المشكلات التي تطوق اليمن حالياً، تطل من وراء أكثر من خمسين عاماً، حين ولدت الجمهورية اليمنية علي أنقاض ما كان يعرف قبل عام 1962 بدولة الإمامة حيث مثلت شرعية الطائفة والاتكاء علي كيان القبيلة، وانتشار السلاح، وسيادة منطقة عوامل فاعلة لم تغب في أي مرحلة من مراحل تطور الدولة في اليمن الحديث. وبعد عقود من التعايش مع الكثير من هذه المشكلات يقف اليمن الآن علي مفترق طرق مواجها باحتمالات مفتوحة علي كل الاتجاهات، ترفع إلي أقصي درجة مستوي التحدي أمام أبنائه من أجل التعامل مع هذا المشهد. وبقدر ما مثل إفلات الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي من أسر حقيقي امتد مدة شهر علي يد جماعة الحوثيين الذي مثل منعطفا هاما في المشهد السياسي المتأزم في اليمن، إلا أنه مازال من الصعب التنبؤ بمآلات الوضع في اليمن بعد وصول هادي إلي عدن في جنوب البلاد، وعودته لممارسة مهامه كرئيس شرعي للبلاد، وإن كان من الأكيد أن عزلة جماعة الحوثيين ازدادت عما قبل وفقدت واحدة من أهم أوراق الضغط التي عملت عليها خلال شهر كامل منذ اقتحام مسلحيها دار الرئاسة ثم منزل الرئيس هادي وفرض الإقامة الجبرية عليه. ومن المؤكد أن التعامل مع أزمات اليمن المتفجرة في أكثر من مكان في البلاد ستخضع لتأثير المتغيرات الجديدة المتمثلة بعودة زمام الأمور إلي يد هادي من جهة وحالة الإرباك الشديد لدي جماعة الحوثي التي تغلب علي تحركاتها الآن سمة التخبط ومحاولة استعادة زمام الأمور بصنعاء بالتقدم إلي الأمام في انقلابها.. بعيدا عما حل بالوضع عموما وحالة الحصار التي باتت تعانيه في الداخل والخارج بعد إيقاف أعمال سفارات عربية وأجنبية رئيسية ومغادرة طواقمها بصنعاء بل وانتقال عمل بعض هذه السفارات من عدن. بخروج هادي من صنعاء يكون مركز القرار قد غادر العاصمة اليمنية لمصلحة مدينة عدن التي أصبحت عاصمة الأمر الواقع، وإن كان مؤقتا وبصورة غير رسمية حيث بات هادي يمارس مهامه كرئيس من هذه المدينة التي كانت عاصمة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل الوحدة وهي المرة الأولي التي يحدث فيها مثل هذا التحول منذ عام 1990 عدا فترة وجيزة تنازعت فيها عدن مع صنعاء القرار السيادي عندما أراد الرئيس علي سالم البيض إدارة شئون الجنوب خلال حرب 1994. وإن كان بخروج الرئيس هادي من أسر الحوثيين وانتقاله إلي عدن قد وجه المعادلة السياسية في اتجاه مغاير لما يريد الحوثيون ومن يواليهم بعد أن أصبحوا أقلية في المجموع السياسي اليمني وباتوا يعتمدون علي غلبة القوة في محاولة لتمرير مشروعهم بعد أن توقف امتدادهم الميداني في حدود المحافظات الشمالية، إلا أن بخروجه أيضا قد خلط الأوراق ما اقتضي أن يقف الجميع أمام الوضع المتغير وبعودة قليلا إلي الوراء نذكر أن هادي تمكن من الخروج في الليلة التي تم الإعلان فيها عن اتفاق وشيك بين الأطراف.. كاد يخرج اليمن من أزمته وهي القضية التي آثارت هادي إذ إن الاتفاق ناقش انعقاد مجلس النواب لقبول استقالة هادي وهذا الأمر هو ما لايريده هادي المستقيل الذي منذ أن قدم استقالته أربك المشهد وأدخل اليمن في دوامة الفراغ السياسي. ومنذ وصول هادي إلي عدن وإصدار بيان يطالب فيه نقل الحوار إلي عدن أو تعز واصفا صنعاء بالمحتلة.. تتباين ردود الأفعال ففي حين كان هناك توحد لدعم الرئيس هادي من قبل حزب الإصلاح كان رد فعل الحزب الناصري علي نفس المضمار.. وإن كان الحزب الاشتراكي أقل تصريحا لإدراكه خطورة الوضع مع تمسكه بشرعية هادي في نفس الوقت، أما بقية الأحزاب فاتحاد القوي الشعبية والعدالة والبناء والرشاد فقد اصطفت إلي جانب الإصلاح وتحرك ممثلين عنها مع الإصلاح والاشتراكي إلي عدن لمقابلة هادي فيما فضل المؤتمر الشعبي العام التريث قليلا لتدارس الوضع خاصة وهو يدرك أن موقفه له تأثير في ترجيح كفة التوازنات والصراع وإن كان ناطقه الرسمي قد أعلن صراحة أن الأفضل لهادي التمسك بالاستقالة. كذلك شهدت عدن زخما كبيرا إقليميا ودوليا بعد زيارة بن عمر التي أعقبت زيارة أمين مجلس التعاون الخليجي الذي يحمل كثيرا من الدلالات عن أي مدي سيكون للقوي الإقليمية خاصة الطرف الخليجي لديه الكفة المرجحة لما يحدث في اليمن. وبالعودة لردود أفعال الحراك الجنوبي فقد رفضت قياداته أغلب ما تضمنه بيان هادي واعتبروه مجرد مناورات سياسية في إطار لعبة دولية لجعل الجنوب ساحة للصراع وهذا ما يرفضه الجنوبيون جملة وتفصيلا.. فيما رحبت الهيئة الوطنية الجنوبية المؤقتة بوصول هادي إلي عدن وقالت في بيان لها: (نأمل أن يكون وجود الرئيس هادي بين أهله وشعبه لمعالجة قضية شعب قدم آلاف الشهداء والجرحي والمعتقلين وليس لجعل عدن مكانا لمن هزموا في صنعاء في صراعهم علي السلطة علي إيدي الميليشيات الحوثية. وبرغم صعوبة التكهن بمآلات الوضع في اليمن في ظل تسارع الأحداث ووجود لاعبين كثر في الشأن اليمني من الداخل والخارج لكن يمكن القول إن التطورات المرتقبة ووفق تفاصيلها المتوقعة وغير المتوقعة يمكن أن تفضي إلي سيناريوهات عدة يتوقع المراقبون منها قيام سلطتين في صنعاءوعدن بعيدا عن العامل المناطقي شمالا وجنوبا وهو سيناريو لايمكن أن يستمر طويلا في اليمن.. ومنها أيضا الانفصال بين الشمال والجنوب إذا ما استمر النظر بنفس الآلية لحل القضية الجنوبية. فيما السيناريو المرجو أن تتم العودة إلي العملية السياسية وتستجيب جماعة الحوثي للمطالب الوطنية والدولية والتخلي عن السلطة التي اغتصبتها وكذلك التخلي عن «صالح».