احتفلت مصر كلها الأسبوع الماضي بعيد تحرير سيناء الحبيبة التاسع والعشرين 52 أبريل وذلك بعد أن تم رفع علم مصر خفاقا قبل تسعة وعشرين عاما علي أغلي بقعة من أرض الوطن في طابا إعلانا بانتهاء الاحتلال الإسرائيلي وإلي غير رجعة. واحتفال العام الحالي الذي يعد أول احتفال لعيد تحرير سيناء بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير كان له طعم ومذاق خاص حيث اختلفت مراسم الاحتفال كلية عن سابقاتها طوال الثمانية والعشرين عاما الماضية. وقد توجه د.عصام شرف رئيس الوزراء إلي سيناء لمشاركة أهلها وأهل مصر كلها في هذه الاحتفالية القومية العظيمة وجلس مع أهالي سيناء وعواقلها وتناول معهم الغداء في جلسة سيناوية تقليدية اتسمت بالود والحميمية والصراحة وتم خلالها مناقشة قضاياهم كما استمع إلي شكاواهم وآلامهم وآمالهم تجاه المستقبل »مستقبل سيناء«.. وأطلق د.شرف مقولته الشهيرة: »اللاءات الثلاثة« والتي تؤكد أن سيناء التي تبلغ مساحتها 06 ألف ك.م2 من أجود الأراضي وأغناها كانت مهملة ومهمشة علي مدي العقود الثلاثة الماضية أي منذ تحريرها من قبضة الاحتلال الإسرائيلي وهو ما لايمكن أن يصدقه عقل أو أن يقبله منطق أو حس وطني.. ويؤكد المراقبون وخبراء التنمية الاقتصادية أن »الإرادة السياسية« لإحداث تنمية حقيقية شاملة في سيناء كانت وللأسف الشديد غائبة وهو ما أدي إلي أن سيناء لم تصبح كما كان مقدرا لها مركزا هاما لجذب الاستثمارات وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة وجذب ما لايقل عن خمسة ملايين مواطن من الدلتا والوادي للمساهمة في تحقيق عمليات التنمية في مجالاتها المختلفة زراعية وصناعية وتعدينية وسياحية. والحقيقة أن هناك بعض المشروعات التي تمت وأخري لم تتم وتوقفت إلا أنها جميعا لا ترقي إلي قدرات وإمكانيات سيناء الهائلة وطموحات شعبها بل وشعب مصر كله في مستقبل أكثر إشراقا وازدهارا. سيناء التي ضحت كثيرا وسالت علي رمالها الطاهرة دماء زكية للآلاف من الشهداء المصريين. والمتابع لقضية تنمية سيناء بوابة مصر الشرقية بكل أبعادها الأمنية والاستراتيجية والاقتصادية يعجب أشد العجب من أنها لم تأخذ الاهتمام الكافي وذلك بالرغم من العديد من الدراسات والأبحاث التي أجرتها مختلف المؤسسات ومراكز البحوث والجامعات والتي أكدت جميعها علي مدي أهمية سيناء . أولا: بالنسبة للأمن القومي المصري انطلاقا من موقعها الاستراتيجي وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية وقيام دولة إسرائيل العدو التقليدي للأمة العربية علي حدودها، وثانيا: بالنسبة لما تمثله من إضافة قوية وإثراء للاقتصاد القومي المصري. وترجع أهمية سيناء هذا »المثلث الذهبي« إلي موقعها الجغرافي الفريد والمتميز وتنوع أجوائها وإطلالات سواحلها علي البحر الأبيض المتوسط وخليج العقبة والبحر الأحمر وقناة السويس التي تعد أهم ممر ملاحي في العالم يربط بين الشرق والغرب وهو مايجعل من سيناء بحق »هونج كونج« الشرق الأوسط بل ويجعلها أيضا تتفوق وبدرجة كبيرة علي منطقة جبل علي الشهيرة في دبي. دعونا إذن نراجع أنفسنا ونعيد قراءة ودراسة كل ماكتب من بحوث ودراسات فنية وسياسية وأمنية عن سيناء وتحليل كل ما ورد فيها من بيانات ومعلومات.. دعونا نسأل ونتساءل ونسائل .. لماذا لم يتم تنمية وتعمير سيناء بالقدر المطلوب علميا وقوميا طوال العقود الثلاثة الماضية؟ وليس المقصود هنا هو محاكمة وزير أو محافظ أو مسئول وإنما الهدف الأساسي هو الوقوف علي المعوقات والأسباب التي حالت دون تنمية سيناء حتي نتجنبها في المرحلة القادمة.. وكثيرا ماكنا نتساءل عن السبب في ذلك ولكن الإجابة كانت دائما مبهمة غير واضحة وفي بعض الأحيان يشار بغموض إلي اتفاقية كامب ديفيد.. وكم كنت أتمني أن يكون النمو والانتعاش المبهر الذي شهده قطاع السياحة في شرم الشيخ وجنوب سيناء بمثابة القاطرة التي تقود عمليات التنمية لتعمير سيناء كلها وخاصة وسطها وهو ما لم يحدث. »تملك الأرض« كان في مقدمة المطالب التي تقدم بها شيوخ وأبناء سيناء لرئيس الوزراء د.شرف خلال لقائه بهم وهو بالتأكيد مطلب غاية في الأهمية.. إذ كيف يمكن أن يكون هناك ولاء لأي مواطن في العالم لوطنه إذا حرم من حقه في تملك جزء من الأرض التي يعيش عليها وينتمي لها.. وإذا كان هناك تخوف من إمكانية بيعها إلي أجانب وخاصة الإسرائيليين فإنه يسري عليهم مايسري علي المواطنين في الدلتا والوادي. هذه قضية جوهرية ولابد من أن تحسم قانونيا وأمنيا في أسرع وقت ممكن انطلاقا من الحرص علي الحقوق المشروعة لإخوتنا من أهالي سيناء وعلي المصالح القومية لمصر. ولاشك أن تعمير وتنمية سيناء يتطلب بذل الجهد والاستثمارات والتوسع في إنشاء المرافق العامة داخل سيناء مثل الطرق، والكباري والأنفاق والسدود وشبكات الكهرباء، ومياه الشرب والصرف الصحي واستكمال خط السكة الحديد أو تلك التي تربط سيناء بالوطن الأم عبر الأنفاق تحت قناة السويس أو الكباري من فوقها. وفي هذا الصدد فإننا ندعو أيضا إلي ضرورة تحسين الخدمات علي كافة المعابر المؤدية إلي سيناء سواء بالنسبة للأفراد أو السلع والبضائع.. كما أنه لابد من الاهتمام بالموانئ المقامة علي البحر المتوسط وخليج العقبة وإنشاء مزيد من المطارات وخاصة في وسط سيناء لتسهيل تصدير السلع والمنتجات الزراعية والصناعية واستقبال مستلزمات الإنتاج وعلينا أن نفكر بجدية في إنشاء كوبري فوق خليج العقبة وهو حلم طالما راود الكثيرين نظرا لما سيحققه من خير وفير لسيناء كما أنه سيساعد علي تدعيم وتطوير علاقات مصر مع كل دول الخليج في مختلف المجالات. وسيظل مشروع ترعة السلام التاريخي نقطة انطلاق هامة في تنمية سيناء في المجال الزراعي من أجل استصلاح وزراعة 500 ألف فدان حيث تجود زراعة النباتات الطبية والخضراوات والفواكة ولهذا فلابد من الاهتمام بها وبنوعية المياه التي تجري فيها وتوسيع مآخذها ومدها من بئر العبد إلي وسط سيناء لتعميرها وتأهيلها سكانيا تمهيدا لإنشاء محافظة وسط سيناء.