أسبوع هو الأصعب للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بل إن أحداثه أخذت ملياردير العقارات إلي مسار خطير، بفعل الإقالة المفاجئة المثيرة للشبهة لجيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الفيدراليFBI وتدور الشكوك حول الأبعاد الحقيقية ومسار التحقيق حول العلاقات بين فريق حملة الرئيس وروسيا. وسكب ترامب مزيدا من الزيت علي النار من خلال تغريدات تحذيرية لكومي كي لا يتحدث للصحافة، ملوِّحاً من جهته بتسريب محادثات هاتفية مسجلة بينهما، ما فتح عليه نيران النقد من كل حدب وصوب. ويمكن فهم أبعاد ذلك الموقف المعقد من خلال سلسلة من الأحداث نسردها علي النحو التالي: - منذ حوالي شهرين قال ترامب إن الرئيس السابق باراك أوباما كان يتنصت علي مكالماته في أيامه الأخيرة بالبيت الأبيض. - كومي تحدي الرئيس ترامب بشكل علني رافضا ادعاءه بأن أوباما كان يتنصت عليه. - قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية بأسبوع فتح كومي تحقيقاً عن استخدام هيلاري كلينتون بريدها الإلكتروني الشخصي في مراسلات رسمية تخص وزارة الخارجية حينما كانت هيلاري وزيرة في الفترة من 2009 إلي 2013 ما أثر علي شعبية هيلاري. - الأسبوع الماضي قال كومي لنواب في الكونجرس إنه شعر ب»الغثيان» من فكرة أنه تسبب في التأثير علي نتائج الانتخابات. - بقيادة كومي، توصل FBI إلي أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعطي الضوء الأخضر لحملة واسعة تهدف إلي قلب نتيجة الانتخابات العام الماضي لتصب في صالح ترامب علي حساب منافسته هيلاري كلينتون. - صباح الأربعاء الماضي أرسل ترامب رسالة لكومي من بين ما جاء فيها »تم إنهاء خدماتك وإقالتك، وسيطبق القرار فورا». - من المعروف أن رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي يبقي في منصبه لمدة 10 سنوات، وكان من المفترض رحيل كومي في سبتمبر 2023. - تشاك شومر زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ قال لترامب »أنتم ترتكبون خطأ فادحاً.. لا يبدو وكأن القرار جاء محض صدفة». - السيناتور الجمهوري ريتشارد بور المفترض أنه مؤيد لترامب قال »أنا قلق بشأن توقيت وسبب إقالة كومي». - عضو الكونجرس الجمهوري جاستن أماش وصف أجزاء من رسالة ترامب لكومي بأنها »غريبة». - الفترة الماضية كانت مليئة بالشكوك عن احتمالية استدعاء ترامب للكونجرس أمام لجنة استماع بناء علي كلام كومي، ولو حدث ذلك فسيكون معناه سقوط هيبة الرئيس الأمريكي وإجباره علي الاستقالة بشكل تلقائي. - إقالة كومي بهذا الشكل مشابهة لسلسلة إقالات قام بها الرئيس الجمهوري الأسبق ريتشارد نيكسون الذي تم إجباره علي الاستقالة عام 1974 بعد فضيحة تنصته علي الحزب الديمقراطي فيما عُرِف بفضيحة ووترجيت. وكانت الإقالات التي قام بها نيكسون بمثابة المحاولات الفاشلة للتغطية علي فضيحة التنصت. لقطع الطريق أمام التكهنات، قرر كبار المسؤولين الجمهوريين رفض المطلب الرئيسي للديمقراطيين وهو تعيين مدع عام خاص للتحقيق حول العلاقات المفترضة بين أفراد فريق ترامب الانتخابي وروسيا. كما ذكر الجمهوريون بأن لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ تواصل تحقيقاتها وأن الكونجرس سيكون له رأي حاسم عند تعيين خلف لكومي. إلا أن عددا من أعضاء الكونجرس أعربوا علنا عن استغرابهم وحتي عن خوفهم إزاء ما يحدث. السيناتور الجمهوري جون ماكين قال في مقابلة مع شبكة سي إن إن: »عندما تطرد إحدي أكثر