بين المطالبة بحل الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، والإبقاء عليه يبقي مصير الاتحاد حتي لحظة كتابة هذه السطور معلقا بين من ينادون بحله، ومن يقدمون الأدلة والبراهين علي شرعيته. أنصار المطالبة بحل الاتحاد يستندون لكونه تنظيما فاقداً للشرعية وأنه كرس ضده بالكامل لنفاق النظام السابق لينال حظوة، ويحقق مكاسب لبعض الأفراد القائمين علي شأنه، فرغم أن الاتحاد كان يمكنه القيام بدور فاعل وحقيقي لحماية العمال وحقوقهم خاصة أنه يضم في عضويته مايقارب 24 مليون عامل إلا أنه ظل متهما بالبعد عن العمال وإهدار حقوقهم والمشاركة في سيناريو التوريث. بينما المطالبون بالإبقاء عليه يرون أنه كيان شرعي يمثل أكثر من 001 عام من النضال الوطني الذي تحملت تبعته الطبقة العاملة، أيضا حسبما أشار خبراء قانونيون أن الأحكام القضائية القاضية ببطلان انتخابات الاتحاد لاتتمني أن يتم حله بل تعني تحديدا إجراء انتخابات جديدة. بين هذا الجدل الحائر بين الفريقين حاولنا الاقتراب أكثر من تفاصيل الأزمة من خلال التحقيق التالي.. يقول ناجي رشاد، عضو لجنة حماية الحق في العمل: نحن في أشد الحاجة لحل اتحاد العمال، فكلنا نعلم أنه ذراع من أذرع الحكومة البائدة والحزب الوطني المنحل، كما أننا لسنا بصدد انتظار حكم، فقد حصلنا بالفعل علي حكم ببطلان الإجراءات الانتخابية بمستوياتها الثلاثة (اللجان المصنعية، النقابات العامة والاتحاد العام) لعدم وجود إشراف قضائي.. وأيضا هناك عوار قانوني بسبب أن المشرفين علي الانتخابات هم أنفسهم الأعضاء المرشحون، وهذا يقضي علي الحياد وكل ما تفعله الحكومة الآن هو تطبيق القانون والأحكام فقط بحل الاتحاد. ويتعجب رشاد برغم اتهام رئيس الاتحاد المباشر بأنه شريك أساسي في قتل الثوار، إلا أن الاتحاد حتي الآن لم يصدر قرارا باستبعاد وعزل رئيسه والاتحاد بذلك يتحدي العمال والثوار، ويعترض علي الاعتصامات لأنها تتعارض مع مصالحه، وأعضاء اللجان النقابية الحاليون كانوا يتفاوضون لصالح العمال، فقط من أجل تجميل صورة الوفد المصري أمام المنظمات الدولية، والدليل أن الحركة العمالية المصرية في الفترة الماضية أسفرت عن وجود نقابات بلا عمال وعمال بلا نقابات. صابر بركات عضو اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات: حصلنا علي أحكام قضائية نهائية بحل أغلب النقابات علي مستوي اللجان النقابية بسبب وجود عوار في انتخاباتها عام 6002 ولكن النظام السابق لم يلتزم بتنفيذ هذه الأحام.. مايمكن إشارته الآن هو طريقة تنفيذ هذه الأحكام. 03 ألف مرشح أهدر حقهم في الترشح وشطبت أسماؤهم من كشوف المرشحين بسبب أجهزة الأمن وعن طريق وزارة القوي العاملة السابقة ومن يقولون إن الحرية النقابية تساوي الفوضي هذا حق يراد به باطل، فالعمال هم المسئولون الوحيدون لاختيار طريقة تشكيل نقاباتهم، ولاتوجد أبدا وحدة نقابية بالقانون كما أنه لايوجد تفتيت نقابي أو تعددية بقانون. القانون لا يملك إجبار العامل علي اختيار النقابة التي تمثله فالعامل هو صاحب القرار وليس مشروع القانون.. وإذا استقرينا علي عمل وحدة نقابية لابد أن تكون اختيارية وليس بالتصميم علي بقاء الكيانات الموجودة علي ماهي عليه لأن هذا يعتبر نوعا من فرض الإرادة لحماية القانون أما التعددية ستتيح للعامل حرية الاختيار وستحدث وحدة نقابية تحت مظلة اتحاد قوي ومعبر حقيقي عن مصالح العمال. سيد أبوزيد: أكبر عوار قانوني في دعوي حل اتحاد العمال هو أنها صدرت من بعض المنظمات النقابية والتي لم تكن بعيدة عن النظام السابق. وعلي من يطالبون بالحريات وحل الاتحاد النضال لابد أن يكون لضبط سياسة اتحاد العمال وليس لحله.. أولا طالما هناك حكم ببطلان الانتخابات لماذا