يترقب الجميع إصدار البرلمان أحد أهم القوانين المنتظرة، وهو قانون «بناء وترميم الكنائس»، الذي سيري النور قريبا، علي الرغم من عدم انتهاء حكومة المهندس شريف إسماعيل من مسودة القانون، فصدوره مسألة وقت، لأن الدستور ينص صراحة علي إصدار القانون في دور الانعقاد الأول لمجلس النواب، لذلك فالمجلس مجبر علي إصدار القانون خلال الأشهر القليلة المقبلة، خصوصا أن الأزهر لا اعتراضات لديه علي مشروع القانون بعدما بات مقصوراً علي الكنائس فقط. رفض الأزهر قانون دور العبادة الموحد استبدله بقانون يقتصر علي بناء الكنائس رئيس اللجنة الدينية: الحكومة لم ترسل لنا القانون بعد.. وإصداره حتمي الدستور الذي أقره الشعب في يناير 2014، وضع الجميع أمام مسؤولياته، فقد نص صراحة في المادة (234)، علي أن «يصدر مجلس النواب في أول دور انعقاد له بعد العمل بهذا الدستور قانوناً لتنظيم بناء وترميم الكنائس، بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية»، هذه المادة التي لا يمكن تخطيها ستجبر الجميع علي الانتهاء سريعا من قانون ظل حبيس الأدراج لسنوات طوال مُنهيا أزمة بناء الكنائس. وأكد مصدر بالأزهر ل«آخر ساعة» أن الأزهر الشريف لا يزال علي موقفه المعلن في العام 2011 عبر بيان «بيت العائلة المصرية»، الذي رفض فيه فكرة إصدار القانون الموحد لدور العبادة، لاختلاف طبيعة دور العبادة في كل من الديانتين الإسلامية والمسيحية، واقترح وقتها عمل قانون خاص لبناء الكنائس، مع استمرار العمل بقانون المساجد الصادر في 2001، وهو الرأي الذي أخذت به اللجنة المعدة للدستور ونصت علي قانون بناء وترميم الكنائس فقط، وعليه فالأزهر غير معني بهذا القانون الذي تبحث بنوده الكنائس مع الحكومة. الحكومة أعلنت عبر المستشار مجدي العجاتي، وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب، أنها تكاد تنتهي من إعداد مشروع القانون تمهيدا لعرضه علي البرلمان، بينما قال الدكتور أسامة العبد، رئيس اللجنة الدينية بالبرلمان، ل «آخر ساعة»، إن المشروع لم يصل بعد إلي البرلمان للبدء في مراجعته من قبل اللجنة الدينية تمهيدا لعرضه للنقاش علي بقية النواب، مشدِّداً علي أنه لا مفر من إصدار القانون في دور الانعقاد الأول احتراما للدستور ومواده. من جهته، أكد الأب رفيق جريش، المتحدث باسم الكنيسة الكاثوليكية، أن المشاورات لاتزال مستمرة بين الحكومة والكنائس من أجل الانتهاء من مواد قانون بناء الكنائس وترميمها، وأنه لا خلافات بين الكنائس فيما تراه من مواد مشروع القانون، وأن هناك جلسة أخري بينها وممثلي الحكومة لمناقشة التفاصيل النهائية لمشروع القانون تمهيدا لإرساله إلي البرلمان، وأن احتفالات أسبوع الآلام أجلت موعد هذه الجلسة. وأشار جريش إلي أن مشروع القانون سيستند علي بعض مواد قانون دور العبادة الموحد الذي تم إعداده في 2011، بأن يكون تقديم طلب بناء الكنيسة إلي الجهات المختصة بالمحافظة المراد فيها، علي أن يوضح في الطلب كل الرسوم الهندسية ومساحة الكنيسة ومكان بنائها وملكية الأرض حتي لا يكون عليها نزاع، علي أن تفصل المحافظة في الطلب في حدود ثلاثة أشهر،علي أن يفصل بين كل دور عبادة وأخري ما لا يقل عن 500 متر، علي ألا تقل مساحة الكنيسة عن ألف متر. بدوره، ذهب جمال أسعد، المفكر القبطي والبرلماني السابق، إلي أن القانون سيصدر لا محالة وأن الحكومة والبرلمان مجبران علي سرعة مناقشته وإصداره لأنه لا بديل غير ذلك بحكم الدستور، وأشار في تصريحات ل«آخر ساعة»، إلي أن القانون لم تعد أمامه أية مشكلات خاصة بعدما تم إلغاء فكرة إصدار قانون دور العبادة الموحد، لاختلاف طبيعة بناء المساجد عن الكنائس، كما أن هناك قانونا ينظِّم عملية بناء المساجد بالفعل، لذلك لجنة وضع الدستور وضعت نص المادة ليكون مقصورا علي بناء وترميم الكنائس فقط. وشدد أسعد علي أن إصدار القانون سيكون خطوة علي الطريق الصحيح لسد باب الذرائع أمام بعض المتعصبين الذين يستخدمون حجة عدم قانونية بناء الكنائس من أجل افتعال أزمات طائفية، فبناء الكنائس سيكون في ظل القانون مشروعا، لكنه حذر من أن القانون رغم أنه يشكل خطوة في طريق