الأول عمر الشريف بصوته ويجسدها خالد النبوي,حيث يظن أن علاقته بنورا تجسدها سيرين عبدالنورأثمرت عن ابن, ثم يكتشف في الجزء الثاني بعد كثير من الشك أن له منها ابنا وابن, ففي الجزء الثالث يظهر الحفيد, ولكن تظل البنوة قائمة في حياة هذا الإنسان, الذي عاش حياته بالطول والعرض ولم يعد يذكر منها سوي هذه الأيام الثلاثة, والفيلم مغلف مثل أجواء تصويره وديكوراته بكثير من الغموض, والحوار المتقطع, الذي لاتكتمل فكرته أبدا, وفي نفس الوقت لاتملك إلا أن تتململ أثناء مشاهدته وعموما المسافر سوف يعرض في دور العرض المصرية بعد أسبوعين كما يمثل الفيلم أول عودة لإنتاج وزارة الثقافة بعد غياب40 عاما, والتساؤل هو كيف سيستقبله الجمهور بعد ما صدره الصحفيين والنقاد من إحباط عن الفيلم؟! دعونا ننتظر