«رموز مصرية» هو الفيلم الذي استهلت به لجنة القصة احتفال المجلس الأعلي للثقافة بمرور 100 سنة علي مولد نجيب محفوظ «1911-2006» في ندوة بعنوان «سينما نجيب محفوظ.. و«رموز مصرية» هو الفيلم التسجيلي الذي أخرجه هاشم النحاس، وقد تم تسجيله عام 2004 في عيد ميلاد محفوظ قبل الأخير..، وقد احتشد السينمائيون والأدباء والجمهور للاحتفال بمئوية نجيب محفوظ كما حرص د. عماد أبوغازي وزير الثقافة ود. عز الدين شكري الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة علي حضور الاحتفالية التي افتتحها الروائي خيري شلبي رئيس لجنة القصة. حرص نجوم فن السينما علي حضور الاحتفالية وخاصة المخرج الكبير توفيق صالح، والناقد السينمائي كمال رمزي، والمخرج السينمائي هاشم النحاس والفنان عزت العلايلي، والفنانة معالي زايد، والناقد السينمائي محمود قاسم، ود. أماني فؤاد، وقدم للندوة الروائي يوسف القعيد. والبعد السياسي الذي أظل بظله فيلم «رموز مصرية» والذي تناول حواراً حميماً بين محفوظ وأصدقائه - من كبار المثقفين - هو بعد أصيل في إبداع محفوظ الأدبي والسينمائي والذي اهتم بالقضايا الإنسانية الكبري إذ لا تكاد تخلو رواية من رواياته من سلافة لها مذاق إنساني خاص مثل قضايا الموت والحياة والوجود والعدم والخير والشر. وتعد «سينما نجيب محفوظ» أحد الروافد الغنية بالفيلم السياسي ومن أبرز أفلامه التي كانت السياسة محورا مهما فيها: أفلام مثل: «اللص والكلاب»، و«السمان والخريف»، و«الشحاذ»، و«ثرثرة فوق النيل»، و«ميرامار» والمأخوذة جميعاً عن رواياته والتي عرضت جميعاً في الستينيات وناقشت العلاقة بين الشعب والسلطة.. ومن أهم الأفلام التي حرصت السلطات السياسية وقتها علي حضور عرضه في مبني الرقابة - قبل عرضه علي الجمهور - هو فيلم «ميرامار» الذي حضر عرضه أنور السادات، وشعراوي جمعة، وعبدالمحسن أبوالنور وحكمت أبوزيد مع أسرة المؤسسة السينمائية، وقال السادات حينذاك: «لماذا التردد اعرضوا هذا الفيلم كاملاً» وقد عدته الصحافة وقتها إشارة للمناقشة والنقد وكان ذلك عام 1969. • عين علي السياسة وعين علي الدين! وتحدث المخرج الكبير توفيق صالح عن صداقته لنجيب محفوظ كما تحدث عن بدايات محفوظ السينمائية فقال: «إن إنتاج محفوظ الأغزر كان في مجال السينما أكثر من الأدب فقد كتب للسينما ستين عملاً سينمائياً بينما كتب خمسين عملاً أدبيا بين الرواية والقصة القصيرة. وتحدث توفيق صالح عن البداية الأولي لمحفوظ في مجال السينما فقال: في أواخر الأربعينيات تعاون صلاح أبوسيف مع نجيب محفوظ فاستعان به في كتابة سيناريو مغامرات «عنتر وعبلة» وكان أبوسيف قد قرأ رواية «عبث الأقدار» لمحفوظ واكتشف موهبته اللافتة في الكتابة - وقد تعارفا من خلال فؤاد نويرة - شقيق الفنان عبدالحليم نويرة - والذي كان صديقاً لنجيب محفوظ وحصل نجيب وقتها علي أربعين جنيها أجرا علي كتابة السيناريو. ويري توفيق