وبعد سنوات الانتظار والتأجيل تحقق الحلم، ووقعت مصر مع روسيا اتفاقية إقامة وتشغيل أول محطة للطاقة النووية في الضبعة، وهي محطة مجهزة بأربع وحدات لتوليد الطاقة النووية بطاقة إجمالية 1200 (ميجاوات) لكل منها.. الاتفاقية التي تم توقيعها في حضور الرئيس عبدالفتاح السيسي، بين الدكتور محمد شاكر، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، ممثلا للحكومة المصرية، وسيرجي كيريينكو، مدير عام شركة «روساتوم»، ممثلاً للحكومة الروسية، كان قد تم توقيع الاتفاقية الإطارية الخاصة بها في 10 فبراير الماضي لتحديد المواصفات الفنية للمحطة، ومجالات التعاون بين شركة روساتوم عبر البحار، وهيئة الطاقة النووية المصرية. وتضمنت الاتفاقية التوقيع علي مذكرة أخري للتفاهم بين الهيئة الروسية الفيدرالية للشئون البيئية والصناعية والرقابة النووية، وهيئة الرقابة النووية والإشعاعية في مصر، لتيسير إقامة البنية التحتية الخاصة بالمشروع النووي العملاق. وتحدد الوثائق التي تضمنتها الاتفاقية عددًا من الموضوعات الأخري ذات الصلة بالمشروع مثل، إمدادات الوقود النووي لوحدات توليد الطاقة النووية، والالتزامات الخاصة بكل طرف أثناء العمليات التشغيلية، وصيانة وإصلاح وحدات توليد الطاقة النووية وغيرها، وكيفية معالجة الوقود النووي المستهلك والتعامل معه، وتدريب العاملين في وحدات توليد الطاقة النووية، ومساعدة مصر في تحسين المعايير والتشريعات الخاصة بقطاع الطاقة النووية والبنية التحتية النووية. اتفاقية تاريخية مُدير عام شركة روساتوم الروسية، سيرجي كيريينكو، قال تعليقًا علي توقيع الاتفاقية التاريخية، إنّ محطة الطاقة النووية المقرر إقامتها في منطقة الضبعة تمثل أكبر مشروع مشترك بين روسيا ومصر منذ مشروع السد العالي، مضيفاً: «نشهد لحظة تاريخية غير مسبوقة في مسيرة العلاقات الحكومية بين البلدين، وفي نفس الوقت، فإنّ إقامة أول محطة لتوليد الطاقة النووية سيجعل من مصر دولة تكنولوجية رائدة علي المستوي الإقليمي، لتصبح هي الدولة الوحيدة في هذا الإقليم التي تمتلك محطة متطورة لتوليد الطاقة النووية، تنتمي للجيل الثالث من المفاعلات النووية ذات القدرة الفائقة». وقال كيريينكو، إن توقيع الاتفاقية الحكومية سيكون بداية لنطاق واسع من الأعمال التي تتطلب تعاونا وثيقا بين هيئات ومؤسسات مختلفة في البلدين، مشيراً إلي أنه يُجري حاليًا التخطيط لتوقيع العقود الخاصة بتصميم وإنشاء المحطة النووية بمفاعلاتها الأربعة بالضبعة في أسرع وقت ممكن، إضافة إلي تكثيف الجهود الخاصة بتحسين البنية التحتية في مصر، لافتا إلي أن العرض الروسي يتوافق مع أحدث معايير ومتطلبات الأمان الدولية. من جانبها، قالت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، علي لسان الوزير الدكتور محمد شاكر، إنه تم اختيار أفضل تكنولوجيات إنشاء المحطات النووية، وأعلي معايير الأمان في العالم لإنشاء محطة الضبعة، مشيرة إلي أن ذلك يأتي في إطار استراتيجياتها في تنويع مصادر إنتاج الطاقة الكهربائية في مصر. وذكر شاكر، أنه سيتم بناء وتشغيل أول محطة نووية مصرية لتوليد الكهرباء لتحتوي علي أربعة مفاعلات نووية بقدرة 1200 (ميجاوات) لكل منها، بالإضافة إلي اتفاقية حكومية بين وزارتي المالية في البلدين لتوفير التمويل اللازم للمشروع. وأوضح الوزير، أن الخطوة القادمة هي توقيع حزمة العقود المتعلقة بتحديد مسؤوليات الطرفين في مجال إنشاء المحطات النووية، وتوريد الوقود، وتشغيل وصيانة المحطات النووية، وكذا معالجة الوقود النووي المستنفذ، وفي مجال التدريب وتحسين نظام اللوائح والأكواد، والبنية التحتية في مجال توليد الكهرباء بالطاقة النووية. لا للتشكيك لن تفلح محاولات إحباط المصريين، وسنقف