رغم مرور خمس سنوات علي ثورة يناير التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، فإن النائب العام السويسري مايكل لوبير لم يثبت حتي الآن أن الأموال المجمدة في بنوك سويسرا باسم مبارك و14 من رموز نظامه والمقدرة ب590 مليون فرنك جاءت من مصادر غير مشروعة، لإعادتها لمصر، ما يتطلب من اللجنة التنسيقية لاسترداد الأموال المهربة حلولاً غير تقليدية تتمثل في نقل هذه الأموال لمصر أو إرساء مبدأ التصالح أو مطالبة المهربين بإثبات مشروعية أموالهم.. حول إمكانية تحقيق ذلك واقعيا كان ل«آخرساعة» هذا الحوار مع الدكتور نبيل حلمي أستاذ القانون الدولي العام عميد كلية الحقوق بجامعة الزقازيق سابقا. هل فشل قانون استرداد الأموال المهربة في تحقيق الهدف منه وتسريع استرداد الأموال المهربة؟ - الغرض من القانون الذي وافق عليه البرلمان هو استرداد الأموال المهربة، لكن لم تسترد بموجبه أي أموال من تلك الموجودة في الخارج تحت أي مسمي، لذلك لم يطبق واقعياً، فلا توجد حالة واحدة طُبق عليها هذا القانون وتم استرداد أموال بأحكام قضائية في هذا الشأن. ما قراءتك لزيارة النائب العام السويسري إلي مصر أخيراً؟ - لا شك أن حضور النائب العام السويسري إلي مصر لبحث مسأله استرداد الأموال المهربة بالخارج خطوة مهمة، لأن هناك أموالاً مجمدة تحت مسميات مختلفة، وبالتالي يكون السؤال: هل سيكون هناك داع لاتخاذ إجراءات ضد مالكي هذه الأموال؟ خاصة أن سويسرا معروف أن لديها حسابات سرية متعددة وهي محل ثقة لكثير من أصحاب الأموال، وأتصور أن هذه الزيارة ليست لرد الأموال بقدر ما هي زيارة لدراسة القانون المصري ومقابلة رجال القضاء والقانون في مصر، إلي جانب التواصل بين النائب العام السويسري ونظيره المصري في هذا الشأن، وهذه الزيارة لا تعني أن هناك قراراً بعودة الأموال المهربة، فمازال الأمر غامضاً، فهي عبارة عن استكشاف للقانون المصري والأحكام التي صدرت مؤخراً ضد رجال السياسة السابقين وبعض رجال الاستثمار الذين كانت لديهم علاقه بالسياسة أو علاقه برئاسة الجمهورية وقتذاك، ممن قد يكونون تحت طائلة الفساد المالي. كيف يتعامل القانون السويسري مع قضية استرداد الأموال المهربة؟ - شروط القانون السويسري واضحة في هذا الشأن، حيث يقتضي الأمر صدور حكم نهائي وبات من القضاء المصري، لكي يتم النظر في استرداد الأموال. هل توجد علاقة بين الحكم الأخير في قضية «القصور الرئاسية» وبين الأموال المهربة في الخارج؟ - الحكم النهائي البات الذي صدر ضد مبارك ونجليه علاء وجمال في قضية «القصور الرئاسية» لا يتعلق بقضية الأموال المهربة، بل يتعلق بالقصور الرئاسية داخل مصر، لذا فالأموال لم تهرب إلي الخارج، لكن تصنف علي أنها قضية استخدام المال في غير المخصص، وبالتالي لا علاقة لهذه القضية بمسألة استرداد الأموال، لكن تردد أن هناك علاقة، لذلك جاء النائب العام السويسري ليفحص عن قرب هذه الأحكام التي صدرت، ليُصدر تقريراً قضائياً في هذا الشأن للقضاء السويسري، بحيث إذا عرض عليه طلب لاسترداد الأموال بسبب هذه الأحكام يبدي رأيه فيها في إطار من الشفافية الكاملة. ما هي أساليب تهريب الأموال خارج البلاد؟ - هناك ثلاث طرق: أن تستقبلها بنوك في الخارج تسمي «بنوك خارج النطاق الإقليمي»، حيث توضع فيها الأموال المهربة دون أن يعرف البنك اسم صاحب التحويل، لكن يتعامل برقم حساب وبصمة صوت، يتم من خلالها تحويل الأموال، ويتيح التحويل عن طريق الإنترنت، ويُشترط في هذه الحالة ألا يقل المبلغ المهرب عن 100 مليون دولار، وهذه النوعية من البنوك توجد في العديد من الدول الأوروبية وأمريكا وكذلك في البرازيل، لاستغلال هذه الأموال لديها، والطريقة الثانية يتم فيها تهريب الأموال إلي الخارج وخاصة بريطانيا حيث توجد شركات لغسل الأموال، ويتم التحويل من شركة لأخري فيضيع مصدر هذه الأموال، والطريقة الثالثة التي يتبعها الجانب السويسري هي أن يودع مهرب الأموال في حسابات سرية، أما الآن فأصبح بالإمكان الكشف عنها بموجب أمر قضائي، لذا من الصعب استرجاع الأموال المودعة بأي من هذه الطرق. إذاً متي تفرج الدول عن الأموال المصرية المهربة لديها؟ - الاتجاه الطبيعي لأي قضية في هذا الإطار هو إثبات عدم مشروعية الأموال المهربة الخاصة بمبارك و14 من رموز نظامه، وقد يستغرق ذلك عبر المسار القضائي حوالي 10 سنوات، وإذا أعادت محكمة النقض القضية مجدداً للاستئناف لأخطاء في القانون، هنا ستبدأ الدورة مجدداً ويمكن أن ننتهي في هذه القضايا إلي حكم نهائي وبات بعد 20 أو 25 سنة، ما يؤثر علي الاستثمار في مصر. بيان النيابة العامة قال إن الجانبين المصري والسويسري ناقشا سبل إيجاد حلول غير نمطية من خلال التصالح لتسهيل إجراءات استرداد الأموال. فما رأيك؟ - التصالح مع مهربي الأموال يؤدي إلي استعادة الأموال التي تم تهريبها من خلال إعفائهم من أي حكم قضائي صادر، ومن ثم إذا عادت الأموال استغلتها الدولة وشجعت المستثمرين، وأتصور أننا في مصر بدأنا نسير في هذا الاتجاه، لأنه أسلم اتجاه من الناحية القانونية، لكن هناك شروط للتصالح أبرزها ألا تكون هذه الجريمة هي جريمة دم، وبالفعل هناك أموال هُربت لكن كيف ومتي هربت لا أحد يعلم، كما أننا لا نعرف قيمتها بالخارج ومعظم المستثمرين الذين هربوا أموالهم من مصر حصلوا علي جنسية أخري في دولة أخري، مثل حسين سالم، الذي له استثمارات كثيرة في الخارج، وبالتالي يتم الترحيب بهم في هذه الدول، فسويسرا سعيدة بالأموال المهربة إليها حيث تجمد منها ما تشاء ولا تقوم بصرف أي فائدة لحين صدور أحكام في مصر. هل هناك مدة محددة لتجميد الأموال المهربة للخارج؟ - تجميد الأموال لا يعني الإدانة أو استرداد الأموال، لكن لحين الانتهاء من القضية ذات الصلة وصدور أحكام نهائية بشأنها، وحظر الأموال غير المحددة بمدة معينة لكنها بحسب القضاء تتراوح بين 3 إلي 5 سنوات، حيث يتم الإفراج عن الأموال، إلا إذا استجد أمر جديد يتطلب تجميدها مجدداً، والأمر قد يكون مماثلاً في البنوك السويسرية لكنها مسألة تقديرية للقضاء، وفق قوانين البنوك السويسرية، وحتي لو صدر حكم بالإدانة في مصر يعرض علي القضاء السويسري الملزم للبنوك السويسرية وليست الأحكام المصرية هي التي يتقرر بموجبها تسليم هذه الأموال من عدمه، فعلا يعني مجرد صدور حكم إعادتها. إذاً هناك مشكلات قانونية تعزز صعوبة استعادة مصر لتلك الأموال؟ - نحن أمام مفاوضات وإجراءات قانونية من الصعب بل مستحيل إثباتها، كما نعاني عجزا في توافر المعلومات عن حجم الأموال المهربة وكيفية تهريبها، والبنوك المودعة فيها، لذا أري أن مبدأ التصالح بطريقة أو بأخري هو الطريق الأسرع لاستعادة الأموال المهربة. يري البعض أن نقل هذه الأموال لمصر سيدفع أصحابها لاتخاذ إجراءات التقاضي بشأنها، خاصة فيما يتعلق بحق من صدرت بشأنهم أحكام قضائية غيابية بالإدانة؟ - لا يجوز نقل هذه الأموال إلي مصر، فوفقا لتصريحات النائب العام السويسري هي عملية قانونية معقدة، ومن ثم أقول إن استرداد الأموال بالطريق القضائي حضورا أو غيابيا أمر مستحيل، إلا إذا وجدنا الأوراق التي تثبت تهريب الأموال وتحدد حجمها والبنوك المودعة فيها، وفيما عدا ذلك فإن المهربين وأموالهم بالخارج في أمان، فقانون الإجراءات الجنائية في مصر، يوضح أنه إذا كانت هناك محاكمة غيابية لمتهم فلا تستمع المحكمة إلي أقواله أو محاميه، لكن تصدر حكمها وفقا لأوراق مقدمة من النيابة العامة.. إذاً فالقضية تفتقد شرطا مهما لاسترجاع الأموال، وهو أن الحكم غير عادل ولا يجوز رد الأموال بسببه. ما رأيك في الاتجاه إلي تحويل القضية من إثبات حصول مبارك ورجاله علي أمواله بشكل غير مشروع إلي إثبات حصوله عليها بشكل مشروع؟ - هذا الرأي غير قانوني، فعلي من يدعي أن يثبت ادعاءه، وفي هذه الحالة إذا لم يثبت من الادعاء أن هذه الموال المهربة غير قانونية، لا يمكن أن يكون هناك دليل علي استرجاع الأموال، فغسيل الأموال عن طريق الجريمة المنظمة يأتي عن طريق تجارة السلاح والمخدرات والاتجار في البشر، فلابد أن أثبت أي جريمة منها، وإذا لم يثبت ذلك فلا علاقة للمهربين بهذه التهم لكن المهربين ليسوا مطالبين بإثبات ذلك.