الشخصيات احترامًا في الولاياتالمتحدة من منصبه، من مصلحتك أن يكون لديك تفسير جيد جدًا لذلك، وحتي الآن لم أسمع شيئًا من هذا القبيل». واعتبر السيناتور الجمهوري بن ساس أن توقيت إقالة كومي »مربك جدا»، ودعا ترامب دون مواربة عبر إذاعة NPک إلي »تكريس وقت أكبر لمواجهة أزمة الثقة لدي الرأي العام» إزاء الطبقة السياسية والمؤسسات بدلا من تزكيتها. وتابع ساس: إن »الإف بي آي مؤسسة في غاية الأهمية في حياة الأمريكيين ومديرها يعين بولاية من عشر سنوات لسبب وجيه وهو أنه يجب ألا يُنظر إليه بأنه جمهوري أو ديمقراطي بل كمحقق غير منحاز». وأعرب عدة مسؤولين عن استغرابهم لأن ترامب لم يستبق الصدمة التي كانت ستثيرها إقالة كومي: فمكتب التحقيقات الذي يعتبر من رموز الولاياتالمتحدة أنشئ قبل أكثر من قرن وهذه المرة الثانية فقط في تاريخه التي تتم فيها إقالة مديره من قبل الرئيس. أشد خطراً صحيفة نيويورك تايمز كتبت في افتتاحيتها أن الرئيس ترامب أقال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي لوقف تحقيق »يمكن أن يسفر عن نتائج مدمرة للإدارة». وقالت الصحيفة إن ترامب بإقالته كومي أثار شكوكاً بمواصلة التحقيق في علاقات حملة ترامب الانتخابية بروسيا، الأمر الذي يمكن أن يصبح »من أكبر الفضائح السياسية» في تاريخ الولاياتالمتحدة. وأشارت النيويورك تايمز إلي أن ترامب أشاد بأداء كومي حين أعلن في إفادة امام الكونجرس إعادة فتح التحقيق في مراسلات كلينتون عن طريق حسابها الخاص علي البريد الإلكتروني. وتابعت الصحيفة: »بالطبع إذا كان ترامب يعتقد حقاً، كما قال في رسالة الإقالة، إن كومي أضعف الثقة العامة بالمكتب فإنه كان يستطيع أن يقيله في اليوم الأول من توليه الرئاسة». ومضت الصحيفة قائلة »إن كومي أُقيل لأنه كان يقود تحقيقاً فاعلا يمكن أن يُسقط الرئيس. ورغم النيل من سمعة مكتب التحقيقات الفيدرالي بسبب سوء تقدير كومي نفسه، فإن المكتب كان يحقق في وجود علاقات بين الحكومة الروسية وترامب وشركائه بما يمكن أن يسفر عن نتائج مدمرة للإدارة». واعتبرت النيويورك تايمز في افتتاحيتها أن التحقيق الذي كان يجريه كومي قبل إقالته »كان المجهود الجاد الوحيد للوصول إلي حقيقة علاقات روسية بحملة ترامب». ودعت الصحيفة إلي تعيين محقق خاص لمواصلة التحريات في هذه القضية قائلة »بعد كل ما حدث إقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي وقرار ترامب إقالة المدعية العامة بالوكالة سالي ييتس وإقالته جميع المدعين العامين في الولاياتالمتحدة تقريباً فإن الحاجة إلي مثل هذا المحقق أوضح الآن من أي وقت مضي». وتري النيويورك تايمز أن »هذا زمن يتسم بالتوتر واللا يقين في تاريخ الأمة وأن رئيس الولاياتالمتحدة الذي يتساوي أمام القانون مع أي مواطن آخر شلّ الآن بصورة حاسمة قدرة مكتب التحقيقات الفيدرالي علي إجراء التحقيق معه ومع شركائه». وأضافت »ليس هناك ما يضمن أن بديل كومي الذي سيختاره ترامب نفسه سيواصل هذا التحقيق بل هناك في الحقيقة مؤشرات إلي العكس». ولاحظت صحيفة نيويورك تايمز أن السابقة التاريخية المماثلة لخطوة ترامب بإقالة كومي هي »ما يُسمي مجزرة ليلة السبت في أكتوبر 1973 عندما أمر الرئيس ريتشارد نيكسون بإقالة المحقق الخاص الذي كان يتحري واقعة ووترجيت دافعاً إلي استقالة المدعي العام ونائبه لأسباب مبدئية».. وختمت نيويورك تايمز افتتاحيتها بالقول »ولكن ليس هناك الآن محقق خاص يقرر ما إذا كانت الثقة العامة انتُهكت، وما