بكثافة تصويتية أُعيد انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني لفترة رئاسية ثانية، ومن الجولة الأولي حصل علي الأغلبية المطلقة بواقع57٪ من إجمالي الأصوات، فيما حصل منافسه المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي علي 38.3٪، وبحسب وزير الداخلية عبدالرضا فضلي فقد "صوت في الاستحقاق الرئاسي 41.2 مليون إيراني" ما يعني 73٪ ممن يحق لهم التصويت. ويمنح الفوز روحاني الفرصة للمضي في سياسة الانفتاح التي اعتمدها لإخراج إيران من عزلتها الدولية. ويُلقب روحاني (68 عاما) ب"الشيخ الدبلوماسي". ويعتمر رجل الدين المعتدل برتبة حجة الإسلام، عمامة بيضاء ويطلق لحية خطها الشيب، وهو متزوج وأب لأربعة أولاد، ويحمل شهادة الدكتوراه في القانون من جامعة جلاسجو في اسكتلندا. ووعد روحاني في أول تصريحاته بعد الفوز بتحقيق تعهداته الانتخابية بتوفير مناخ أكثر حرية وتحسين الاقتصاد. وكتب علي حسابه علي تويتر (إيران أمة عظيمة. أنتم الفائزون الحقيقيون بالانتخابات.. سأظل ملتزما بالعهود التي قطعتها). وسيبقي اسم روحاني مرتبطا بالاتفاق التاريخي الذي أبرم، في يوليو 2015، مع مجموعة الخمس +1 (أمريكاروسياإنجلترافرنساالصين مجلس الأمن)،حول برنامج إيران النووي، والذي أفضي لرفع العقوبات عن نظام الملالي، مقابل حصر البرنامج في الأغراض المدنية. وذلك إثر مفاوضات مباشرة مع الولاياتالمتحدة، العدو التاريخي للجمهورية الإسلامية، بموافقة المرشد الأعلي آية الله علي خامنئي، لكن الأخير منعه لاحقاً من أي مفاوضات أخري مع واشنطن. يٌعد روحاني، المولود في 12نوفمبر 1948 في منطقة سرخه بمحافظة سمنان (شرق طهران) وكان والده تاجرا ووالدته ربة منزل، من الركائز الأساسية للجمهورية الإسلامية، ومعروفا بقربه من الرئيس الراحل أكبر هاشمي رفسنجاني، وحظي خلال حملته الانتخابية بدعم الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي. وكان روحاني إلي جانب الإمام الخميني عندما تم نفيه إلي فرنسا قبل الثورة الإسلامية في 1979، وكان مصنفاً حتي عام 2000 ضمن معسكر المحافظين قبل أن يتقرب من المعتدلين والإصلاحيين، وباتت مواقفه أقرب لهم بخصوص الحريات والثقافة والانفتاح علي العالم والتساهل في ارتداء الحجاب. كان روحاني نائبا بين عامي 1980 و2000، ثم انتخب عضوا في مجلس الخبراء، الهيئة المكلفة بالإشراف علي عمل المرشد الأعلي آية الله خامنئي. وتولي روحاني منصب نائب رئيس مجلس الشوري، كما كان كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي بين عامي 2003 و2005. وفي هذه الفترة حاز لقب "الشيخ الدبلوماسي". ولكنه أقصي من هذا المنصب بعد انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسا للجمهورية في 2005. وانتخب روحاني رئيسا للمرة الأولي في عام 2013 ب50.7٪ من الأصوات من الدورة الأولي، بفضل دعم الإصلاحيين، وكانت نهاية عزل إيران أولويته المطلقة. وترشح لولاية رئاسية ثانية، لأنه مصمم علي مواصلة سياسة الانفتاح. وأكد خلال الحملة أن "عهد أنصار العنف والمتطرفين قد ولي". وكان شعار حملته أوصلنا إلي منتصف الطريق ولا عودة ممكنة إلي الوراءب. ودعا الناخبين الإصلاحيين والمعتدلين إلي التعبئة، بمن فيهم الذين يتهمونه بأنه لم ينجح في إنهاء الإقامة الجبرية المفروضة علي مير حسين موسوي ومهدي كروبي كما وعد في 2013. وكان موسوي وكروبي، المرشحان الإصلاحيان للاقتراع الرئاسي في 2009، احتجا علي إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد