جدعون ليفي الصحفي والمعلق السياسي الأشهر بجريدة ها آرتس.. الاسم الأكثر كرها في إسرائيل.. العدو الأول لليمين المتطرف والمتدينين بصفة خاصة ولمعظم صانعي القرار السياسي في تل أبيب.. ولم لا وهو أحد أهم الأصوات الإسرائيلية التي تطالب منذ عقود بإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وحدود معروفة، فضلا عن منح الحق لكل فلسطيني داخل الدولة العبرية أو خارجها في الحياة والحرية والاختيار. يتخذ جدعون ليفي من مقالاته النارية بصحيفة هاآرتس منصة للهجوم علي سياسة الاستيطان والاحتلال الإسرائيلي.. يطالب قادة الدولة العبرية. بإيقاف بناء المستوطنات وأن يجدوا دواء شافيا لسياسة وثقافة العنصرية والتطرف التي تسيطر علي عقولهم وتهدد بزوال إسرائيل من علي وجه الأرض. هذه المرة جاءت انتقادات ليفي اللاذعة للدولة العبرية بعيدا عن ها آرتس وبالتحديد في كتابه »عقاب غزة« والذي يفضح فيه الحرب الإسرائيلية الأخيرة ضد سكان القطاع المحاصر، حيث يعلن ليفي في كتابه بوضوح أن تلك الحرب لم تكن عقابا لأهالي غزة أو حماس وإنما مثلت وصمة عار وعقابا لإسرائيل كلها. وفيما يعتبر الرجل المثير للجدل حسب معظم الساسة العبريين الأكثر كراهية داخل إسرائيل بوجه عام فإن البعض الآخر يعتبر مايقوم به في ظل والسياسات الإسرائيلية المعلنة وغير المعلنة والثابتة والتي لاخلاف عليها تجاه المستوطنات والسلام مع العرب والفلسطينيين.. وغير ذلك من قضايا شائكة.. بطولة يحسد عليها! أما هو فيواصل مقالاته وكتبه.. وهو أحد مسئولي صحيفة ها آرتس الإسرائيلية واسعة الانتشار والتأثير سواء بين أوساط اليهود داخلها أو خارجها أو عند بعض أوساط الفلسطينيين ذاتهم خاصة بين عرب إسرائيل. ومنذ أكثر من خمس وعشرين سنة يكتب جدعون ومعناها في العبرية »الحطاب« حول ما يجري داخل غزة والأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية.. ويقول كلمته ويرحل.. ورغم ولادته في تل أبيب إلا أنه يري أن حدود الدولة لابد أن ترسم وأن يأخذ كل طرف ماله : اليهود والفلسطينيون. ولموافقة تلك .. ظل ومازال ملاحقا من أجهزة الأمن الإسرائيلية ذاتها بل إنه يتلقي تهديدات بالقتل أو التعرض لأذي بين حين وآخر لمواقفه المعلنة داخل وخارج إسرائيل.. ويرد باستمرار أن مهمته ومهنته كصحفي تحتم عليه أن ينقل مايحدث وبوضوح وبدون دعاية.. وهو ما يجعل الكثيرين يطالبونه بأن يصمت ولا يتكلم. عقاب غزة وهذه الأيام.. يستعد جدعون ليفي لإصدار كتابه الجديد »عقاب غزة« حول الحرب الإسرائيلية الأخيرة في قطاع غزة والتي أسموها: (عملية الرصاص المصبوب) وهي الحرب التي يري أنها لم تكن ردعا للفلسطينيين في القطاع بقدر ما كانت عقابا لإسرائيل كلها وعارا لها وعلي صورتها في العالم. وجدعون اليهودي الذي ينحدر من أصول أوروبية شرقية يري أنه طوال عمره 57 عاما يكرس جهده كله من أجل توعية كل من الفلسطينيين واليهود معا.. بأن مايحدث لهم هو عملية غسيل مستمرة للمخ استمرت منذ الطفولة وحتي الآن. فقد علمونا وعلموهم.. بأننا نحن الإسرائيليين دائما الضحايا.. وهم المذنبون أو الإرهابيون وأن الفلسطينيين ولدوا ليقتلوا بالفطرة وأن كراهيتهم للجنس اليهودي لا حدود لها.. وبأننا نحن اليهود يجب أن ندرك ونتأكد دائما بأن الفلسطينيين ليسوا بشرا مثلنا! وخلال مقالاته.. يقترب ليفي أكثر من الضحايا الفلسطينيين وليس الإسرائيليين .. يذكر في إحداها أنه شاهد وسمع عن عائلة في خان يونس كانت تقيم مأدبة