في وجه كل من يشكك في قدرة المصري علي الإنتاج والعمل وبذل الجهد، كلمات قالها الدكتور منير مجاهد، نائب رئيس هيئة المحطات النووية سابقاً، مؤكداً أن العمل النووي أمر ليس بالمستحدث علي الشرق الأوسط، مشدداً علي أن مصر ستتخذ كافة إجراءات السلامة والأمان قبل بدء التشغيل. وعن استخدام اليابان للطاقة الشمسية وتخليها عن النووية، أكد مجاهد أن اليابان اعتزمت ترك العمل النووي بعد حادث هيروشيما وناكازاكي، وأوقفوا العمل لفترة مؤقتة، وعادوا من جديد لاستخدامها بالتوازي مع الشمسية. وتساءل مجاهد قائلاً: «لماذا لا يُعارض العالم الغربي العمل النووي بدول الجوار مثل إيران والإمارات والسعودية»، والمصريون لهم كل الحق في تحديد مصيرهم دون الالتفات إلي آراء المُشككين. ولفت مجاهد إلي أن الكهرباء التي سيتم إنتاجها من المفاعل النووي ستقضي تماماً علي أزمة الكهرباء في مصر لعقود قادمة، مشيراً إلي أن السد العالي حين تم بناؤه كان ينتج 70% من كهرباء مصر، وبزيادة الاستهلاك أصبح يكفي 9% فقط، وبات الحل النووي هو السبيل الوحيد الآن للتصدي لأزمة نقص توليد الطاقة الكهربائية، خاصة لعدم وجود إمكانية في توفير مصادر مائية بديلة. واستطرد: «الفائدة ليست كهرباء بالطبع فقط، ولكن هناك آثار اجتماعية ونفسية واقتصادية علي مصر عامة وعلي أهالي الضبعة خاصة، فنذكر جميعاً حين تم بناء السد العالي بأسوان دبت الحياة في تلك المنطقة وكذلك مجمع الألومنيوم بنجع حمادي». وأوضح مجاهد، أن مصر لديها من الوقت أكثر من 5 سنوات لحين بدء التشغيل، الأمر الذي يتيح لنا الفرصة في استقدام خبراء لتدريب العمالة المصرية علي التشغيل والصيانة كي لا نظل تحت رحمة أحد، مضيفاً أن المسئولين عن الإشراف علي الإنشاءات مصريون، وشاركوا سابقاً في تأسيس محطات كهرباء ضخمة مثل محطة شبرا الخيمة. الجيل الثالث وعن مفهوم بناء المحطة النووية بنظام الجيل الثالث، قال إن المفاعل النووي من الجيل الثالث يعني بناء مشروع نووي حديث في زمن قياسي، أي أنه يقوم علي تقليص الوقت وتكلفة البناء، كما يحتوي المفاعل من هذا الجيل علي تصميم بسيط وموثوق به، ومقاومة لخطأ المشغل «العامل البشري»، ويخدم ل60 عاماً، ومصمم ضد الحوادث الضخمة كسقوط الطائرة، ويعتبر المفاعل النووي من الجيل الثالث لديه استخدام عالٍ من القدرة المركبة وخدمة الحياة الخاصة بها تصل إلي 80 سنة، كما يمتلك المفاعل النووي أيضًا قدرة علي عدم التأثير علي البيئة المحيطة به، كما يقوم بحرق كمية كبيرة من الوقود، وإخراج كمية قليلة من النفايات المشعة. أضاف مجاهد، هذه المتطلبات تتفق تمامًا مع مفاعلات روسيا المتطورة مشروع المفاعل النووي «91 و92»، حيث يتم استخدام الجيل الثالث في المفاعلات النووية الجديدة، وتضمن هذه المفاعلات عدم التسرب الإشعاعي عن طريق الحواجز المتعددة، كما يوجد بها نظم السلامة السلبية والإيجابية، وامتلاك هيكل بسيط وسهل للإدارة وإزالة أخطاء الموظفين، وزيادة كفاءة استخدام الوقود وإخراج أقل كمية من النفايات، كما تحتوي هذه المفاعلات علي نظام التحكم الآلي الحديث. الحلم يتحقق الدكتور إبراهيم العسيري، المفتش السابق بالوكالة الدولية للطاقة الذرية أكد أن المحطة النووية لتوليد الكهرباء بالضبعة من الجيل الثالث الذي يتمتع بأعلي وسائل الأمان وعدم تسرب الإشعاعات النووية الضارة. أضاف، أن المفاعلات التي سيتم بناؤها بالضبعة تعمل بنظام «الماء العادي المضغوط»، وهو النوع الذي يستخدم في 83% من المحطات النووية حول العالم، لافتاً إلي أن هذا النوع من المفاعلات مزود بأعلي وسائل الأمان ضد الزلازل والحوادث، وأن المفاعل المستخدم في محطة الضبعة يعمل من خلال مرور المياه في دائرة مغلقة وتعطي الحرارة للمبرد