صالح أن رواية «بداية ونهاية» وهي أول رواية لمحفوظ تقدم للسينما كانت الأقرب عند تنفيذها سينمائياً للنص الأصلي للرواية وكان السيناريست الذي أعدها للسينما هو صلاح عز الدين. ويقول توفيق صالح: إن نجيب محفوظ كان دائماً يضع عيناً علي السياسة وعيناً علي الدين في أعماله وخاصة في رواياته «رحلة ابن فطومة»، و«ليالي ألف ليلة وليلة»، و«الحرافيش». وبالفعل فإن مكانة نجيب محفوظ في السينما لا تقل عن مكانته في أدبنا المعاصر فهو أول أديب يكتب للسينما عام 1945 « مغامرات عنتر وعبلة»، ثم كتب بعده سيناريو فيلم: «المنتقم» ثم استمر في كتابة السيناريو بصورة شبه منتظمة حتي عام 1960، وفي هذا العام بدأت قصصه الأدبية تتحول إلي أفلام. • العلايلي ونجيب محفوظ وأم كلثوم! وتحدث الفنان الكبير عزت العلايلي فقال: عندما كنت أقرأ رواية أو سيناريو لنجيب محفوظ فإنني كنت أري شخصياته وأسمعها وأشوفها صورة وأستمتع بها وعندما كنت أدخل البلاتوه لأجسد شخصية من شخصياته كنت أشعر بأنها أسعد لحظة من لحظات عمري. وقد التقيت محفوظ عام 1967، وكان ثالثنا «إريك رولو» وكان رئيس تحرير اللوموند وكان مصرياً وكنا نتحدث ونتساءل «لماذا حدثت النكسة؟»، وقلت لمحفوظ: «هنعمل إيه ياعم نجيب؟.. وكانت الإجابة فيلم «الاختيار» الذي أخرجه الفنان يوسف شاهين وقد عرض وقتها في سينما ريفولي وقد تلقيت حينذاك عدة آراء سلبية حول الفيلم فخرجت من العرض حزيناً، وكنت وأنا ويوسف شاهين في لقاء مع كوكب الشرق أم كلثوم، ولما سألت شاهين عن سبب غضبي، قال لها السبب فقالت: «عندما يعطي ربنا لنا الموهبة فأنه لا يتخلي عنها ولا عنا» فخرجت سعيداً. وقد عرض فيلم «الاختيار» لأول مرة بسينما ريفولي في 15/3/1971 ويذكر أن عزت العلايلي قد قام ببطولة عدة أفلام عن روايات لنجيب محفوظ منها: «أهل القمة»، و«التوت والنبوت»، كما قام العلايلي بدور سرحان البحيري في رواية «ميرامار» في رباعية للتليفزيون المصري وهو من الأدوار التي يري العلايلي أنها أثرت في نفسه وتعلق بها كثيراً. • معالي زايد ودنيا الله! أما الفنانة معالي زايد فقد تحدثت عن الأدوار التي لعبتها وجسدت فيها شخصيات نسائية من أدب نجيب محفوظ فقالت: «لقد أسهمت هذه الأدوار في دفعي إلي الأمام في رحلتي السينمائية والتليفزيونية ففي السينما لعبت دور ياسمين في فيلم «دنيا الله» والذي أخرجه حسن الإمام، وعلي المسرح لعبت دور «حميدة» في رواية زقاق المدق، دور «زنوبة» في روايتي: «بين القصرين» و«قصر الشوق» لنجيب محفوظ ولكن علي شاشة التليفزيون. • مفتاح شخصياته! وقد تحدث الناقد كمال رمزي عن المصادر الروائية في الأفلام السينمائية في سينما نجيب محفوظ فقال: «محفوظ يملك عصا سحرية من النور فأي عمل سينمائي فيه لمسة من نجيب محفوظ يعني ضوءا ونورا فقد كان يملك الفهم الكامل العميق لشخصياته ولذا يعطي الممثل مفتاح الشخصية، وأذكر أنني عرضت علي الفنان شكري