لأكثر من 90 عامًا ظلت القضية الأحوازية عالقة علي السّاحة العربية، بين أصوات تُنادي بعروبة الإقليم الذي تحتلّه إيران منذ عام 1925، وأُخري تتجاهل القضية التي غابت عن الرأي العام العربي لسنواتٍ طويلة، وغاب معها تاريخٌ طويل من نضال الشعب الأحوازي في سبيل الحصول علي الحرية. تفاصيل مؤلمة أطلعنا عليها الدكتور عارف الكعبي رئيس المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الأحوازي ورئيس اللجنة التنفيذية لإعادة شرعية دولة الأحواز، الذي التقته »آخر ساعة» أثناء زيارته الأخيرة لمصر، كاشفاً حقيقة ممارسات النظام الإيراني من جرائم وعمليات إعدام جماعية بحق الأحوازيين، مؤكداً أنهم بدأوا تحركات واسعة لفضح الانتهاكات الإيرانية واستعادة الدولة الأحوازية، وشدد علي أن القضية لن تتحرك بغير دعم مصر. • أين تقف القضية الأحوازية اليوم من الساحة العربية؟ - أولاً يجب أن نوضّح أن القضية الأحوازية مرّت بمنعطفاتِ عدّة منذ عام 1925. وحتي نصل إلي وضع القضية اليوم، علينا التفريق بين الموقف الثابت للشعب الأحوازي وثورته التي بدأت مع بداية الاحتلال الإيراني لأرضنا، والمواقف المُتباينة للحكومات العربية بامتداد عُمر القضية. فعلاقة الدول العربية بإيران وتذبذب وتيرة التقارب والتباعد بينهم طوال هذه السنوات، هي المُحدد الرئيسي لموقفها من القضية الأحوازية. فحتي ستينيات القرن الماضي لم يكن هُناك انحياز للقضية من جانب دول الخليج علي وجه الخصوص، نظرًا لخضوعها آنذاك للتوجه البريطاني والهيمنة الإيرانية في المنطقة. ورغم بدء الصراع الخليجي الإيراني باحتلال إيران للجزر الإماراتية عام 1971، إلا أن مجلس التعاون الخليجي لم يتبن قضيتنا وتركنا وحيدين علي الساحة العربية والدولية آنذاك. وربما تُعد الثورة الإسلامية الإيرانية التي حدثت في السبعينيات، وما تبعها من تحوّل في الاعتبارات الإقليمية بين إيران ودول الخليج مرحلة فاصلة في القضية. فطوال هذه السنوات كنا نحذّر من المخطط الإيراني لتفكيك الدول العربية، وخطورته علي الأمن القومي الخليجي والعربي. حتي بدأ موقف دول الخليج يتغيّر بشكل جذري بإدراكها لأهمية القضية الأحوازية في توحيد الموقف العربي لمواجهة إيران، وذلك مع تجلي خطورة المخطط الذي بدأ بتصدير الثورة الصفوية إلي المنطقة العربية، وتغذية الخلايا والميليشيات الطائفية في المنطقة، وتدخلها في اليمن والبحرين والمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية. إلا أن موقف مصر من قضيتنا كان له خصوصية تختلف عن الدول الأخري. كيف تتعاطي مصر مع القضية؟ - نحن نؤمن بأن القضية الأحوازية لن تتحرك بغير دعم الدولة المصرية، كونها المظلّة الحامية للعروبة انطلاقًا من دورها الرائد في المنطقة. وهذا الموقف ليس جديدًا عليها، فالرئيس الراحل جمال عبدالناصر كان الداعم الوحيد لقضية الأحواز حين تخلي عنّا العرب في الستينيات، حيث استقبل الثوار آنذاك وقدّم لهم التأييد المُطلق مُعلنا بشكل صريح ضرورة تحرير الأراضي الأحوازية. وفي ظل الأنظمة المُتعاقبة ظلت مصر علي تعاون معنا. لذا نحن موجودون حاليًا في القاهرة، للتواصل مع كبار المسؤولين بشأن دعم القضية سياسيًا وقانونيًا، وطرحها للمناقشة علي جامعة الدول العربية. ونناشد الرئيس السيسي لتقديم قضيتنا وتبنيها خلال القمة المزمع عقدها في الأردن خلال مارس المقبل. كونها خطوة مصيرية لاستكمال تحركاتنا الدبلوماسية من خلال مشروع إعادة شرعية دولة الأحواز. ما تحركاتكم لإعادة شرعية دولة الأحواز؟ - نتحرك حاليًا علي عدّة محاور. أوّلها يكمن في السعي لتوحيد الجبهة العربية والخروج برؤية مُشتركة حيال قضيتنا كما سبق أن ذكرت، من أجل تمهيد الطريق لحصول الشعب الأحوازي علي حقّه دوليًا في تقرير المصير. وهو المحور الآخر الذي نعمل عليه، حيث إن طرح القضية علي المستوي الدولي يتطلّب اعترافًا من جانب المنظمات الإقليمية مثل مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية، وهذا ما طلبه مسؤولون بالأمم المُتحدة والبرلمان الأوروبي من بينهم نائب رئيس البرلمان ومسؤولة العلاقات الخارجية، خلال لقاءات مُكثّفة جمعتنا بهم الفترة الماضية. كما أن هذا الاعتراف سيسمح لنا بإعلان حكومة منفي أحوازية تضم مقرات دبلوماسية لتسيير أعمالنا وتسهيل تحركاتنا. ونأمل أن تُتيح لنا الدول العربية إمكانية إقامة هذه المقرّات علي أراضيها. هل لديكم وثائق تدعم هذه التحركات؟ - بالطبع هناك العديد من الوثائق والمستندات التاريخية التي تعود إلي بدايات القرن الماضي وتُثبت عروبة الأحواز. لكن ينقصنا بعض المستندات الموجودة في الأرشيف البريطاني لدي إنجلترا، والأرشيف العثماني الذي ورثته تركيا. وطالبنا بعض المسؤولين باستعادة هذه الوثائق، ورغم إبداء استعدادهم للتعاون طلبوا أن يتم ذلك من خلال دولة أو منظمة دولية. من أهم هذه الوثائق اتفاق بين الحكومة البريطانية والشيخ خزعل الكعبي مؤسس دولة الأحواز، والذي ينص علي إنهاء الاحتلال البريطاني للأحواز بعد 100 عام. غير المُكاتبات العديدة بينهم والتي تُثبت سيادة دولتنا. كما لدينا وثيقة تعود إلي عام 1916 بين العثمانيين والشيخ خزعل، يُطالبونه فيها بالتعاون معهم لحصد ضرائب الملاحة التجارية في الخليج العربي. إضافة إلي الخرائط التي نملكها والتي توضح حدود الأحواز. واستعنّا بالفعل بعدد من المُحامين الدوليين لاستشارتهم في الجوانب القانونية لطرح القضية. وأود أن أؤكد هنا أنه ليس لدينا مشكلة في التفاوض مع إيران للتدرج في الحصول علي حقوقنا مع حفظها بشكل كامل، عن طريق إقرار حق الحكم الذاتي الفيدرالي مرحليًا علي أقل تقدير. لماذا غابت القضية عن الرأي العام العربي؟ - القضية الأحوازية لم تغب عن الرأي العام العربي بل تم تغييبها. هناك العديد من الضغوط السياسية التي تمّت ممارستها بشكلٍ ممنهج علي المؤسسات الإعلامية لتجاهل القضية. فإيران تعمل بكل قوتها علي طمس الحقائق المتعلقة باحتلالها للأحواز، وإخفاء الانتهاكات الصارخة التي تُمارسها بحقنا. النظام الإيراني يستميت في الحفاظ علي مكتسباته بالسيطرة علي الإقليم، لما يُمثله من أهمية استراتيجية واقتصادية هائلة، يستمد منها قوته ويعتمد عليها مخططه للهيمنة علي المنطقة. حيث تضم الأراضي الأحوازية ثروات طبيعية ومعدنية هائلة، تُمثل 80٪ من النفط الإيراني و63٪ من الغاز الطبيعي المُصدّر للخارج. غير أهمية الموقع الاستراتيجي للإقليم كونه البوابة الشرقية للخليج العربي، ولإطلاله علي مضيق هُرمز الذي يُعد من أهم الممرات المائية العالمية. حدثنا عن الوضع الإنساني داخل الأحواز. - الوضع كارثي. لا أحد يُمكن أن يتصوّر حجم وبشاعة الانتهاكات التي يُمارسها