في نهاية الستينيات، تم عرض الفيلم الأمريكي to sir with love الذي نعرفه باسم "مدرسة المشاغبين" ، وكان من بطولة النجم الأمريكي الأسمر سيدني بواتييه، وأحدث الفيلم ضجة عارمة، حيث كان يستعرض علاقة مدرس أسمر بمجموعة من التلاميذ المشاغبين، المنفلتين أخلاقياً، ودراسياً، وكيف استطاع بصبره وحنكته، وقدرته علي الترويض أن يحولهم إلي مجموعة من الشباب الواعي ، ويستخرج من كل منهم أفضل مالديه، ليدهش آباءهم وبقية مدرسيهم، ويدهشهم هم شخصياً، حيث لم يتصور أي منهم، أن داخله كنزا وموهبة لم تتح له الظروف فرصة ليظهرها، وتحول الفيلم الجميل إلي مسرحية كوميدية مصرية كتبها "علي سالم" ولعب بطولتها مجموعة من الشباب أصبحوا جميعا نجوم مرحلة السبعينيات، منهم عادل أمام ، وأحمد زكي، وسعيد صالح، ويونس شلبي وهادي الجيار، هؤلاء كانوا الطلبة المنحرفين ، وتم استبدال المدرس، في الفيلم الامريكي، بمدرسة "سهير البابلي" لزوم التحابيش، والكوميديا، لتصبح مشكلة الطلبة المنفلتين، كيفية الإيقاع بالمدرسة، التي كان من المفترض أن تكون حسناء! وقيل وقتها إن المسرحية التي حققت نجاحا منقطع النظير كانت أحد أسباب فساد أخلاق جيل السبعينيات!! رغم أن هذا الجيل، يعتبر من أصحاب الأخلاق الحميدة، مقارنة بما تلاه من أجيال، حيث أصبح شائعا في الواقع وليس في المسرحيات أو الأفلام أن يعتدي الطالب علي المدرس، حتي وصل الأمر إلي أن بعض الطالبات في جامعة الأزهر الشريف، قمن بتجريد إحدي المدرسات من ملابسها وتصويرها عارية، وضربها بوحشية!! وهؤلاء بالقطع لم يشاهدن مسرحية مدرسة المشاغبين ولاغيرها، لأنهن ينتمين إلي جماعات تحرم الفنون، بأنواعها، ولكنها لاتحرم تجريد الناس من ملابسهم، والتشفي فيهم وإذلالهم!! وبعد سنوات طويلة من عرض «إلي أستاذي مع حبي» أو to sir with love قدمت السينما الامريكية تنويعة مختلفة للفكرة، تحت اسم نادي الشعراء الموتي، لعب بطولته النجم الراحل روبين ويليامز، وكانت فكرة الفيلم تدور حول مدرس، ينتهج أسلوبا مختلفا في تعليم الطلبة فنون الشعر، وآداب اللغة، ولكن أسلوبه يثير أحقاد زملائه، ويثير في نفس الوقت حفيظة إدارة المدرسة، التي تلتزم بأسلوب صارم، مقيت، في التعامل مع الطلبة، دون مراعاة الفروق الفردية بينهم، وينتهي الموضوع باتهام المدرس المجتهد بتحريض أحد الطلبة علي التمرد علي إرادة أسرته، ومن ثم انتحاره، الأمر الذي يؤدي إلي طرد المدرس، ولكن تلاميذه يعترضون علي هذا الإجراء ويعلنون العصيان! العلاقة بين الأستاذ والتلميذ موضوع شديد الخصوبة، ومتطور ومتجدد، وقابل للتقديم في كل زمان، وفي كل بيئة، أما فيلم words and pictures للمخرج الأسترالي فريد تشيبيسي، فهو لايناقش فقط العلاقة بين الأستاذ وتلامذته، ولكنه يوسع الدائرة لتشمل موضوعات أشد جمالا وعمقا، وهي العلاقة بين الكلمة والصورة، بطولة الفيلم للبريطاني كليف أوين، والفرنسية جولييت بينوش، وتصنيف الفيلم كوميدي رومانسي، وهو يتمتع فعلا بروح مرحة رغم أن مخرجه تخطي السبعين، ولكن من قال إن العجائز لايتقنون فنون الرومانسية والمرح؟ إننا أمام أحد الأفلام الجميلة حقا، رغم أنه يبدو غاية في البساطة، والنعومة، ولكنه لايخلو من عمق بدون فذلكة ولا ادعاء،" جاك ماركوس " كليف أوين مدرس أدب انجليزي، يعشق البحث عن أصول الكلمات، ولا يكف عن تحدي الآخرين لمعرفة معني الكلمات التي يطرحا عليهم، لديه طاقة لاستفزاز الآخرين للمعرفة، ولكن رغم أنه مميز جدا في مادته، وأسلوبه في التدريس، إلا أنه علي المستوي الشخصي ، يعاني من عدة مشاكل أكثرها إيلاماً، كونه سكيرا، وهذا ما أدي إلي تدمير حياته الشخصية، وارتباك علاقته بابنه الوحيد، يؤمن مارك كما يناديه أصدقاؤه، بأن الكلمة هي أصل الكون، وأهم وسيلة اتصال بين البشر، ولكن حياته تتبدل عندما تأتي إلي المدرسة أستاذة في فنون الرسم، جولييت بينوش، تؤكد لطلابها أن مايقوله ماركوس محض هراء، لأن صورة واحدة يمكن أن تغني ، عن ألف كلمة! وهنا يبدأ صراعا بين الاثنين، هل الكلمة أشد تأثيرا، أم الصورة، ويتحول الصراع إلي تحد، وتنافس ، حيث يطلب أستاذ اللغة من مدرسة الرسم أن تعبر بريشتها أو ريشة أي من طلبتها، عن قصيدة شعر ، يمكن أن تستنتج من الأحداث أن علاقة حب لابد أن تنشأ بين مدرس اللغة الذي يؤمن بتأثير الكلمة ، ومدرسة الرسم التي تؤمن بأن الصورة سبقت الكلمة علي جدران الكهوف، واستنتاجك صحيح فعلا، ولكن العلاقة يشوبها الكثير من المد والجزر، والخلافات والمناغشات، حتي يتأكد كل منهما أن الكلمات والصور يكمل بعضها بعضا، ربما يكون لنجوم الفيلم دور كبير وأساسي في قيمته الفنية، كليف أوين ،ساحر إلي أقصي درجة، وخاصة أن أسلوبه في إلقاء الكلمات واستفزاز الآخرين بما يملك من معرفة، يغلفه خفة الدم والسخرية اللاذعة، ولكنه ينكسر أمام جفاء ابنه الوحيد، وينكسر عندما يواجه محاولة الإدارة التخلص منه، إنه يتمتع بحالة من الثقة التي تصل إلي درجة الغرور، ولكنه لايظهر ضعفه إلا أمام المرأه التي أحبها، أما جولييت بينوش فملامح وجهها الجميل وابتسامتها الساخرة، رغم آلامها وعجزها أمام مرض الروماتويد ،فهي تقدم مزيجا من القوة والضعف، في امرأة واحدة قد أكد مخرج الفيلم أنها كانت تقوم بالرسم بنفسها، لأنها تتمتع بتلك الموهبة، ولذلك لم يضطر للاستعانة، برسام حقيقي، لتقديم اللوحات، أو لتدريبها علي استخدام أدوات الرسم! للأسف السينما المصرية، لا تقدم قصص الحب إلا بين المراهقين والشباب، ويندر جدا أن نشاهد أفلاما رومانسية حول رجل وامرأة في مرحلة منتصف العمر، ولكن السينما العالمية كثيرا ما تفعلها، كلمات وصور واحد من تلك الأفلام الرومانسية، التي يصعب أن تسقط من ذاكرتك!