إلي من يتنبأون باختفاء الكتاب في القريب العاجل ومن ينتظرون زوال هواية القراءة، نقدم لكم تلك الحقيقة التي ربما ستصيب الكثير من أبحاثكم ودراساتكم بخيبة الأمل وعدم جدوي نتائجها »الكتاب دواء« يعالج الأمراض ويشفي النفوس، والقراءة أمل يعيد للمريض روحه الضائعة. العلاج بالقراءة أحد أنواع الطب التكميلي، التي تشفي كثيرا من الأمراض المستعصية نفسية كانت أو عضوية، اكتشفها أجدادنا الفراعنة وأتقن تطبيقها الأوروبيون ولاتستخدم في مصر سوي في مستشفي خاص وحيد. هنا علاج النفوس كلمات كانت تكتب علي جدران المكتبات المصرية القديمة مثل مكتبة رمسيس ومكتبة معبد إدفو ودندرة.. ثم انتقلت هذه الكلمات إلي مكتبات البابليين والآشوريين ومنهم إلي الرومان واليونانيين، كحقيقة لاتقبل الشك علي أن القراءة يمكن أن تستخدم في علاج الروح إذا سقمت والنفس إذا اعتلت. نصحبكم في السطور القادمة إلي رحلة للغوص في أعماق العلاج بالقراءة. حجرة واسعة إضاءتها خافتة تتوسطها مائدة بيضاوية تجلس عليها د.نعمات محمد إخصائية الطب النفسي بمستشفي الدكتور يحيي الرخاوي بالمقطم، يجاورها بعض المرضي وعددهم خمسة. يتصفحون كتاب (الأيام) لطه حسين يتناقشون فيه. وراءهم مكتبة ضخمة مليئة بكتب وقصص متنوعة. كل المرضي يدلون بدلوهم حول موضوع الكتاب ويتناقشون في الرواية، وتقوم د.نعمات بسؤالهم بضعة أسئلة عن موضوع الكتاب وعن بعض القضايا التي يناقشها. كل الجالسين علي المائدة يعانون من أمراض نفسية مختلفة كالاكتئاب والهوس وانفصام الشخصية وغيرها، ومنهم المهندس والطبيب ومنهم العامل وفرد الأمن وجمعهم المرضي النفسي. د. نعمات تقول: فكرة العلاج بالقراءة ليست منتشرة في المستشفيات النفسية المصرية بدرجة كبيرة رغم انتشارها بشكل كبير في مستشفيات الدول الأوروبية وأمريكا، تضيف: فكرة العلاج بالقراءة تقوم علي اقتراح نص أو كتاب معين ليقرأه المريض ثم يأتي الطبيب المعالج ليناقشه فيه. وعن أهم الأمراض التي تعالجها القراءة تقول إنها تعالج أمراضا كثيرة منها: الهوس وانفصام الشخصية والاكتئاب كما يقوم الطبيب المعالج في صباح كل يوم بقراءة الصحف اليومية حتي يظل المريض متواصلا مع العالم فيعرف تاريخ اليوم وأهم الأحداث التي وقعت فيه. وعن فاعلية العلاج بالقراءة تقول: هذا النوع من العلاج يأتي بنتائج هائلة فحوالي 80٪ من المرضي شفوا تماما وتواصلوا مع العالم الخارجي وأصبحوا أشخاصا عاديين. د. حنان غديري رئيس قسم العلاج التأهيلي في مستشفي العباسية للأمراض النفسية تقول: يندرج العلاج بالقراءة تحت مظلة الطب التكميلي، فالقراءة تحسن الإدراك والمعرفة لدي المصابين بأمراض التشوهات الإدراكية والمعرفية كانفصام الشخصية والهوس، كما أنها وسيلة لفتح المدارك عند المريض، فمن خلالها يقوم الطبيب بمناقشة المريض فيما قرأه ثم نصلح تشوهاته إضافة للأمراض التي تسبب له توترا كالقلق والاكتئاب وغيرها. أما عن الكتب المستخدمة في العلاج فتقول غديري: لايوجد كتب معينة وإنما في الغالب تكون كتبا خفيفة وشيقة حتي يفهمها جميع المرضي علي اختلاف مستوياتهم العقلية وقراءة الصحف