لا تجد مكانا للعيش وشباب لا يستطيع أن يدخل عش الزوجية وعنوسة مستمرة في الارتفاع" كل هذه المشكلات سببها أزمة السكن التي تعاني منها مصر منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك وتفاقمت وزادت خلال السنوات الأربع الماضية، في أعقاب اندلاع ثورة يناير 2011. وخلال الأيام الماضية ظهرت عدة مبادرات إلا أنها في انتظار موافقة الحكومة لتدعيمها ومنها ما طرحه تحالف المقاولين المصريين والذي يستهدف بناء 8 ملايين وحدة سكنية بداية من العام المقبل 2015 وحتي العام 2030. تفاقمت أزمة السكن في السنوات الأخيرة ولم يعد أمام من لا يملك مقابل السكن إلا أن يزاحم الموتي وهو حي في المقابر أو يسكن في منطقة تكون العشوائية فيها عنوان وقانون القوة هو الوحيد القابل للتطبيق. وتسببت أزمة السكن في زيادة رقعة العشوائيات وتستحوذ محافظة القاهرة وحدها علي أكثر من 36% من حجم العشوائيات في مصر ويبلغ سكان العشوائيات علي حسب آخر دراسة نحو 20 مليون مواطن. "آخرساعة" التقت عدداً من المواطنين والذين يعانون من عدم وجود مسكن ملائم لهم في البداية كانت في منطقة البلوكات بالقرب من الدويقة فوجدنا أسرا تعيش في غرف بلا سقف ولا تتعدي مساحتها 30 مترا. في البداية قال العم أحمد - رب أسرة مكونة من 8 أفراد ويعيشون في غرفة صغيرة - أنه فقد الأمل في الحصول علي مسكن ملائم وكل مايرجوه أن يظل موجودا داخل غرفته الصغيرة دون مضايقات، وأضاف: أعمل ماسح أحذية ولدي 6 أبناء جميعهم لا تتعدي أعمارهم 15 عاما ومنهم من لم يستطع تعليمه بسبب عدم مقدرته علي مصاريف الدراسة وعملهم في حرف منتشرة بالمنطقة. وتابع: لا أستطيع أن أقدم علي شقق وزارة الإسكان والتي تعتبر أسعارها أكثر من الشقق الموجودة في المناطق الشعبية. التقينا أيضاً أحد شباب منطقة فيصل بالجيزة وصل عمره إلي الثلاثين ولم يستطع الزواج بسبب عدم استطاعته توفير مسكن ملائم له فهو يعمل "كول سنتر" في إحدي الشركات الخاصة وراتبه لا يتعدي 800 جنيه شهريا، وقال ل «آخر ساعة»: أريد أن أعرف كيف أشتري شقة 60 متراً ب100 ألف جنيه وأنا لا أستطيع أن أعيش بما أحصل عليه من راتبي الشهري ومنذ خمس سنوات وأنا لا أستطيع أن أحصل علي شقة سواء عن طريق وزارة الإسكان والتي أصبحت وحداتها التي تقوم بالإعلان عنها مناسبة للأغنياء فقط أو من خلال الإسكان الخاص ولا يوجد أمامي إلا اللجوء إلي العشوائيات". ويلجأ إلي العشوائيات من لم يستطع دفع مقدم شقة ويخضع سكان العشوائيات دائما للابتزاز من جانب الحكومة ومرشحي الانتخابات فضلا عن الوعود والمسكنات التي لا تسمن ولا تغني من جوع في مواسم الانتخابات التي غالبا ما تتبخر بعد ظهور النتائج, إلي جانب وجود تجار يشترون الوحدات السكنية وبيعها مجدداً بعد رفع ثمنها. وفي دراسة حديثة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أكدت أن عدد سكان المقابر في القاهرة الكبري الآن يتعدي مليون ونصف المليون نسمة ما بين أطفال وشباب وكبار في السن بسب ارتفاع أسعار الوحدات السكنية المؤجرة وقلة ومحدودية الدخل. وأكد التقرير أن سكان المقابر يتمركزون في البساتين والإمام الشافعي، والتونسي، والغفير، وباب الوزير، والإمام الليث، وجبانات عين شمس ومدينة نصر، ومصر الجديدة، وبعد أن كانت المقابر مكانا للموتي فقط أصبحت مكانا للأحياء بدرجة أموات لأنهم يعيشون حياة ليست آدمية. في السياق طرح تحالف "المقالون المصريون" الذي يضم عددا من رجال الأعمال مبادرة خاصة للحد من أزمة السكن عن طريق إنشاء 8 ملايين وحدة سكنية، وقال عمر الطهطاوي رئيس التحالف : المبادرة التي تم تدشينها تحت شعار "حقي في سكني" تهدف للقضاء علي أزمتي البطالة والإسكان من خلال مشروع قومي يهدف إلي إنشاء 8 ملايين وحدة سكنية بنهاية 2030 موضحا أن التحالف يضم 500 شركة استثمارية تعمل برأسمال حر بعيدا عن تعامل البنوك أو الاقتراض من الدولة. وأضاف الطهطاوي أن مشروع الإسكان سيحتاج دعما من الدولة من خلال تخصيص أراضٍ توفرها وزارة الإسكان للشركات الاستثمارية الكبري علي أن يدفع التحالف مقدم 