إذا كانت قوة أجنبية معادية سرقت الرئاسة من الناحية الفعلية. ولهذا السبب وصل البلد لمرحلة حتي أشد خطراً». فظائع وأخطاء ويتساءل نواب جمهوريون وديمقراطيون حول أسباب قرار الإقالة وتوقيته. وتشتبه المعارضة في أن الرئيس الأمريكي يريد إعاقة التحقيق الذي يسيء إليه، ويستهدف بعضًا من المقربين منه. وفي رد علي سؤال في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، اكتفي ترامب بالرد باقتضاب حول إقالة كومي: »لم يكن يقوم بعمل جيد، الأمر بسيط، لم يكن يقوم بعمل جيد». ورغم الحديث عن إمكانية وجود تواطؤ مع روسيا أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز أن الإقالة لا علاقة لها بروسيا، وأن سببها يعود إلي »الفظائع والعثرات والأخطاء» لمدير FBI خلال التحقيق المتعلق بالرسائل الإلكترونية الخاصة بهيلاري كلينتون في العام الماضي. وأوضحت أن ترامب كان ينوي إقالة كومي »منذ اليوم الأول لتسلمه مهامه» في البيت الأبيض. منافقون وركز البيت الأبيض علي حجة بسيطة لا تبدو مقنعة للكثيرين، برر من خلالها إقالة كومي، وهي: بما أن الديمقراطيين نددوا لأشهر طويلة بطريقة إدارة كومي لمسألة الرسائل الإلكترونية لهيلاري كلينتون، ما الذي يدفعهم اليوم إلي الدفاع عنه بعد إقالته؟ وغرّد ترامب: »الآن وقد تمت إقالته، يتظاهرون بأنهم غير مسرورين.. منافقون!». قرار ترامب بإقالة كومي وردود الفعل العنيفة عليه تزامن مع لقائه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في البيت الأبيض الأربعاء. وهو اللقاء الأول علي هذا المستوي بين ترامب ومسؤول روسي، علي أن يمهد ذلك لاحقًا للقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يوليو المقبل في ألمانيا. ووصف ترامب لقاءه مع لافروف بأنه كان »جيدًا جدًا». في حين قال لافروف بعد اللقاء إن »الرئيس ترامب أعرب عن اهتمامه بقيام علاقات عمل مفيدة للطرفين». ومن المنتظر استدعاء كومي في غضون أيام لشرح موقفه في جلسة مغلقة أمام أعضاء لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، التي تجري تحقيقًا خاصًا حول روسيا. فيما يضغط أعضاء هذه اللجنة أيضًا من مستشار ترامب السابق للأمن القومي الجنرال مايكل فلين أن يوفر لها كل المستندات التي يمكن أن توضح الصلات المحتملة بين موسكو ومقربين من ترامب. واضطُر فلين إلي الاستقالة في 13 فبراير الماضي بعد كشف اتصالات متكررة بينه وبين السفير الروسي في واشنطن قبل الانتخابات الرئاسية وبعدها. وأشارت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ إلي أنها كانت طلبت من فلين سابقًا أن يزوّدها بتلك الوثائق، لكنه لم يستجب لطلبها. ويجب علي الرئيس الآن تسمية بديل عن كومي، تتم الموافقة علي تعيينه داخل مجلس الشيوخ، حيث ستخوض الأقلية الديمقراطية معركة صعبة. ومن بين الأسماء التي يتم التداول بها لخلافة كومي، هناك الرئيس السابق لبلدية نيويورك رودي جولياني، وحاكم نيوجيرسي كريس كريستي، والأدميرال مايك روجرز مدير وكالة الأمن القومي. وأياً كان الشخص الذي سيتسلم هذه المسؤولية سيتوجب عليه إدارة ملف التحقيق في حقيقة العلاقة بين بعض المقربين من ترامب والسلطات الروسية. وردا علي سؤال حول مسألة إقالة جيمس كومي رد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بالقول ساخرًا »هل أقيل بالفعل؟ أنتم تمزحون بالتاكيد». وعاد ووصف بعد لقائه ترامب ما يقال عن تدخل روسي بالحملة الانتخابية الروسية بأنه »من نسج الخيال».