تعد الطور من الناحية التاريخية والأثرية أقدم مدينة في مدن جنوبسيناء.. وفي الوقت الحالي عاصمة المحافظة ورغم ذلك لاتحتل مكانتها السياسية والاقتصادية بين المدن المصرية، بعد أن أطاحت بها مدينة في نفس المحافظة تبعد عنها مائة كيلو متر وهي شرم الشيخ التي اكتسبت شهرتها من تفضيل الرئيس السابق لها. وقد جاء ذكر اسم مدينة الطور في وسائل الإعلام بعد ثورة يناير من خلال وصول مبارك إليها للمثول أمام النيابة للتحقيق معه! وكأن التاريخ يعاقبه علي إهماله ونسيانه لمدينة كانت مركزا للتجارة العالمية في عصر المماليك وقبلة للحجاج (المسلمين والمسيحيين) من شتي بقاع المعمورة. وقبل كل شيء.. ذكر اسم جبل الطور في القرآن الكريم 8 مرات، كما أن بها نقوشا لذكريات وأدعية علي أجزاء متفرقة من جبل الناقوس، فهي بحق بلاد قوافل التجارة والحج وبذلك جمعت بين المادة والروح عند الإنسان وهذا جعلها مدينة لها تاريخ ويجب أن يعمل المصريون علي استعادتها لدورها العظيم في المرحلة القادمة. وهذه جولة في مدينة الطور التاريخية والأثرية.. يصحبنا فيها الدكتور عبدالرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بسيناء ووجه بحري. بداية.. الطور مدينة ساحلية تقع علي شاطئ البحر الأحمر بجنوبسيناء ويرجع تاريخها لأقدم العصور وشهدت العديد من أشكال التطور الحضاري ويدل علي ذلك الآثار الموجودة في قرية الوادي والتي يرجح أنها تعود إلي العصر الفرعوني وهناك أيضا الآثار الإسلامية الموجودة في منطقة الكيلاني. كما تتمتع بجو مستقر طوال العام وبها مصادر مياه نقية من الآبار الإرتوازية وهذا ما يجعلها مميزة عن سائر مدن المحافظة النادر فيها وجود المياه العذبة الصالحة للشرب. وتعتبر مهنة الصيد من المهن الأصلية لأهلها ولكنها تواجه العديد من المشاكل في الوقت الحالي، فبعد أن كانت مدينة الطور في وقت من الأوقات هي المورد الأول بأفخر أنواع الأسماك والفسيخ تدهور حال الصيد والصيادين الآن ويبقي الأمل في عودة الريادة للصيد في المدينة مرة أخري. كما أن هناك الزراعة التي لم تأخذ حقها مع أن أراضي الطور من أخصبها علي مستوي سيناء ولكن يفتقد الزارع الإمكانيات اللازمة لها. ويتألف سكان مدينة الطور الآن من المغتربين وأهل المنطقة الأصليين من قبائل البدو (الصوالحة، العليقات، مزينة، العوارمة، أولاد سعيد، القرارشة، الحويطات). ويطلق علي سكان مدينة الطور لفظ (الطورارة)! ( ومنطقة طور سيناء. كما يقول الدكتور ريحان عامرة بالآثار الإسلامية وتسميتها بالطور نسبة لجبل طور سيناء الذي ورد ذكره في القرآن الكريم (والتين والزيتون وطور سينين) كما ورد ذكر جبل الطور في القرآن الكريم في ثماني سور.. إلي جانب أن الطور في اللغة يعني الجبل ويقال للجبل الأجرد طور أماسينين فمعناها الشجر وعلي هذا فطور سينين معناها منطقة الجبال التي تكسوها الأشجار والنباتات. ويأخذنا الدكتور ريحان إلي منطقة تل الكيلاني وتحوي ميناء الطور من العصر المملوكي (0521 إلي 6151 ميلادية) وهذا التل مسجل حاليا كمنطقة أثرية برقم 