النظام الإيراني بحقنا. هناك إعدامات جماعية تتم لإرهاب الشعب الأحوازي وإخضاعه للسيطرة الإيرانية، هذه الحالات لا تقل عن 700 حالة سنويًا. غير حالات الاختفاء القسري والاعتقالات العشوائية التي تحدث بحق المناضلين الأحوازيين. لدينا الآلاف من المُعتقلين السياسيين داخل السجون الإيرانية يتعرّضون لأبشع أشكال التعذيب. حيث تغيب العدالة بشكل مطلق فالمواطن الفارسي في إيران يُحاكم في محكمة »الصلح والعدل»، بينما يُحاكم الأحوازي في محكمة الثورة باعتباره يُمثل تهديدًا للأمن القومي الإيراني. كيف تسعي إيران لتغيير الهويّة؟ - الأنظمة الإيرانية المُتعاقبة عملت علي سلخ مفردات الثقافة العربية من المُجتمع الأحوازي، وإحلال الثقافة الفارسية بدلاً منها. عن طريق تغيير الأسماء العربية للمدن الأحوازية منذ بداية الاحتلال، فمدينة »المُحمّرة» علي سبيل المثال تحوّلت إلي »خُرّم شاه»، ومدينة »الخفاجية» سُميّت »سوسنقرد» وغيرها من المُدن. كما بدأوا منذ فترة طويلة بتغيير أسماء القبائل العربية بألقاب فارسية، الأحوازي الآن لا يستطيع أن ينتمي إلي اسم عائلة عربي. غير إجبار الأحوازيين علي حمل الجنسية الإيرانية، أو البقاء دون أوراق ثبوتية ما يعرضهم للمُلاحقة، ورغم ذلك يُدوّن في هويتنا »صاحب اللغتين» كنوع من الوصم والتمييز. كما تُفرض اللغة الفارسية في جميع المؤسسات الحكومية داخل الأحواز باعتبارها اللغة الرسمية للدولة الإيرانية. فالتحدث باللغة العربية في أي مكان يُعد جريمة، حتي داخل المدارس تُمنع اللغة العربية ويُعاقب الأطفال حال تحدثهم بها. وفي هذا الصّدد قدّمنا تقريراً لمنظمة الأمم المُتحدة للطفولة »اليونيسيف» يوضّح ما يتعرَض له الطفل الأحوازي. غير الضغوط التي تُمارس علي الشعب الأحوازي لتغيير عقيدته، فلا يُمكن لأي فرد أن يعمل في أي جهاز حكومي إلا إذا كان علي المذهب الشيعي الإثني عشري، رغم أن أكثر من 60٪ من المجتمع الأحوازي من السنة. هناك محاولات مستمرة لإزالة الآثار السومرية، والآثار العِلامية العربية القديمة الموجودة في مدينة »السوسية»، غير قصور الشيخ جابر والشيخ مرداو والشيخ مزعل، الذين يُعدّون من المؤسسين الأوائل للدولة. إلا أن أخطر ما تقوم به إيران الآن لتغيير الخريطة الديموغرافية، يتمثل في عمليات التهجير التي تتم لإخراج العرب من المدن الأحوازية إلي شمال إيران وإحلالهم بمُستوطنين فُرس. ما طبيعة الحراك الثوري علي الأرض؟ - يجب أن أؤكد أولاً أن ثورتنا مستمرة حتي تحرير الأراضي الأحوازية واسترداد حقوقنا. هذه الثورة لم تهدأ منذ بداية الاحتلال، رغم مسلسل الإعدامات المُستمر عبر الأجيال بحق المناضلين، ومنهم والدي وجدّي اللذان تم إعدامهما. نحن لا نعترف بالنظام الإيراني علي أرضنا، ورغم الجهود الدبلوماسية التي نقوم بها لإعادة شرعيتنا، لا يُمكن أن نتخلي عن الخيار العسكري، طالما استمر البطش والممارسات القمعية من قِبَل إيران. ألا تري أن إيران يُمكن أن تستغل ذلك لإضعاف موقفكم أمام المُجتمع الدولي؟ - لا نلتفت لذلك كثيرًا. فإيران آخر من يتحدّث عن الإرهاب. لا يعنينا أن تتهمنا بأننا إرهابيون، وتحاول تصوير مقاومتنا لاحتلالها علي أنها إرهاب. فنحن لم نهاجم إيران في أرضها، نحن نقاوم احتلالها لأرضنا ونرد عدوانها. وتوثيقنا للجرائم التي ارتكبتها أكبر دليل علي ذلك.