وقادا تظاهرات حاشدة قامت السلطات بقمعها بالقوة. وأدي ذلك إلي وضعهما في الإقامة الجبرية في فبراير 2011. واعترف روحاني »لم تنجح حكومتي في إنجاز بعض الأمور. لكن إذا حصلت علي 51٪ من الأصوات سيصبح الأمر ممكنا». وها قد حصل علي أكثر مما كان يتمناه. في كل الأحوال يمكنك أن تتحدث، أوتتجاهل الحديث، عن انتخابات الرئاسة في إيران، يمكنك أن تتذكر موعدها أو تنساه، يمكنك أن تتبع أخبارها أو لا تلقي لها بالا، بل يمكنك أن تخالف المثل الروسي الشهير الا تبع جلد الدب قبل صيدهب، فمحصلة ما قبل الاستحقاق الرئاسي لا يختلف عما بعده، اللهم في اسم الرئيس الذي قد يتغير أو يبقي كما هو، أما عن السياسات والرؤي والتخطيط والتنظير وأوامر التنفيذ، فكل ذلك في يد رجل واحد تقسم له كل مؤسسات الدولة بطاعة العمياء و ولاء غير مشروط، هذا الرجل هو المرشد الأعلي للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي صاحب ال78 عاما، و ثاني مرشد في تاريخ إيران منذ قيام ثورتها الإسلامية عام 1979، ويشغل منصبه منذ 28 عاما، خلفا لمؤسس الجمهورية الإسلامية و قائد ثورتها أية الله الخوميني. لا أحد يمكنه أن ينازع الرجل فيما يملكه من سلطات وصلاحيات، فقوات الباسدران (الحرس الثوري الإيراني) لا تقسم بالولاء إلا للمرشد، والشيء ذاته يفعله القضاء و البرلمان و مجلس حراس الثورة و جمعية الخبراء، و قبل كل هؤلاء مؤسسة الرئاسة والسيد رئيس الجمهورية أيا كان شخصه أو توجهه. إذ، من يحكم إيران؟ ذلك السؤال، الذي يحمله عنوان كتاب للباحث ويلفريد بوشتا، الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني، يسأله كل الدبلوماسيين الغربيين و قادة أركان جيوش أوروبا، الذين تفاوضوا عبر سنوات، مع نظرائهم الإيرانيين، حول برنامج طهران النووي، و تبدو الإجابة علي هذا السؤال في غاية البساطة: إنه الله . فطبقا للمادة الثانية من الدستور الإيراني: »الله يمارس السيادة المطلقة في إيران ويشرف علي إعداد القوانين». بالنسبة للسلطة علي الأرض فإن من يمارسها، طبقا للمسلمين الشيعة، فهم الأئمة المنحدرون من نسل الإمام علي بن أبي طالب ابن عم النبي محمد (صلي الله عليه وسلم)، وآخرهم الإمام المهدي المنتظر الملقب ب»الحي الغائب» أو»معلم الزمان» الذي اختفي حينما كان عمره خمس سنوات، ويقول الشيعة إنه سيظهر آخر الزمان ليخلص البشرية مما هي فيه من تخبط و ضلال، وعلي مدار قرون كان كل أئمة الشيعة يحرمون علي رجال الدين ممارسة السياسة لأن ذلك من وجهة نظرهم بمثابة اغتصاب لسلطة الإمام المهدي المنتظر، غير أن الإمام الخميني استطاع تغيير هذه الفكرة بعد آلاف السنوات، وأفتي، خلال فترة نفيه بفرنسا وقبيل سقوط نظام الشاه مباشرة، بأنه يتعين علي رجال الدين المتفقهين فيه ممارسة دور الإمام المهدي المنتظر حتي يظهر ذلك الأخير، ومن هنا أنشأ الخميني مذهبه الشهير المعروف باسم "ولاية الفقيه"، الذي يمنح رجال الحوزة العلمية الدينية سلطات غير محدودة في التنظير لرجال السياسة وإملاء عليهم ما يجب ومالا يجب فعله، و بالمخالفة لاعتقادات ظلت راسخة عند المسلمين الشيعة لعقود من الزمان، جاءت المادة الخامسة من الدستور الإيراني لتنص علي: »في ظل غياب معلم الزمان عجل الله بظهوره فإن السلطة تؤول لإمام عالم، عادل، زاهد، فقيه »ولديه قدرات إدارية». من هو الإمام الفقيه في إيران حاليا؟ هو بلا شك علي خامنئي الذي يتمتع بصلاحيات شبه إلهيه، ذلك الرجل الذي وضعته مجلة فوربس عام 2012، في المرتبة الحادية والعشرين في قائمة أقوي وأكثر الشخصيات تأثيرا في العالم، عند توليه منصبه كمرشد أعلي عام 1989 لم يكن سوي »حجة الإسلام» (إحدي الدرجات الدينية فوق متوسطة عند أئمة الشيعة)، ولكنه بين عشية و ضحاها حصل علي لقب »آية الله» وهي درجة عليا، كان من المفترض ألا يحصل عليها قبل عشر سنوات من التعمق في الدراسات القرآنية، وخلال فترة توليه منصبه تعاقب عليه 4 رؤساء هم : هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي ومحمود أحمدي نجاد والرئيس المعاد انتخابه لفترة ثانية حسن روحاني، ورغم ما شهدته سنواته الثماني والعشرين من تغيرات وأحداث دراماتيكية، فلا أحد يحمله مسئولية أي شيء مما حدث: تضاعف سعر الخبز مرتين واللحم سبع مرات، فالمسئول عن ذلك هو رئيس الجمهورية وسياساته الاقتصادية. سياسيون يتمتعون بشعبية كبيرة (مثل الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد ومن قبله الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني) تم منعهم من الترشح للانتخابات فإن المسئول عن ذلك هو مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يعتمد أوراق المرشحين.. مظاهرات تم قمعها بعنف وسالت دماء المتظاهرين يُسأل عن ذلك ميليشيا الباستيج الشعبية التابعة للحرس الثوري الإيراني(الحرس الثوري المعروف باسم الباسدران غير الجيش النظامي التابع للدولة). خامنئي لا يجري أي مقابلات صحفية ولا يغادر إيران لأي سبب من الأسباب، و لم يلتق في منزله سوي بعدد محدود من رؤساء العالم، كان أبرزهم الروسي فلاديمير بوتين والرئيس البرازيلي السابق لولا دي سلفا، وفي ظهوره العلني أثناء صلاة الجمعة أو أي مناسبة دينية، يحظر علي الحضور توجيه أي سؤال للرجل، المعروف عنه قليل من المعلومات أبرزها متابعته للصحف الأمريكية وإعجابه بالمفكر الفرنسي جان بول سارتر، و أنه دائم التفكر في تجربة الحكم الشيوعي وانهيار الاتحاد السوفيتي عقب قيام آخر رؤسائه ميخائيل جورباتشوف باتباع سياستي البروسترويكا والجلاسنوست. وبخلاف ذلك فإن الكلمات الطاغية علي خطاب الرجل، تكشف عن شخص يؤمن تماماَ بنظرية المؤامرة، فهو دائم التحذير من أعداء الخارج المتآمرين علي إيران وغالبا ما يخص بالذكر إسرائيل والولاياتالمتحدة، ودائما ما يصفهما بقوي العجرفة الشيطانية السرطانية الرجعية القمعية الإمبريالية التآمرية السامة. منذ توليه منصبه، لا يكاد يمر علي خامنئي إلا و اتخذ فيه إجراء يعزز من سلطته ووضعه المهيمن علي كل أجهزة الدولة، من خلال خلق حالة من المركزية الشديدة في كل المؤسسات لا سيما الحساس منها، بحيث يكون هو المصدر المتحكم في كل شيء، فطبقا للمادة 110 من الدستور الإيراني، التي تمت إضافتها في عهده، فإن المرشد الأعلي هو من "يعين مدير عام التليفزيون والراديو المحليين وكل قادة أسلحة الجيش"! ولكن المعضلة لا تكمن هنا فقط ولكن في النصوص الدستورية المعقدة والمتشابكة لدرجة تجعل من المرشد الأعلي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، رجل بحصانة و بصلاحيات لم يعرفهما أي حاكم في تاريخ البشرية، فمن الناحية النظرية فإن جمعية خبراء النظام التي تضم 86 من رجال الدين يمكنها عزل المرشد واختيار خليفة له، ولكن الأعضاء ال86 يتم اختيارهم بمعرفة مجلس الحرس الثوري البالغ عدد أعضائه 12 فردا، يقوم المرشد بتعيين نصفهم فيما يتم اختيار النصف الآخر بأصوات أعضاء البرلمان بناء علي توصية من وزير العدل الذي يعينه المرشد!