مادة أساسية، فالمريض لابد وأن يلم بجميع مايحدث حوله حتي يتواصل مع العالم الخارجي. وعن تطبيق مستشفي العباسية لهذه الفكرة تقول : العلاج بالقراءة لايطبق لأن طبيعة المستشفي تعالج الأمراض العقلية أكثر من كونها أمراضا نفسية ولكن هناك طرقا أخري للعلاج كالعلاج بالدراما والموسيقي وتوجد في المستشفي مكتبة كبيرة ولكن لايوجد إقبال عليها. كما أن مستويات المرضي الاجتماعية والثقافية متدنية وأغلبهم أميون. فيما يقول د. شعبان خليفة أستاذ المكتبات والمعلومات بجامعة القاهرة أنه نادي بضرورة تطبيق فكرة العلاج بالقراءة في جميع المستشفيات والعيادات النفسية فقول: العلاج بالقراءة علم قديم ظهر في مصر الفرعونية فكانت هناك لافتة تعلق علي مكتبات الفراعنة تقول: »هنا علاج النفوس« وأفلاطون نفسه أخذ الفكرة من الفراعنة وطورها بعد ذلك لتلائم طبيعة مجتمعه وعصره الأوروبي، كذلك ظهرت في العصر الإسلامي حيث كان القرآن الكريم يستخدم لعلاج المرضي في مستشفي المنصور وكان هناك بعض المقرئين الذين يقرأون للمرضي في أوقات معينة. ويضيف خليفة: الفكرة تطورت في القرن العشرين خاصة في الولاياتالمتحدة والتي كانت أولي الدول التي تطبق العلاج بالقراءة وتفتح أقساما في المستشفيات النفسية قائمة علي هذا الأساس، وبعد الحرب العالمية الأولي انتعشت الفكرة بسبب الأهوال والضغوط التي خلفتها الحرب فكان لزاما عليهم علاج الجنود والأهالي فتطور العلاج بالقراءة وأصبح نوعا من العلاج الجماعي. أما عن الأمراض التي يمكن علاجها بالقراءة فيقول: أن هناك أمراضا بدنية خالصة وهي أمراض تعالج بالأدوية فقط، وأمراضا روحية وهي تعالج بالقراءة وهناك المرضي »النفساني« الذي يعالج بالقراءة والعقاقير معا. وشدد علي أن هناك بعض الأمراض العضوية يمكن أن تعالج بالقراءة كضغط الدم والسكر لأنهما مرتبطان بالحالة النفسية والمزاجية فيمكن علاجها وضبط الحالة النفسية فيهما من خلال القراءة مما يقلل من خطر هذه الأمراض. وعن أسباب عدم وجود علم عربي للعلاج بالقراءة يقول د.شعبان: كل مرض يرتبط بطبيعة المجتمع الذي يعيش فيه المريض والظروف التي تحيط به إضافة لعاداته وتقاليده وإمكانية تحمله الصدمات ومدي ثقته بنفسه، وأبدي حزنه الشديد لعدم وجود مراجع عربية عن العلاج بالقراءة الذي هو في الأساس مصري عربي بل أن هناك العديد من المستشفيات العالمية تستخدم القرآن الكريم في علاج مرضاهم وتحققت نتائج مذهلة، وقد ذكر الله عز وجل ذلك في كتابه العزيز.. وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين. ويستكمل قائلا: حتي المراجع والرسائل الجامعية عن العلاج بالقراءة نادرة فلاتوجد سوي رسالة وحيدة للدكتور عبد الله حسين المدرس بقسم المكتبات جامعة القاهرة، ولذلك يعكف د. شعبان علي دراسة 350 ألف كتاب عربي حصيلة قرنين من الزمان لإعداد حصر ببلوجرافي مشروح لكل مرض من الأمراض والأعمال الفكرية المقترحة لعلاج هذا المرض، حتي يستعين به الأطباء النفسيون. ويتمني د.شعبان أن تطبق هذه التجربة في كافة العيادات والمستشفيات فهي للأسف غير موجودة إلا في مستشفي واحد في مصر.