10% من سعر الأرض والباقي علي أقساط لمدة 10 سنوات. وأوضح الطهطاوي أن المشروع يحتاج إلي 150 ألف فدان في كل محافظة علي أن يكون سعر المتر 200 جنيه، وهو نفس السعر الذي تدفعه الشركات الاستثمارية، مضيفا أن الشركات الاستثمارية تحصل علي الأرض بسعر منخفض من الدولة إلا أنها تغالي في سعر بيع الوحدات السكنية. وأشار الطهطاوي إلي أن المرحلة الأولي تبدأ بإنشاء مليون وحدة سكنية في العام الأول في 27 محافظة، بواقع 37 ألف وحدة سكنية في كل محافظة، يليها إنشاء 500 ألف وحدة سكنية كل عام في كل محافظة حتي نهاية عام 2030. وأضاف وستكون أسعار الوحدات السكنية منخفضة الثمن، وستبدأ من 44 ألف جنيه للوحدة مساحة 63 مترا. وأعلن الطهطاوي عن توفير 50 ألف فرصة عمل للشباب حديثي التخرج من كافة المؤهلات لتعيينهم بشركات الاستثمار العقاري المنضمة للتحالف للقضاء علي أزمة البطالة التي تواجه الشباب. وحول توفير فرص عمل للشباب قال الطهطاوي، إن مشروع الإسكان سيوفر 4 ملايين فرصة عمل بنهاية عام 2030 مقترحاً بأن يكون مشروع التخرج لطلاب كليات الهندسة عن حل أزمة الإسكان في الوطن العربي علي أن يقوم التحالف بتمويلها. وأضاف الطهطاوي أن التحالف سيقوم بتسهيل تدريب طلاب كليات الهندسة قسم معماري ومدني وكهرباء في مشروعات متعددة . من ناحية أخري قال محمود العسقلاني مؤسس حركة "مواطنون ضد الغلاء" إن إحدي عقبات أزمة الإسكان هو عدم مساندة الحكومة للشعب وتجاهل مطالبه التي أقرها في ثورتي 25 يناير و30 يونيو بتوفير العدالة الاجتماعية، موضحا أن تجاهل الحكومة سيولد ثورة جياع لا يلتفت إليها أحد. وأضاف العسقلاني أن هناك عددا من المشاكل التي تواجه المستثمرين المصريين من أهمها بعض القوانين والتشريعات المكبلة والتي تقف عقبة أمام المستثمرين مطالباً الحكومة بتعديل القوانين حتي لا تكون عقبة أمام التحالف في تنفيذ المشروع. ومن جانبه قال الدكتور صلاح جودة الخبير الاقتصادي والمستشار الاقتصادي لتحالف المقاولين المصريين إن المبادرة ستنهي سيطرة الطبقة العليا علي الأراضي المصرية التي تعد ملكا للشعب مما يعيد للمواطن المصري حقه في امتلاك وحدة سكنية رخيصة الثمن. وكشف جودة أن الحكومات التي ترغب في تنشيط اقتصادها عليها الاهتمام بمجالين الأول طائفة المعمار بالكامل وتحتوي علي 105مهن والنشاط الآخر هو الغزل والنسيج لما تشمله هذه الأنشطة من كثافة عمالية مما يتيح توفير 7.5مليون فرصة عمل في المجالين خاصة أن معدل النمو في مصر حاليا يصل إلي 2.3 % وترغب الحكومة في وصوله إلي 3.5 % وإذا ما تم الاهتمام بما يقدمه تحالف المقاولين المصريين من مبادرة وطنية لحل أزمة الإسكان في مصر بالإضافة إلي الاهتمام بمشروعات الغزل والنسيج سيرتفع معدل النمو إلي 4.5 % في فترة قليلة . وأكد جودة أن أراضي مصر خلال السنوات الماضية تعرضت لتكالب مجموعة من رجال الأعمال خلال الأنظمة السابقة . ومن جانبه أكد محمد عبد الرحيم رئيس المركز المصري للحق في المدينة أن نظام التعاونيات بين الحكومة والقطاع المدني والخاص هو الحل للقضاء علي أزمة السكن مشيرا إلي أن ارتفاع أسعار المباني يرجع بالأساس إلي زيادة أسعار مواد البناء. وأضاف أن الحكومة لاتتيح المعلومات الكافية عن الأراضي القابلة للاستصلاح في مصر وبالتالي فإن ذلك يتسبب في أن مباني مصر بأكملها داخل مساحة 7% من إجمإلي المساحة الكلية، مؤكداً أن ماكانت تفعله الحكومات السابقة مازال مستمرا حتي الآن فهي تقوم بإخفاء معالم المشاريع المعمارية لصالح مجموعة محددة من رجال الأعمال المنتفعين مشيرا إلي أن المركز المصري للحق في المدينة مهمته توعية الناس بالمشروعات المتاحة للسكن متوسط التكاليف. وأضاف أن مصر بحاجة إلي طرح عدد كبير من الوحدات السكنية بالقرب من الظهير الزراعي بالإضافة إلي وجود حلول عاجلة لأكثر من 7 ملايين وحدة سكنية خالية يقوم أصحابها بشرائها بهدف الاستثمار، مشدداً علي ضرورة إعادة التوزيع العادل للوحدات السكنية مشيرا إلي أن ما تعانيه مصر ليس أزمة سكن بقدر كونه سوء توزيع للوحدات السكنية.