منذ بداية توريد محصول قصب السكر في يناير الماضي تشهد الأسواق ارتفاعا في أسعار السكر بالأسواق المحلية بسبب فتح بوابة استيراد السكر الأبيض ليحقق للمستوردين والتجار مكاسب وأرباحا خيالية علي حساب الشركات الحكومية والصناعة الوطنية وتكدس السكر المحلي بمخازن 8 مصانع حكومية، ليرتفع سعر كيلو السكر أخيراً من 5 إلي 10 جنيهات، وبهذا غاب السكر عن الكثير من البيوت المصرية. المصانع الحكومية الثمانية هي أبو قرقاص بالمنيا، وجرجا بسوهاج، ونجع حمادي ودشنا وقوص بقنا، وأرمنت بالأقصر، وإدفو وكوم أمبو بأسوان، ويتكدس مخزونها بسبب إغراق الأسواق المحلية بالسكر المستورد، واحتكار مافيا التجار للسلعة، وعدم وجود سيولة مالية لمصانع السكر لإعطاء المزارعين مستحقاتهم المالية، حيث تضطر لصرف 50% فقط من قيمة مستحقاتهم منذ بدء التوريد أول يناير إلي أواخر أغسطس، وبالتالي يحتكر التجار السلعة، ومخازن المصانع مكدسة كل ذلك تحت سمع وبصر الحكومة. اشتعلت الأزمة، خلال الأيام القليلة الماضية، الأمر الذي أدي إلي وجود نقص حاد في المعروض من السكر بالأسواق، وهو ما دفع وزير التموين والتجارة الداخلية، اللواء محمد علي الشيخ، للإعلان عن أن أي مواطن يبلغ عن أي ممارسات احتكارية أو تخزين للسلع سيحصل علي 10% من قيمة ما يتم ضبطه من هذه السلع، مؤكدًا أن الدولة تحارب الاحتكارات في جميع السلع وأنها تدخلت لتوفير سلعة السكر بعد إحجام القطاع الخاص عن تدبير احتياجاته، وتعاقدت الحكومة لاستيراد كميات من السكر للوفاء باحتياجات المواطنين. كما أصدر الوزير، قرارًا بأن تقوم جميع المنافذ التابعة لوزارة التموين بتوفير السكر الحر للمستهلك ب6 جنيهات للكيلو مع استمرار صرف السكر لأصحاب البطاقات التموينية بسعر خمسة جنيهات للكيلو، مُشددًا علي أن القرار يأتي بهدف السيطرة علي الأسعار وضبط الأسواق والحد من عمليات التهريب والاحتكار والتلاعب بالأسعار. بينما أكد مُساعد وزير الداخلية مدير الإدارة العامة لشرطة التموين والتجارة الداخلية، اللواء حسني زكي، أنه تقرر تخصيص مكافأة مالية قيمتها 5 آلاف جنيه لمن يُدلي بمعلومات عن أماكن وبيانات التجار المخالفين الذين يقومون بتخزين السلع ويمتنعون عن بيعها مثل السكر، مشيراً في تصريحات خاصة ل»آخر ساعة» إلي أنه سيتم صرف المكافأة فور التأكد من صحة البلاغ، مُشدداً علي أن مباحث التموين ستتلقي البلاغات، وتقوم بعمل تحرياتها مع الحفاظ الكامل علي سرية بيانات المبلغين. أضاف اللواء زكي، أنه تم تخصيص مجموعة أرقام لتلقي البلاغات من المواطنين وهي: (24060803-24060802-24060801-240608) مشيرًا إلي أن هذه المبادرة لاقت ترحيبًا كبيرًا وتفاعلًا من المواطنين، حيث تلقت الإدارة أكثر من ألف بلاغ منذ بداية المبادرة، كان من بينها بلاغات إيجابية، وتم صرف المكافآت لأصحابها. وطمأن اللواء زكي المواطنين قائلا: »نضربُ بيد من حديد كل من يتلاعب بقوت الشعب، وانفراجة خلال أيام في أزمة السكر»، مُشددًا علي أن وزير الداخلية اللواء مجدي عبدالغفار، وجه بتكثيف حملات الإدارة وشن العديد من الحملات المفاجئة علي التجار لضبط الأسعار بالأسواق. وفي الوقت الذي تتضارب فيه الآراء بين مؤسسات الدولة وتحاول كل منها أن تلقي المسئولية علي الأخري يدفع محدودو الدخل الثمن بين ارتفاع أسعار اللحمة تارة والأرز تارة أخري تأتي الطامة الكبري وهي ارتفاع أسعار السكر وليس هناك أحد يحاسب علي هذه الفاتورة سوي المواطن قليل الحيلة. فمن واقع البيانات الرسمية لوزارة الزراعة يتضح أن كمية السكر السائل »جلوكوز + فركتوز» المنتجة هذا العام بلغت حوالي 200 ألف طن ليصل إجمالي إنتاج السكر بنوعيه المبلور والسائل حوالي 2.4 مليون طن سكر بما يحقق حوالي 77% من الاكتفاء الذاتي من السكر والتي تكفي لاستهلاك المحلي لحوالي 9 أشهر علما بأن موسم إنتاج السكر الجديد في مصر يبدأ في شهر