جاء السيد المسيح عيسي ابن مريم بدعوته التي كلفه الله بها، وبعدما جاب مدن فلسطين وقراها، لم يستجب له إلا القليل من المؤمنين، لذلك عندما دعا المسيح من يلبي دعوته استجاب له مجموعة من المؤمنين الذين رغبوا في التتلمذ علي يد عيسي عليه السلام، ووافق الأخير علي اختيارهم كأتباع له يواصلون نشر رسالته من بعده، وعرف هؤلاء باسم الحواريين، لصفاء قلوبهم ونقاء سريرتهم وإخلاصهم في الإيمان، فالحواري في اللغة يعني "الناصح" أو "المرشد" أو "أبيض القلب". وهم من استجابوا لقول المسيح "اذهبوا إلي العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مرقس 16: 15-16)، والحواريون ممن تشرفوا بذكر خبرهم في القرآن الكريم، في قوله تعالي: }فلما أحس عيسي منهم الكفر قال من أنصاري إلي الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنًا بالله واشهد بأنا مسلمون•ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين{ (آل عمران: 52-53). وقد أورد القرآن الكريم بعض مواقف الحواريين مع نبي الله عيسي، في قوله تعالي: }إذ قال الحواريون يا عيسي ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين•قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون من الشاهدين•قال عيسي ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين•قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدًا من العالمين{(المائدة: 112-115). فقد طلب الحواريون المائدة لتسكن قلوبهم بما يشاهدونه من عظيم الآية وعجيب المعجزة، ولكي تطمئن قلوبهم للإيمان، في وقت كان مناخ الشك سائدا بين اليهود في نبوة عيسي، لكن الأخير طالبهم بتقوي الله والبعد عن هذا الطلب، لأن إيمانهم يكفي ولا يحتاج إلي معجزة إضافية، لكن مع إصرارهم علي طلبهم استجاب الله لهم وأنزل المائدة من السماء عليها بعد أن صاموا ثلاثين يوما، ولكي يكون يوم نزولها إلي الأرض عيدا لهم، بعد أن قبل الله صيامهم واطلع علي إخلاص نياتهم. وفي الأثر إن المائدة نزلت من السماء والناس ينظرون إليها تنحدر بين غمامتين، وجعلت تدنو قليلا قليلا، وكلما دنت منهم كان نبي الله عيسي يبتهل لله أن يجعلها رحمة لا نقمة وأن يجعلها سلاما وبركة، فلم تزل تدنو حتي استقرت بين يدي عيسي عليه السلام، وهي مغطاة بمنديل، فقام يكشف عنها، فإذا عليها من الطعام سبعة من الحيتان وسبعة أرغفة، ثم أمر الحواريين بالأكل منها، ثم أمر الفقراء والمساكين وأصحاب العاهات والمرضي بالأكل منها، فبرأ كل من به عاهة أو آفة أو مرض مزمن، واستغني الفقراء ببركة هذه المائدة السماوية، ثم صعدت المائدة إلي السماء من حيث جاءت. أما عن أسماء الحواريين، فلم ينص القرآن الكريم علي ذكر لهم، وإنما كانوا اثنا عشر فردا يمثلون بطون بني إسرائيل، وتذكر الكتب المسيحية أن الحواريين، هم: أندراوس، وسمعان المعروف ببطرس، وفيلبس، ويعقوب بن زبدي، ويوحنا بن زبدي، وبرثولماوس، ويعقوب بن حلفي، ويهوذا الملقب تداوس، ومتي العشار، وتوما، وسمعان القانوي، ويهوذا الإسخريوطي، الذي خان السيد المسيح ودل الرومان علي مكانه، لذلك تم استبداله بماتياس، وعلي يد الحواريين تم نشر المسيحية في أرجاء المعمورة، بعدما انتشروا في الأقطار، وسافروا بين البلدان، لنشر المسيحية في أرجاء البحر المتوسط. وخرج الحواريون يدعون الناس جميعا إلي المسيحية، في وقت كانت الغلبة للديانات الوثنية، فدعا الحواريون لعبادة الله، لكن معظم معاصريهم رفضوا هذه الدعوة لأنهم كانوا أهل عبادة أوثان وأصنام، لذلك عندما وصل الحواري بطرس ومعه القديس بولس إلي روما واجها مقاومة عنيفة من عبدة الأصنام، فروما كانت مقر الإمبراطورية الرومانية ومركز الوثنية الرئيس في عالم البحر المتوسط وقتذاك، فلم يقبل أهل روما وإيطاليا كلها ديانة المسيحية في أول الأمر، وهاجموا المسيحيين الأوائل، وارتكبوا مذابح بشعة في حق المسيحيين، راح ضحيتها الحواري بطرس، ليبدأ ما يعرف بتاريخ الاستشهاد، ولم يكن مصير بطرس فريدا، فقد قتل معظم الحواريين علي يد المتعصبين لعبادة الأوثان الذين رفضوا المسيحية، لكن المسيحية بفضل جهود الحواريين وتلاميذهم نجحت في البقاء والاستمرار بل وفي الانتشار، حتي تحولت روما نفسها إلي أحد أكبر مراكز المسيحية علي وجه الأرض.