الحراري وما يتحول لبخار يذهب للتوربينة ويكون نظيفا بدون أي عوادم ملوثة. الدخول في المجال النووي أمر يصب في صالح الاقتصاد المصري، والعهد الناصري كان يفكر في مصر فيما بعد 50 عاما، هذا ما قاله الدكتور جمال القليوبي، أستاذ الطاقة بالجامعة الأمريكية، الذي أكد أن أمريكا بعد توليها قيادة العالم، حرصت بشدة علي أن يكون التفوق النووي لصالح إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، مضيفًا: «العالم لا يحترم إلا الأقوياء ودخول مصر المجال النووي بداية لتأسيس دولة قوية»، ولفت إلي أن مستوي استخدام الطاقة الذرية عالميا يصل إلي 26% مشيراً إلي أن مصر تستورد سولار ومازوت بنسبة 53%. من جانبه قال الدكتور سيد بهي الدين، عضو اللجان الاستشارية لمدير هيئة الطاقة النووية، إن توقيع البروتوكول بين مصر وروسيا لإنشاء محطة الضبعة النووية يعتبر خطوة علي الطريق، مؤكدًا أن المشروع يتم التخطيط له منذ عام 1964، وحرب 1967 كانت السبب في وقف جميع الأنشطة النووية في مصر.. وتابع قائلا: «فترة حكم الرئيس الراحل أنور السادات شهدت تحركات جدية لاستخدام الطاقة النووية في مصر، كما خصص جزء من عائدات البترول للطاقة النووية وأبحاثها». أهالي المفاعل وكأن الحياة بعثت من جديد في نفوس أهالي الضبعة الذين استقبلوا الإعلان عن توقيع الاتفاقية، بترحيب كبير، وأكد الشيخ مرعي مصطفي زموت، رئيس اللجنة التنسيقية لأهالي الضبعة، أنهم سعداء بتوقيع عقد إقامة المحطة النووية بالضبعة، بعد عقود طويلة من تجميد قرار إنشائها، مضيفاً أن أهالي الضبعة يقفون بجانب الحكومة ويدعمونها لتنفيذ هذا المشروع القومي، الذي سيعود علي مصر بالخير ويساهم في التنمية، مشيدا بدور الرئيس عبد الفتاح السيسي في هذا الإنجاز الكبير. . بينما قال مستور أبوشكارة، المتحدث باسم اللجنة التنسيقية لأهالي الضبعة، إن توقيع عقد إقامة المحطة النووية، جاء ليرد علي كل الأكاذيب وأثبت جدية الدولة في السير قدما بمخطط التنمية، مضيفاً أن أهالي الضبعة يثقون تماما في القيادة السياسية المتمثلة في الرئيس السيسي، ويأتمنون القوات المسلحة التي سلموها الأراضي لإقامة المشروع النووي المصري كما هي مؤتمنة علي مصر كلها. وأشار إلي أن القوات المسلحة، أوشكت علي الانتهاء من إقامة مدينة متكاملة للمضارين من أهالي الضبعة، كما أن الحكومة صرفت التعويضات لهم وهناك بعض التعويضات يجري إنهاء إجراءات صرفها للمستحقين من المضارين من نزع أراضيهم لصالح المشروع. وأضاف بأن أهالي الضبعة يستبشرون خيرا وتعويضهم بالتنمية بعد عقود طويلة من التهميش والحرمان من التنمية. كان حلم المشروع النووي المصري قد بدأ منذ الخمسينيات، خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وتعاونت بالفعل روسيا مع مصر لإنشاء أول مفاعل نووي في مصر للأبحاث والتدريب عام 1961 في أنشاص، وبعدها كانت هناك محاولات لإنشاء أول محطة نووية في مصر، وكان من المفترض أن تكون في برج العرب بقدرة 150 (ميجاوات)، لكن المشروع تعطل بسبب حرب 1967، وبعد حرب أكتوبر 1973، تمت اتفاقية بين مصر والولايات المتحدة لإقامة محطة نووية لكن قبل التوقيع فرضت أمريكا شروطا سياسية لم يقبلها السادات، وتعطل المشروع، ثم في الثمانينيات، وضع السادات خطة لإقامة 8 محطات نووية، وتقدمت فرنسا، وتم تشكيل مجموعة مشتركة، وتم اختيار 23 منطقة بمصر، تم تصفيتها إلي 3 مناطق تصلح لتنفيذ المشروع، وتم تحديد موقع الضبعة بعدها. وقبل التوقيع، وقع حادث «مفاعل تشرنوبل»، حينذاك رفض الرئيس الأسبق محمد حسني تنفيذ المشروع، واتخذت الحكومة الحادث شماعة لعدم التنفيذ، في حين قامت أوكرانيا، التي وقعت بها حادث المفاعل، بإنشاء 9 محطات نووية، واليوم تمتلك 15 محطة نووية.