أعادت وزارة الثقافة المصرية ممثلة في الهيئة العامة لقصور الثقافة طبع سيرة حمزة البهلوان أو حمزة العرب في أربعة مجلدات عن سلسلة الدراسات الشعبية، وهو العمل الشعبي الفذ الذي غاب لسنوات من علي أرفف المكتبات نتيجة نفاد طبعتها السابقة منتصف القرن الماضي. يعد "حمزة البهلوان" كغيره من أبطال السير الشعبية نموذجا لمن عرفهم التاريخ العربي الإسلامي باسم الشطار والزعار والعيارين، وهي فئة مهمشة لم تلق الاهتمام الكافي من قبل التاريخ الرسمي فما كان منهم إلا أن صاغوا أدبهم الخاص الأكثر حميمية وقربا للجماهير البسيطة في شكل السير الشعبية التي تزخر بمواقف مباشرة بين البطل والشعب وتعاونهما معا لمواجهة قهر السلطة بمختلف أشكالها. تبدأ سيرة "حمزة البهلوان" بحلم كسري أنوشروان ملك العجم (الفرس) عندما رأي أسدا يخلصه من كلب قد استولي علي طعامه، وهو ما فسره له الحكيم "بزرجمهر" بأن فارسا عربيا لم يولد بعد سيأتي لإعادة كسري إلي عرشه الذي سينتزعه منه بعض اللئام. ويصدق كسري التفسير ويأمر الحكيم "بزرجمهر"الذي فسر له الحلم بأن يذهب إلي بلاد العرب ويبحث عن هذا البطل المقدر ولادته في قابل الأيام ليختص بتربيته تربية المحاربين، وتدور الأيام ويولد حمزة البهلوان الذي يتربي علي الشجاعة وإتقان الحيل حتي يتحقق الحلم عندما ينتصر حمزة العربي -بطل السيرة- علي قائد قطاع الطرق "خارتين اليهودي" الذين استولي علي عرش كسري ويعيد الملك إلي عرشه. تتداخل سيرة حمزة البهلوان مع سيرة شعبية أخري هي سيرة"سيف بن ذي يزن"، فالسيرتان معا وقعتا في الفترة السابقة علي ظهور الإسلام مباشرة-وهو نفس حال سيرة عنترة بن شداد-، وكلاهما رصد شعبي للعلاقات العربية الفارسية قبل الإسلام، لكن تتميز سيرة "سيف بن ذي يزن" بأصلها التاريخي الواقعي الذي بنيت علي أساسه التصور الشعبي لبطولة ابن ذي يزن وتحريره لليمن "العربي" من الغزو "الحبشي"بمساعدة كسري "الفارسي"، والتغيرات التي حدثت له بعد ارتقائه عرش الملك، في حين تسبح سيرة "حمزة البهلوان" في عالم الخيال الذي لايستعين بالتاريخ إلا في استدعاء أسماء حقيقية ككسري أنوشروان ملك الفرس ووزيره الشهير بزرجمهر، وفترة زمنية معينة هي السنوات القليلة السابقة علي ظهور الإسلام، هذا الإطار التاريخي هش في سيرة "حمزة البهلوان"، علي العكس من قوته في سيرة "سيف بن ذي يزن"، وهو ما مكن الراوي الشعبي من الانطلاق في بحر الخيال لينسج قصة محبوكة شديدة الجاذبية هو ما جعلها واحدة من أكثر السير الشعبية تماسكا، فكل شخصية مرسومة ببراعة تجعلها نابضة بالحياة وحية في الأذهان وصالحة لكل زمان ومكان. الواضح من سيرة "حمزة العرب" هو ذلك الصراع الخفي بين القومية العربية والقومية الفارسية، فالأولي تبحث عن ذاتها وحقها في الوجود وتشكيل خصوصيتها من خلال مغامرات حمزة البهلوان وتابعه عمر العيار في الوقت الذي تفرض القوة الفارسية الممثلة في كسري أنوشروان شخصيتها وتحاول محو كل النماذج في القومية الفارسية، وهو رفضه الراوي الشعبي الذي جاء في العصر الإسلامي بعد انتصار العرب وتكوينهم لدولة الخلافة الإسلامية مترامية الأطراف التي استوعبت كل القوميات في كيانها الضخم بما فيها القومية الفارسية، لذلك نراه يؤكد الطابع العربي في سيرته معبرا عن الانتصار العربي الدائم فيعطي ل"حمزة العرب" دور البطولة المطلقة في قلب البلاط الفارسي في السيرة.