ونحن نحتفي بمئوية الكاتب الكبير نجيب محفوظ لابد أن يتداعي إلي خواطرنا أنه مر علي الحياة في وطننا كاتب كبير ملأ الدنيا وشغل الناس، وعندما رحل عن دنيانا ترك تراثا أدبيا رفيعا يغالب الزمن ويقهر الفناء. وتظهر عبقرية نجيب محفوظ فيما كتب من روايات وقصص، وتتجسد موهبته عندما يتخذ من (الحارة) مسرحا لأفكاره، فتبرز موهبته في نظرته إلي الأمور والحياة.. من خلال رؤاه الفلسفية والواقعية.. وتنحسر هذه الموهبة سواء في رواياته التاريخية أو الاجتماعية أو السياسية .. فأنت تقرأ رواياته التاريخية (كفاح طيبة ورادوبيس وعين الأقدار)، بنفس النهم الذي تقرأ به رواياته ذات الطابع الفلسفي كالحرافيش وأولاد حارتنا والسمان والخريف والطريق وثرثرة علي النيل واللص والكلاب وغيرها من روائعه الأدبية، وربما كانت دراسة للفلسفة الخلفية التي أعطته هذا العمق في التحليل لواقع مجتمعنا وهو يسعي إلي تغييره إلي واقع يلائم روح العصر، والتطلع إلي الحرية والاستقلال، وإحساس المواطن بأنه إنسان كريم يجب أن يعيش في وطن كريم .. ومازال عالقا في ذهني الحكاية (رقم 77) من قصص (حكايات حارتنا) ومافيها من بعد فلسفي عميق شأن كل قصص نجيب محفوظ.. ففي هذه الحكاية نري أنور جلال جالسا علي سلم السبيل الأثري وهو يضحك عاليا، وعندما يسأل عن السبب يقول: تذكرت أني طالب بين طلبة متنافسين، في مدرسة تجمع بين طلبة الأزقة المتخاصمة، في حارة وسط حارات متعادية، وأني كائن بين ملايين الكائنات المنظورة وغير المنظورة، في كرة أرضية تهيم وسط مجموعة شمسية لا سلطان لي عليها، والمجموعة ضائعة في سديم هائل، والسديم تائه في كون لا نهائي، وأن الحياة التي أنتمي إليها مثل نقطة الندي فوق ورقة شجرة فارعة، وأنا عليَّ أن أسلم بذلك كله ثم أعيش لأهتم بالأحزان والأفراح لذلك لا أتمالك نفسي من الضحك فيضحك معه سائله، غير أنه يسأله: هل تضمن أن تشرق الشمس غدا؟ فأقول بثقة: لا أستطيع أن أراهن علي ذلك فيقول وهو يضحك: »طوبي للحمقي فهم السعداء«. تري هل نجيب محفوظ شخصية غير قابلة للتكرار، أم أن مصر العظيمة قادرة علي إنجاب أدباء في حجم نجيب محفوظ، لأنها الأرض المعطاءة والتي لم تعرف العقم علي مر العصور؟!