0511 لسنة 6991 ومساحته 052م طولا، و031م عرضا.. وقد كشفت عنه بعثة آثار مركز ثقافة الشرق الأوسط الياباني تحت إشراف منطقة جنوبسيناء للآثار الإسلامية والقبطية في مواسم حفائر من عام 5891 حتي 6991. ويتابع الدكتور ريحان الشرح قائلا: وهذه المنطقة عبارة عن مبان من الحجر الجرانيتي والمرجاني والطوب اللبن تمثل الميناء الذي كان يخدم قوافل التجارة بين الشرق والغرب حيث ترد منتجات جنوب شرق آسيا عن طريق البحر الأحمر إلي ميناء الطور علي خليج السويس، كما كانت ترد منتجات الغرب عن طريق ميناء القلزم (السويس حاليا).. وقد ظل ميناء الطور عامرا بالمنتجات والتجار حتي 0391م ( أي توقف العمل به منذ أكثر من 08 عاما). ويؤكد الدكتور ريحان أن الجانب الغربي من شبه جزيرة سيناء في بعض الفترات التاريخية كان طريقا لمرور تجارة المحيط الهندي والشرق الأوسط وجنوب بلاد العرب إلي مصر.. موضحا أن الحاصلات والبضائع التي كانت تأتي من هناك كانت تخزن في موانئ البحر الأحمر العربية وتنقل بالمراكب إلي ميناء الطور لتحملها القوافل إلي مصر بحذاء الجانب الأيمن لخليج السويس. وكان ميناء الطور منافسا لميناء السويس (القلزم سابقا) من جهة وميناءي عيذاب والقصير من جهة أخري في (النصف الأول من القرن الخامس إلي القرن الثامن الهجري) الحادي عشر إلي الرابع عشر الميلادي). وأصبحت مدينة الطور بمينائها مركزا لتجميع البضائع وبها دائرة جمركية تحصل فيها الرسوم.. كما يقول الدكتور ريحان حيث كانت تصل قوافل السفن إليها مرتين في السنة (في أوائل سبتمبر وفي شهر مارس). وكانت السفن القادمة من المدن الأوروبية ولاسيما البندقية ترتب سفر قوافلها البحرية إلي الموانئ المصرية وفقا لبرنامج دخول القوافل البحرية المصرية إلي ميناء الطور.. فكانت تصل إلي الإسكندرية أو دمياط أو رشيد في النصف الثاني من شهر سبتمبر وتسافر محملة في منتصف أكتوبر وكذلك في شهر مارس. وإذا كانت الطور في الوقت الحالي لامكانة لها. فإنها كما يوضح الدكتور ريحان كانت محور التجارة العالمية في العصر المملوكي ولذلك اهتم بها سلاطين المماليك اهتماما شديدا، فأسسوا فيها المباني لموظفي الجمارك والأماكن لإسكان الحامية. كما استخدم ميناؤها في هذا العصر طريقا لرحلة الحجاج المسيحيين إلي القدس عبر سيناء في (القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي). وكانت السفن تبحر من موانيء إيطاليا (جنوة أو البندقية) إلي الإسكندرية ثم تتوجه بالنيل إلي القاهرة وبعد أن يحصلوا علي عهد الأمان من سلطان المماليك يقيم الحجاج فترة في استراحة للمسيحيين بالقاهرة حيث يتم إعطاء الطعام للفقراء المتوجهين إلي سانت كاترين ويعود المسيحيون لأوروبا عن طريق الإسكندرية علي سفن البندقية التي تنتظر التجارة القادمة إلي الإسكندرية من الشرق وكان المسيحيون القادمون من أوروبا يهتمون بمواعيد وصول سفن التجارة إلي ميناء الطور وذلك أن ميناء البندقية كان يضبط مواقيت إبحار سفنه التجارية للإسكندرية مع مواعيد سفن التجارة للطور مع حساب فرق