توزيع الأسمدة على المحافظات يخضع لتعقيدات كثيرة تحاصر الأزمات منظومة إنتاج الأسمدة وهو ما بدا من خلال تراشق الاتهامات بين كل من وزارة الزراعة وشركات صناعة الأسمدة، حيث تتهم الوزارة هذه الشركات بعدم الوفاء بالتزاماتها تجاه احتياجات السوق المحلية وبناء عليه قامت بإصدار قرار بوقف شهادات تصدير الأسمدة إلي الخارج، وهو ما اعتبرته شركات الأسمدة يفاقم من أزماتها الحالية في ظل ما تعانيه في الأساس من أزمة طاقة تتمثل في نقص كميات الغاز الموردة من الشركة المصرية القابضة للصناعات الغازية والتي تعد المادة الخام الرئيسية لصناعة الأسمدة، محذرين في ذات الوقت من إمكانية انهيار صناعة الأسمدة المصرية نتيجة أوضاعها المتفاقمة. المهندس ضياء حمزة المدير التنفيذي لغرفة الصناعات الكيماوية قال ل «آخر ساعة» إن الأزمة تكمن في الأساس في صناعة الغاز نفسها التي تقوم عليها صناعة الأسمدة والتي واجهت مشكلة تكمن في عدم ضخ استثمارات جديدة لتطوير الآبار أو القيام بإدخال مناطق استكشاف غاز جديدة إلي الخدمة نتيجة انصراف الشركات عن التنقيب عن الغاز في مصر بعد الثورة مما أدي إلي تقليل كم الإنتاج الكلي للغاز في البلاد وبالتالي حدث هبوط في توريد حصص الغاز إلي المصانع برغم أنه يعد عنصرا أساسيا في صناعة الأسمدة الآزوتية، لافتاَ في الوقت ذاته إلي أن شركات الأسمدة اجتمعت مع الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس" من أجل الاتفاق علي تحديد كميات الغاز التي يتم إنتاجها من الشركة وبناء عليه يتم وضع خطة إنتاجية مقابلة للأسمدة في ضوء ما يتم تحديده من احتياجات تلك المصانع، ولكن حتي الآن لم يتم التوصل إلي اتفاق بين الجانبين. وأشار ضياء إلي أن شركات الأسمدة الخاصة والاستثمارية ملزمة بتخصيص جزء من إنتاجها للسوق المحلي للوفاء بما يسمي «بنسبة الصادر» التي يتم فرضها من الدولة علي الشركات بمعني أنها ملزمة بتوريد حصص ثابتة من الأسمدة إلي وزارة الزراعة كل عام، بعد ذلك يكون لها الحق في التصدير إلي الخارج، ولكن تلك الشركات باتت الآن غير قادرة علي التصدير أو حتي تلبية متطلبات وزارة الزراعة بسبب عدم تمكنها من بلوغ الإنتاجية القصوي نتيجة اتجاه الدولة لتوريد معظم حصص الغاز الطبيعي الموجودة في مصر إلي الكهرباء لسد احتياجاتها وبالتالي فإن الجزء المتبقي لشركات الأسمدة غير كاف للوفاء بالتزاماتها الداخلية والخارجية، لذا نجد أن هناك مصانع بدأت في العمل ب 41% فقط من طاقتها وهناك مصانع خاصة تضطر لوقف العمل شهرين من أجل تقليل النفقات، وذلك علي عكس شركات الأسمدة الحكومية مثل شركة أبي قير التي لا تواجه أي أزمات في الطاقة نظراَ لوجود دعم قوي لها من الدولة التي تستفيد من كامل منتجاتها وهي أيضاَ التي تتولي عملية التسويق لها بالكامل إلي الجمعيات الزراعية سواء المركزية أو العامة. في حين أكد المهندس سعد أبوالمعاطي رئيس مجلس إدارة شركة أبوقير للأسمدة بالإسكندرية أن وزارة الزراعة ليس لها سلطة سحب شهادات التصدير من شركات الأسمدة، ولكن من حقها فرض رسم صادر فقط لا غير، لأن هناك حصصا مقررة للدولة من توريد الأسمدة إذا التزم بها المصنع عندئذ يستطيع التصدير إلي الخارج بدون رسم صادر ولكن من لايلتزم بها فمن حقه أيضاَ التصدير ولكن يتم فرض رسوم علي كل طن ينتجه وذلك لأنه يأخذ الغاز من الدولة بأسعار مدعمة. يتابع: هناك كميات غاز محدودة حالياَ لدي الدولة، فهي تعيد توزيعها بطرق قديمة، مما أثر بصورة مباشرة علي أوضاع وأرباح شركات الأسمدة بسبب تشغيل 50% فقط من طاقتها القصوي، ولكن هناك أمل في تجاوز هذه الأزمة بحلول عام 2017 إذا ما كان اهتمام من الدولة بالتوسع في استثمارات صناعة الغاز الطبيعي وتطوير المنشآت القائمة حالياَ من أجل زيادة القدرة الإنتاجية لها. أما المهندس جميل حبشي مدير عام شركة حلوان للأسمدة فقد انتقد ما أسماه بالشروط الصعبة التي وضعتها الوزارة التي حددت أن ما نسبته 56% من إنتاج مصانع الأسمدة يتم توجيهه إلي الجمعيات التعاونية التابعة لوزارة الزراعة بسعر مدعوم، وما يتبقي نسبته 44% فقط منها 22% يتم تسليمها إلي الوزارة أيضا بسعر تفضيلي، لذلك فإن معظم مصانع