لم ترفع هذه المنظمات دعوي الحل قبل ذلك أم أنهم قاموا برفعها الآن تنفيذا لتعليمات د. البرعي، ثانيا الحكم ببطلان الانتخابات لايعني حل الاتحاد وإنما يعني الحق في دعوي تعويض. حمدي حسين عضو اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات النقابية يري أن هناك ثورة كات ضد الفساد والاتحاد العام كان شريكا في هذا الفساد فهو علي مدار ثلاثين عاما يفسد في الحركة العمالية ويوافق علي قوانين ضد العمال، كما أن ترشيح المنتخبين فيه كان بتعليمات جهاز أمن الدولة، وتعيينهم كان بالتزكية وبدون منافسة وإن كان هناك بعض الشرفاء الذين تم انتخابهم إلا أن السمة الغالبة كانت الفساد، حل الاتحاد ليس كافيا ولابد من محاكمة كل من ثبت تورطه في أي فساد مالي أو إداري أو أخلاقي، ولابد أن تعود أموال العمال والمباني للنقابات المستقلة، وهذا ليس استيلاء عليها لأنها كيان من صناعة العمل وبإرادتهم وباختياراتهم فهذا عودة الحق لاصحابه. عبدالرحمن خير، رئيس النقابة العامة للعاملين بالمالية والضرائب والجمارك كان له رأي في المطالبين بحل اتحاد العمال حيث يقول: هؤلاء هم أحد فريقين إما النخبة الخائنة التي تحتقر كل ماهو لصالح العمال والفلاحين أو هم بعض الصبية الصغار الذين يمارسون العمل النقابي طيلة حياتهم بل عاشوا كل عمرهم (هتيفة) يدقون الطبول علي حد تعبيره . فمن يمارس العمل الجماهيري لايمكن أن يطالب بحل تنظيم جماهيري فالاتحاد ليس جمعية خيرية أو دكانا لبيع الطرشي، فهو تنظيم منتخب علي أسس وقواعد تخضع لمعايير العمل الدولية، وهي معايير لاعلاقة لها بأي انتماءات سياسية أو أحزاب أيا كانت بل تحتكم في هويتها إلي ماقرره مجتمع الدولة، وهذه النقابات حق أصيل للعمال وجدت أينما وجدوا. وعن الحكم ببطلان الإجراءات الانتخابية يقول إن حكم المحكمة يكون علي إعلان النتيجة فقط وتنفيذ الأحكام القضائية هي مسئولية وزارة القوي العاملة وليس الاتحاد، والنقابي الأصيل يجب أن لايستعدي القضاء ويلجأ لمحاكم إدارية غير مختصة فالمختص الوحيد في هذه النزاعات هي »محكمة العمل« والعنصر الحاسم للجدل هو صندوق الانتخابات، ولكن للأسف كل من يطالبون بالتفتيت هم من سواقط القيد في التنظيم النقابي علي حد تعبيره. وعندما سألنا رئيس النقابة العامة عن أسباب استنكاره لرغبة الوزير في حل الاتحاد خاصة أنه ذكر أن مسئولية تنفيذ الأحكام القضائية هي مسئولية وزير القوي العاملة أجاب : إنه بعد صدور قرار د. البرعي بعدم التدخل الإداري من قبل الوزارة في شئون العمل النقابي أصبح تنفيذ هذه الأحكام من قبله غير قانوني كما أنه أصبح غير مسئول عن تنفيذ هذه الأحكام وليس هذا فقط بل إن المحكمة الدستورية العليا أيضا أكدت علي ذلك وأصدرت حكما يؤكده وهو أن التنظيم النقابي العمالي وشأنه في إدارة شئونه دون تدخل من أي جهة. إسماعيل فهمي القائم بأعمال رئيس الاتحاد يري أن المطالبات بحل الاتحاد بها نوع من الاستفزاز يقول نحن لانستفز .. نحن نعرف حجمنا وقوتنا وكثرة الكلام لاتشغلنا. وأضاف من يتحدث عن الحريات لايعلم شيئا عنها، فالمادة تؤكد أنه لايجوز لأي سلطة إدارية (وزارة مجلس وزراء) حل المنظمات العمالية أو الأعمال أو حتي وقف نشاطها.. لذلك أي تدخل في شئون التنظيم النقابي مخالف للدساتير وللقوانين وللوائح التنظيم النقابي.. وللاتفاقيات الدولية.. وأؤكد مرة أخري الاتحاد ليس ضد الحريات النقابية ولكنه ضد الفوضي النقابية. ما يجب أن نفعله الآن نتكاتف لكي نحقق الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية ولا يجب أن ننشغل بتراشق الألفاظ.. ويوجه فهمي اتهامه لوزير القوي العاملة بأنه هو الذي وضع بذور الفتنة بين الاتحاد العام وبين النقابات المستقلة والدليل أنه لماذا لم يسع للم الشمل؟! لابد أن تكون مع مصلحة بلدنا. محمد رزق، نائب رئيس النقابة العامة سابقا لا يمكن أن ننكر الإشراف القضائي علي الانتخابات العملية الماضية كما أن تقرير منظمة العمل الدولية أقرب أنها كانت من أفضل مايكون وأخيرا ماهي مصلحة القاضي في تزوير انتخابات عمالية! د.