وأد الفتنة إلا أنه طالب بمزيد من الإجراءات التي تدعم مفهوم المواطنة ويقلِّل من المشاحنات الطائفية. ووسط مخاوف من تأجيل مناقشة القانون بسبب ازدحام أجندة البرلمان، أكد رامي محسن، رئيس المركز الوطني للاستشارات البرلمانية، أن البرلمان مجبر علي إصدار قانون بناء وترميم الكنائس وكذلك قانون العدالة الانتقالية خلال دور الانعقاد الأول، لأن الدستور نص علي ذلك صراحة بما لا يمكن معه تأويل المواد بشكل مغاير، والبرلمان لا يملك إلا الانصياع لأمر الدستور، وأضاف ل «آخر ساعة»: «الحل الوحيد الذي سيلجأ البرلمان إليه هو مد الدورة البرلمانية التي يفترض أن تنتهي في 30 يونيو المقبل لمدة شهر أو شهرين علي الأقل لكي ينتهي من القانونين، لأنه مجبر علي مناقشتهما وإصدارهما في الدورة الأولي، لذلك التمديد وتقليص الإجازة الصيفية للنواب هي الحل الوحيد». وتعود أزمة بناء الكنائس في مصر إلي تعارضها مع بعض الأفكار الفقهية التي ترفض بناء كنائس جديدة في ديار الإسلام، لكن الواقع التاريخي يثبت أن معظم الكنائس الموجودة في مصر بنيت في العصور الإسلامية، ما ينفي الآراء المتشددة، رغم ذلك يحكم بناء الكنائس أحكام الخط الهمايوني الصادر من الدولة العثمانية في فبراير 1856? الذي تم تطبيقه في جميع أرجاء الإمبراطورية العثمانية بما فيها مصر، والذي كان في وقته محاولة إصلاحية، لتأمين حقوق الطوائف غير الإسلامية، لكنه ربط بناء الكنائس بموافقة السلطان العثماني حصراً وهو الحق الذي انتقل لرأس الدولة المصرية فيما بعد الاستقلال. لكن وكيل وزير الداخلية الأسبق محمد العزبي باشا وضع عدة شروط تعجيزية لبناء الكنائس في مرسوم 1934، الذي عُرِف بمرسوم الشروط العشرة، والذي وسّع في أحكام الخط الهمايوني، وطالب الراغب في بناء كنيسة أو معبد يهودي أن يقدم مستندات واستيفاء البيانات الخاصة بملكية الأرض المراد بناء دور العبادة عليها وهل هي أرض فضاء أم زراعة، وهل هي مملوكة لمقدم الطلب أم لا، وهل هي قريبة من مساجد وأضرحة المسلمين، وإذا كانت بين مساكن المسلمين فهل لا يوجد مانع في بنائها؟ وإذا كانت الأرض المراد البناء عليها قريبة من النيل يؤخذ رأي مصلحة الري، وإذا كانت قريبة من خطوط السكك الحديدية يؤخذ رأي المصلحة المختصة، مع بيان عدد أتباع الديانة في المنطقة أو القرية المراد بناء الكنيسة فيها، وبيان المسافة بين أقرب كنيسة وبين المكان المراد البناء فيه. وفي سابقة قانونية أصدر أبو القانون المصري والعربي عبد الرازق باشا السنهوري، بصفته رئيس مجلس الدولة في العام 1952، حكما تاريخيا بإلغاء قرار لوزارة الداخلية برفض التصريح بإنشاء كنيسة في بورفؤاد، وكانت الوزارة قد امتنعت عن مواصلة إجراءات استصدار مرسوم ملكي بالترخيص لبناء الكنيسة، وقال الحكم إن إقامة الشعائر الدينية لكل الطوائف قد كفلها الدستور في حدود القوانين والعادات المرعية، ثم عُضِّد هذا الحكم بآخر في نهاية العام ذاته حيث قضي السنهوري بإلغاء قرار لوزارة الداخلية بوقف الاجتماعات الدينية في كنيسة لم تحصل علي ترخيص ملكي، وقال نص الحكم: «اشتراط ترخيص في إنشاء دور العبادة علي نحو ما جاء في الخط الهمايوني لا يجوز أن يُتخذ ذريعة لإقامة عقبات في إقامة دور العبادة لا مبرر لها دون إنشاء هذه الدور مما لا يتفق مع حرية إقامة الشعائر الدينية». ورغم أحكام السنهوري إلا أنه لم يتم العمل بها، وظلت الأزمة معلّقة بل وتتزايد مع مرور الوقت وزيادة حاجة المسيحيين لبناء الكنائس، ما أدي إلي تفجُّر الوضع في صورة أحداث طائفية بسبب بناء الكنائس في فترة السبعينيات وما بعدها، وفي محاولة للحل أصدر الرئيس الأسبق حسني مبارك قرارا جمهوريا برقم 291 لسنة 2005 فوّض فيه المحافظين في الموافقة علي بناء أو إجراء توسعات في كنيسة قائمة، لكن البيروقراطية المصرية العتيدة فرّغت القرار من مضمونة وظلت الأزمة معلّقة، حتي ثورة «25 يناير 2011»، التي أعادت طرح فكرة إصدار القانون المنظِّم لبناء دور العبادة الموحد، لكن اعتراضات أكثر من جهة عطلته، قبل أن ينص الدستور الجديد علي إصدار قانون بناء وترميم الكنائس كخطوة علي طريق إنهاء هذا الملف.