الأسمدة التي يتشابه وضعها مع وضع الشركة الحالي متوقفة تماماَ عن العمل. كما انتقد اتهامات وزارة الزراعة لمصانع الأسمدة بالتقاعس عن توريد منتجاتها إلي الأسواق المحلية مشيرا إلي أنها تعلم جيداَ أن هناك كمية كبيرة من مصانع الأسمدة متوقفة بسبب منعها من سحب الغاز الطبيعي الذي يمثل الخام الرئيسي لتشغيلها حيث تم إعلامها بوقف إمدادات الغاز عبر جوابات رسمية من شركات الغاز الاستثمارية، التي تقوم حالياَ بتوجيه معظم منتجاتها من الغاز إلي محطات الكهرباء لعدم قطع الإنارة عن المواطنين، وطالب حبشي شركات البترول بالسماح لشركات الأسمدة بسحب الغاز للتشغيل بحيث نستطيع توريد الحصص المطلوبة إلي وزراة الزراعة والعودة أيضاَ إلي التصدير إلي الخارج لافتا إلي أن مصر فقدت سوقها التصديري الخارجي بعدما اكتسبته بجهد وتعب خلال سنوات عديدة نتيجة الأوضاع الحالية. وفي المقابل ألقت أزمة الأسمدة بظلالها علي الجمعيات الزراعية والفلاحين وهو ما أوضحه محمد رضوان عبد المحسن رئيس الجمعيات المركزية للائتمان الزراعي في الفيوم الذي أشار إلي أن الجمعيات الزراعية تواجه أزمة خاصة تتمثل في تعدد جهات التعاقد مع شركات توريد الأسمدة التي لابد أن تمر عبر "الجمعية العامة للائتمان" و"الجمعية العامة لاستصلاح الأراضي" أولاَ وهؤلاء يتعاقدون بدورهم من خلال بنك التنمية الزراعية الذي يدخل كوسيط في هذه العملية مقابل عائد مادي باهظ علي الأسمدة الموردة إلي الجمعيات المحلية، لكن النقطة الأخطر هي قيام بنك التنمية الزراعية بربط فوائد علي الجمعيات الزراعية طبقاَ لكميات الأسمدة الموجودة لديها، بمعني أن المحافظة عندما تأخذ أسمدة بقيمة 30 مليون جنيه يقوم هنا بنك التنمية بربط فائدة 12.5% علي الكميات الموجودة لدي الجمعيات الزراعية المحلية، لذلك فإن شيكارة الأسمدة التي لا تتعدي قيمتها 100 جنيه تصل في الجمعية إلي 200 جنيه وهذا هو ما يتسبب في خلق السوق السوداء للأسمدة. فتوزيع الأسمدة علي المحافظات يخضع إلي تعقيدات لا حصر لها، فالجمعيات الموكلة بتوزيع وتوريد الأسمدة عبر المحافظات هي 3 جمعيات مركزية وهي "الجمعية المركزية للائتمان" و"الجمعية المركزية للإصلاح الزراعي» و«الجمعية المركزية لاستصلاح الأراضي» وهذه الجمعيات تتبعها جمعيات أخري محلية في القري والمحافظات تكون مهمتها عمل دراسة حالة للأراضي ومدي احتياجاتها للأسمدة ثم وضعها في برامج زراعية محددة يتم إرسالها إلي الجمعيات المركزية في مصر ومن ثم إلي بنك التنمية الزراعية الذي يراسل شركات الأسمدة لإعلامها بمدي احتياجات الجمعيات الزراعية علي مستوي الجمهورية. أما توزيع الأسمدة فهو يتم طبقا لكشوف الجمعيات المحلية التي يعتمدها مدير الجمعية الزراعية، بعد ذلك تبدأ الجمعيات الزراعية في توزيع الأسمدة وفقاَ للمعاينات التي يقوم بعملها المشرفون ومسئولو الإدارات الزراعية، حيث يتم الصرف للفلاحين علي حسب نسبة قياس إنتاجية المحصول الفعلية ونوعية الزراعة نفسها سواء كان ذرة أو كان بنجر أو القمح.. كما أوضح أن مسألة تأثر المحافظات بنقص الأسمدة هي مسألة نسبية تختلف من محافظة إلي محافظة، فمعظم المحافظات التي قامت بتخزين الأسمدة من شهر في المخازن الخاصة بها ومنافذ التوزيع ومن بينهم محافظة الفيوم، لم تكن لديها مشكلة في التوزيع لاحقا، ولكن في المقابل هناك محافظات لم تخزن أسمدة الزراعات الصيفية في الفترة الماضية وهي الجيزة وسوهاج وقنا والمنياَ والتي من المتوقع أن تشهد تكرار سيناريو أزمات توفير الأسمدة.. يتابع: حل المشكلة الأسمدة يمكن في الرجوع إلي الإجراء القديم الذي كان متبعاَ في عهد الوزير "يوسف والي" عندما كانت الجمعيات المركزية الزراعية في قناوالفيوم تقوم بالتعاقد مباشرة مع مصانع الأسمدة دون الحاجة إلي وسيط علي عكس مايحدث حالياَ بوجود ثلاثة وسطاء وهذا يشكل في حد ذاته عبئا علي المزارعين وعلي الجمعيات، محذراَ في ذات الوقت من أن الاستمرار في العمل وفقاَ للإجراءات الحالية علي مدي الخمس سنوات المقبلة سيتسبب في إغلاق جميع الجمعيات الزراعية لعدم قدرتها علي المواصلة وتحمل التكاليف المالية الزائدة ومن ثم يترك الفلاح فريسة للسماسرة والتجار.