التوقيت والتوزيع من الإسكندرية للقاهرة ثم بالقوافل للطور والعكس. ومازال الدكتور ريحان يشرح لنا دور ميناء الطور الهام في خدمة الحجاج المسلمين بعد أن تحول درب الحج المصري القديم من الطريق البري إلي الطريق البحري عام 5881 في عهد الخديو محمد توفيق بن إسماعيل 9781 إلي 2981م والذي يبدأ من ميناء القلزم (السويس) إلي ميناء الطور في البحر الأحمر إلي جدة. وكان بالطور محجر صحي للحجاج يقع علي شاطئ خليج السويس علي بعد 046م جنوبي الطور ومساحته 4 كم2. وقد أمده الخديو عباس حلمي الثاني عام 3981م بأحدث المعدات والأدوات الصحية وكان به أربعة مستشفيات (مستشفي للجراحة وثلاث للأمراض المعدية) ومعزل للأمراض الوبائية ومنازل للأطباء والممرضين بعضها مبني من الحجر وبعضها الآخر من الخيام. ويقلب الدكتور ريحان صفحات التاريخ ليجد أن الطور القديمة كانت تحوي جامعا صغيرا بمنارة تم بناؤه في عهد الخديو توفيق وقد ضم مقاما قديما للشيخ الجيلاني الذي سميت المنطقة علي اسمه ثم حرف للكيلاني وقد زار هذا الجامع عباس حلمي بن توفيق عام 8981م. وكان بجنوب الطور قلعة بناها السلطان العثماني سليم الأول خربت في القرن التاسع عشر الميلادي وكان بها سجل كتب فيه صور الدعاوي والحكم فيها وصكوك المبايعات والرهونات في النخيل والأراضي الزراعية في مدينة الطور كما يضم صكوك الزواج والطلاق اسمه كتاب »الأم«. ومن المواقع الحضارية بطور سيناء.. كما يتصفح معنا الدكتور ريحان سجل الآثار في جبل الناقوس الذي يبعد 31 كم شمال غرب المدينة، و01 كم شمال جبل حمام موسي ويشرف علي خليج السويس ويفصل بينه وبين الخليج مدق صغير يمر عليه المشاة والسيارات حاليا. وهو جبل من الصخور الرملية الرسوبية والذي يسهل النقش عليه باستخدام آلة حادة أو حجر صلب.. وقد استغلت القوافل التجارية جبل الناقوس ذا المستويات التي تشبه المدرجات كمكان للراحة والتزود بالطعام. وأثناء ذلك نقشوا ذكرياتهم وأسماءهم وأدعيتهم علي أجزاء متفرقة من هذا الجبل. وبصفة عامة فإن النقوش العربية هي الأكثر انتشارا علي مستويات الجبل وهي بالخط الكوفي سواء البسيط أو المورق وبعضها كتابته جيدة والأخري ركيكة وبعضها مؤرخ وأغلبها ليس كذلك. كما أن الكتابات المؤرخة في الفترة الإسلامية المبكرة والقرون من (الأول حتي الرابع الهجري / السابع حتي العاشر الميلادي) ماهي إلا كتابات دينية بحتة من آيات قرآنية ونص الشهادة والصلاة والسلام علي النبي وطلب المغفرة والرحمة من الله وبعض الحكم والأمثال والأدعية. وقد ارتبط أهل سيناء علي مدي العصور التاريخية المختلفة ببيئتهم وتفاعلوا معها وتأثروا بها ونسجوا حولها الحكاوي الشيقة التي أثرت في مسميات الأماكن بها.. فمثلا جبل موسي بمدينة الطور الذي يحوي سبعة ينابيع كبريتية نسجت حوله العديد من الحكاوي المرتبطة بنبي الله موسي، كما أن جبل الناقوس استمد اسمه من ظاهرة طبيعية. فكلما انهالت علي سفحة الرمال كان له صوت أشبه بالصادر من الناقوس وذلك لأن الرمال تمر بصخور مجوفة في باطن الأرض فتحدث هذا الصوت.