يناير. ويؤكد تقرير وزارة الزراعة أن مصر تحتل المرتبة الأولي عالميا في إنتاجية قصب السكر، ولم يحدث عبر السنوات الماضية مثل هذه الأزمة، وحمل مزارعو قصب السكر بخمس محافظات بالصعيد وزارتي الزراعة والتموين المسئولية في ارتفاع أسعار السكر بالأسواق المحلية حتي وصل سعر الكيلو إلي 8 جنيهات للكيلو. يقول محمد عبدالدايم أحد كبار مزارعي قصب السكر بسوهاج، إن السبب الحقيقي وراء الأزمة هو احتكار المستوردين السلع منذ بداية التوريد بالإضافة إلي تراجع المساحات المنزرعة لعدم رفع سعر الطن من 400 جنيه ل 500 جنيه وعدم الاهتمام بالمحاصيل السكرية لزيادة الإنتاجية وسد العجز بين الإنتاج والاستهلاك وعدم استخدام أحدث الوسائل لمقاومة الحشرات. بينما يري عبدالله كمال أحد كبار مزارعي سكر القصب، أنه حسبما ورد في تقارير الحكومة فإن إنتاج مصر من سكر القصب والبنجر بلغ 2 مليون طن حيث بلغ إجمالي الإنتاج المحلي من سكر البنجر حوالي 1.25 مليون طن بما يمثل حوالي 75% من إنتاج السكر بينما بلغ إجمالي إنتاج سكر القصب حوالي مليون طن بما يمثل حوالي 43% من إجمالي إنتاج السكر في مصر وإجمالي الاستهلاك المحلي من السكر بلغ نحو 3.1 مليون طن سنويا مايعني أن هناك فجوة في الاستهلاك قدرها حوالي 900 ألف طن من السكر. يتابع: تكاليف النقل غير مجدية فليس من الإنصاف أن يتحمل الفلاح هذه التكاليف، خاصة أن المصنع يخصص مبلغا لا يذكر هو 360 قرشا لنقل الطن لذلك نحن نطالب برفع سعر توريد الطن حتي يتناسب مع التكاليف ونعزز لدي الفلاح الرغبة في الزراعة. فيما يقول فتحي عبدالعليم أحد مزارعي السكر بنجع حمادي: بنجر السكر من المحاصيل الهامة حيث يتم زراعة أكثر من 220 ألف فدان به سنويا ما يمثل 60% من جملة المساحة المزروعة، لكن أسعار بيع المحصول ليست مرضية للفلاحين، رغم زيادة سعر طن السكر من 360 إلي 400 جنيه ومن بين المشكلات التي يعاني منها المزارعون تكاليف النقل فليس من العدل أن توضع التكاليف علي المزارعين. ولوقف جشع التجار واحتكارهم للسلع علي حساب محدودي الدخل يقول فريد واصل نقيب المنتجين الزراعيين: الحل الوحيد هو تحرك الأجهزة الرقابية نحو مخازن السكر لتري أطنان السكر المكدسة بالإضافة إلي أنه يجب علي الحكومة أن تضع حلا واضحا لمشكلة تراجع المساحات المنزرعة من المحصول بسبب المشاكل المتراكمة التي تلاحق المزارعين كل عام، بالإضافة إلي تراجع تأخر صرف مستحقات التوريد وعدم استنباط أصناف جديدة تزيد الإنتاجية. فيما يقول النائب هشام الشعيني رئيس جمعية مزارعي قصب السكر: كثيرا ما طالب المزارعون بضرورة رفع سعر طن قصب السكر ل500 جنيه بدلا من 400، بسبب تكاليف زراعته وحصاده كما أن تراكم المشاكل لدي مزارعي قصب السكر تسببت في ترك المزارعين أراضيهم وكانت النتيجة تراجع زراعة المحاصيل ومن ثم الاتجاه إلي الاستيراد بالأسعار العالمية وتراكم الفوائد علي المزارعين وهو ما أدي إلي ارتفاع سعره في الأسواق المحلية وجعل المواطنين لقمة سائغة في أفواه التجار. يتابع: تقدمت بطلب إحاطة عاجل ضد القائم بأعمال وزير التموين لمعرفة أسباب القفزة الهائلة في أسعار السكر ومحاسبتهم وسيتم تشكيل لجنة تقصي حقائق للوصول إلي المتسببين في هذه الأزمة ووضع حل نهائي لها ويجب أن يصدر البرلمان قانونا يلزم فيه التجار بالتسعيرة الجبرية لجميع السلع الاستهلاكية الأساسية. أما رأفت رزيقة رئيس شعبة السكر والحلوي باتحاد الصناعات, فيقول: إن شعبة السكر وضعت حلولا لتجاوز الأزمة وهي استيراد كميات كبيرة من السكر لتغطية العجز في الأسواق لضبط أسعار السوق التي ترتفع دون سبب وهو ما يؤثر بالسلب علي المصانع وصناعتها ويجري حاليا استيراد نصف مليون طن سكر كما أن موسم إنتاج السكر سيبدأ في يناير وسيتم التعامل مع هذا الموضوع بطريقة مختلفة حتي لا تتكرر الأزمة كما أن السبب الرئيسي لارتفاع سعر السكر هو الدولار.