سرحان أن يقرأ رواية «اللص والكلاب» فاشتراها من الفجالة وبمجرد أن قرأ أول صفحتين من الرواية وافق علي أداء الدور قال: «أشعر أن في جوفي نارا.. لقد أهداني محفوظ مفتاح الشخصية في عبارة واحدة هي: «آن للغضب أن ينفجر وأن يحرق وعندما مثلت شادية دور «حميدة» في رواية «زقاق المدق» فقد افتتنت بمفتاح الشخصية التي جسدتها عبارة تقول: «كانت كالصخرة تندفع من أعلي إلي أسفل لا يمنعها إلا الحصي الصغير». ورغم ما رآه كمال رمزي من قدرة السينما علي تجسيد روايات نجيب محفوظ فإن الآراء النقدية قد تنوعت في تناول السينما لروايات محفوظ فقد رأي الناقد الراحل كمال النجمي أن السينمائيين يبذلون في إعداد روايات نجيب محفوظ كل الجهد ثم لا يتاح لهم أن ينقلوا من تعبيرها الفني إلي شاشة السينما إلا ما تيسر كأنهم يقفون علي بحر لا ساحل له. وكان محفوظ قد كتب بشكل مباشر للسينما لمدة اثني عشر عاما من عام «1947 - 1959» قدم خلالها 17 عملاً ثم ستة أعمال أخري في أزمنة متباعدة ومن هذه الأعمال «جعلوني مجرماً» فكان السيناريو لنجيب محفوظ والسيد بدير عن قصة رمسيس نجيب وفريد شوقي، وفيلم «الفتوة» الذي أسهم بكتابة السيناريو له نجيب محفوظ وصلاح أبوسيف ومحمود صبحي والسيد بدير عن قصة لمحمود صبحي وفريد شوقي. • المكان في سينما نجيب محفوظ وتحدث الناقد محمود قاسم عن سمات المكان في سينما نجيب محفوظ فقال: «المكان في الأفلام المأخوذة عن روايات محفوظ يتسم بالضيق فهو شبه مغلق يمارس فيه الأبطال جميع أشكال الحياة محبوسين فيه باختيارهم، وكل من فكر في الخروج تصيبه لعنة المكان وضرب مثالاً بفيلم «فتوات الحسينية» من إخراج نيازي مصطفي عام 1954 حيث المكان حارة مغلقة، و في فيلم «ريا وسكينة» المكان مخنوق في بيت صغير!، وفي فيلم «زقاق المدق» البيوت صغيرة مخنوقة حاولت «حميدة» الإفلات من هذا المكان فدفعت حياتها ثمناً لذلك ويضيف قاسم بأنه مهما ارتحل أصحاب المكان فلابد أنهم عائدون، لا يغادرون إلا من أجل الدوران حول المكان والعودة إليه ويبدو ذلك في فيلمي «درب المهابيل»، و«النمرود». ويبدو أن نجيب محفوظ، وهو الأديب الوحيد الذي ارتبطت وظيفته ارتباطاً مباشرا بالسينما، كان قد أدرك أهمية لغة الصورة كلغة للتخاطب الفني فقد عمل محفوظ رئيساً للمؤسسة المصرية العامة للسينما في أوائل الستينيات، والتي أصبحت فيما بعد المركز القومي للسينما، وعمل مديراً للرقابة ثم مديراً لمؤسسة السينما ثم مستشاراً لوزير الثقافة لشئون السينما. ورغم ما أثاره تحول رواياته وقصصه إلي أفلام من مناقشات فتبقي للعمل الأدبي سماته وللعمل السينمائي رموزه وأدواته ولذا قال محفوظ: «إن التطور الحضاري في عصرنا قد قلل من أهمية الكلمة المباشرة للتخاطب الفني وأعطي الأهمية للصورة الموحية بالمعني». وتبقي «سينما نجيب محفوظ» حلقة من حلقات لا تنتهي في سلسلة الكشف عن إبداعه والتي نحتفل بها في عام نجيب محفوظ ومئويته.