البرعي نقل العمل النقابي من المنشأة إلي المقهي عندما أقر تنظيم الاجتماعات خارج المبني، والمنظمات النقابية لا تنشأ من النادي أو الشارع ولكن تنشأ داخل المصنع كما أن مشروع القانون يقضي علي علاقات العمل ولم يفرق بين التظاهر السياسي والإضراب المهني. شوقي السيد: اتحاد العمال مؤسسة نقابية قائمة وفقا لقانون مازال يسود في المجتمع ولم يتم الغاؤه، وهذا الاتحاد هو تشكيلات نقابية بجميع مستوياتها (لجان نقابية، نقابات عامة، ثم اتحاد نقابات) يجمع ملايين من العمال.. أي الحديث عن الاتحاد هو الحديث عن مؤسسات ولا يستطيع وزير أو غفير أو رئيس وزراء أن يحل الاتحاد لأنه كيان قانوني يدخل في مجال المجتمع المدني ويمثل مجموعة كبيرة من ممثلي المجتمع المدني ويعبرون عن مصالحهم ولا يجوز أبدا الاعتداء عليه. وبالتالي لكي يحل الاتحاد لابد أن تكون هناك أسباب وحكم قضائي بحله وإلغاء الحكم الموجود ووضع طريقة كيفية إعادة تشكيل الاتحاد. وزير القوي العاملة: لكل من يدعي أنني أرغب في حل اتحاد العمال أقول لهم ليس من سلطتي حل الاتحاد، كما أنه ليس من سلطتي قطع الاشتراكات عن الاتحاد فهي اشتراكات تستقطع من كافة العاملين المشتركين في عضويته فهذه أحاديث للتسويق المحلي وإثارة الرأي العام ضدي وهذا مرفوض شكلا وموضوعا. ولكن هناك عددا من الأحكام القضائية تصل إلي 051 حكما ببطلان انتخابات الاتحاد واللجان النقابية عام 6002 ولم تتخذ الوزيرة السابقة أي إجراءات تجاهها ليصب ذلك في مصلحة القيادات القابعة الآن في الاتحاد.. لذلك نحن نناضل من أجل الحرية النقابية التي تجعل للعامل حرية في الاشتراك وللنقابة التي يري أنها تمثله تمثيلا حقيقيا، ومهمتها هي منع تحصيل الاشتراكات الجبرية من العمال من أجل مصلحة نقابة بعينها أيا كان مسماها. دورنا أيضا هو ترسيخ قواعد الحرية التي نادت بها ثورة 52 يناير أما بالنسبة للأحكام القضائية التي أكدت بطلان انتخابات عام 6002 لمصلحة رموز الحزب الوطني في الاتحاد والإبقاء عليهم لمصلحة الحزب وتوجهاته القمعية فعلي مؤسسات المجتمع المدني والمطالبين بالحرية أن يطالبوا الجهات المختصة بالأحكام بتنفيذ هذه المطالب وتنفيذ تلك الأحكام. ويضيف الوزير أن الحريات النقابية لم يكن من الممكن تأجيلها أكثر من ذلك لأن تعطلها كان السبب الرئيسي وراء وضع اسم مصر علي »القائمة السوداء« ولكن الصدام بدأ مبكرا بين الوزارة والاتحاد لعدة أسباب أولها أن اتحاد عمال مصر لم يع ثورة يناير ولازال يعيش في الماضي ونسي تماما أنه قام بتأجيل انتخاباته من أجل مساندة الرئيس السابق.. ولذلك الخلاف اليوم ليس علي الحرية النقابية ولكن علي مكتسبات القائمين علي الاتحاد التي ستتأثر جذريا عند خروج شباب نقابيين من العمال سوف يعبرون تعبيراً حقيقيا عن مصالح العمال. د. إيمان أبو الحسن، أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة: الحق في التنظيم والدخول للنقابات المهنية والعمالية يجب أن يكون تطوعيا وليس إجباريا.. واتحاد النقابات كانت عضويته إجبارية فلا يستطيع العامل ممارسة المهنة بدون كارنيه عضوية النقابة الذي يسمح بالممارسة.. أيضا كان هناك تدخل حكومي في شئون الاتحاد، وغالبا الذي كان يشغل منصب رئيس الاتحاد هو وزير القوي العاملة.. وكل هذا يمثل شكلا من أشكال هيمنة السلطة التنفيذية علي منظمات المجتمع المدني التي لابد أن تكون مستقلة عن الدولة.