غذاء لأحد أفرادها الذي كان قادما من السعودية بعد مهمة عمل هناك.. وفجأة والكل جالس.. سمع دوي قنبلة بالخارج ثم الداخل والباقي معلوم بالطبع. تساؤلات حرجة ويتساءل جدعون.. ماشعور أي يهودي إذا حدث له ذلك أو إذا تعرض له أناس جاءوا ليقذفوه بالقنابل أو يقتادوه للحبس.. أو إذا تعرضت أم يهودية مسنة وهي داخل عربة إسعاف ذاهبة للعلاج في أحد المستشفيات للاعتراض عند إحدي نقاط التفتيش ربما لساعات ولامجيب لاستغاثتها وحالتها الصحية الحرجة.. هذا مايحدث للفلسطينيين عادة! ويتساءل كذلك .. كيف يغسلون أمخاخنا بهذا القدر من السذاجة ويذكر هنا في حديث له في صحيفة الإندبندنت البريطانية.. أنه خلال حرب غزة الأخيرة.. كان سقوط صاروخ علي إحدي المستعمرات اليهودية حدثا كبيرا.. وكان العنوان في الصفحة الأولي سقوط كلب بصاروخ قسام أطلقته قوات حماس.. وفي الداخل خبر صغير عن سقوط العشرات من الفلسطينيين نتيجة للقصف الإسرائيلي المتواصل علي غزة. ولكن .. هل كان جدعون علي مواقفه هذه منذ نشأته الأولي؟ ليفي يؤكد .. أنه كان إسرائيليا ويهوديا مثل كل إسرائيلي ويهودي يعيش وعاش داخل إسرائيل.. ولكنه غير آراءه بعد حرب الأيام الستة في العام 1967.. فقد صحبه أبوه للأراضي المحررة كما قال له ولم ير وقتها أي فلسطيني هناك ومع مرور الوقت بدأ يري معاناتهم هناك وكيف يتم اقتلاعهم من أراضيهم وجذورهم مثلما تقلع أشجار الزيتون تماما. ومع مرور الوقت اكتشف أن حياته وحياة أسرته في الأراضي الموعودة.. كانت علي أنقاض شعب وأناس آخرين.. وأن منزله الخاص كان علي أنقاض أراضيهم المسلوبة التي أخذت منهم بالقوة وبعد التهديد بالقتل حتي رحلوا عنها لاجئين حتي الآن. ليفي يقول.. نعم أنا نتاج هذه الأمة ولكني رفضتها منذ زمن طويل.. وهو ما أدي بي للتعرض للعديد من المضايقات بعد أن أطلق الجيش عليّ النار أكثر من مرة وهددني جنوده بالتعليق علي عمود كهرباء! بل وطالب أعضاء في الحكومة بمعاقبتي أكثر من مرة وبمراقبة أفعالي.. ليس لشيء إلا أنني أسافر بصورة دورية للأراضي الفلسطينية وأعود لأنقل مايحدث فيها. في مقالاتي في هاآرتس أسبوعيا.. وهي التي تحدثت فيها أكثر من مرة عن قتل الأطفال وفظائع حرب غزة وعار المستوطنين. ويذهب ليفي بعيدا.. بقوله بأن ماتقوم به إسرائيل حاليا هو نفسه ماتدعي أن ألمانيا النازية قامت به ضد اليهود.. فهي تعمل علي تجريد الفلسطيني من إنسانيته وتقوم بعمليات تطهير ضده في أي فرصة تسنح لها.. منذ حرب 1948 وحتي هذه اللحظة. ومع ذلك.. تروج لأسطورة الديمقراطية التي لايصدقها إلا هي.. ويقول: هناك الآن في إسرائيل 3 شعوب.. يهود إسرائيليون لهم كل الحقوق والحريات وعرب إسرائيليون لايحصلون علي حقوقهم ويتعرضون لعميات تمييز عنصري متعمد ثم فلسطينيون يعيشون داخل الأراضي المحتلة ولايتمعتون بأدني حقوق.. لأي إنسان. ورغم ذلك.. فنحن لنا الحق في قتل أي فلسطيني ولايحق لهم ذلك.. ونلومهم علي إطلاق الصواريخ رغم أنها تطلق بعد كل عملية اغتيال يقوم بها الجيش الإسرائيلي! هجوم علي شعب أعزل ويقول: عملية غزة لم تكن عملية رصاص مصبوب فقط بل كانت هجوما شرسا علي شعب أعزل ومسجون.. تماما مثل مباراة للملاكمة بين مايك تايسون بطل العالم وطفل أعزل عمره 5 سنوات ليس إلا؟ ويؤكد أن أصدقاء إسرائيل لابد أن يوضحوا لهم أن الصديق المخلص للمدمن لايقوم بدفع فاتورة إدمانه بل بنقله لمركز العلاج.. وأن الطفل الذي شاهد بيته وهو يقصف وموت والده لن يغفر ولن يسامح.