يري الدكتور وحيد عبدالمجيد، أن اللاعب الأساسي في انتخابات مجلس النواب المقبلة هم المستقلون وليس الأحزاب، وأن تمثيل الأحزاب في هذا المجلس لا يزيد علي 40%، مشيراً إلي أن البرلمان المقبل سيكون عبئا علي عملية إعادة بناء الدولة والمجتمع خلال الفترة المقبلة. "آخرساعة"، التقت بالدكتور وحيد عبدالمجيد لتستعرض معه في نظرة متعمقة الأحداث السياسية المتلاحقة، كاشفاً عن توقعاته باستبعاد مسألة المصالحة مع الإخوان في الوقت الحالي، معتبراً أن الحوار مع الجماعة يحتاج لمقومات ليست متوفرة لديها الآن. كيف تقرأ المشهد السياسي الحالي؟ - المشهد ما زال مختلطاً وآفاقه لاتزال فيها الكثير من الغموض، فحتي الآن لا توجد رؤية متكاملة للسنوات المقبلة، ومازالت السياسات التي تتبعها الحكومة تقوم بالتعامل مع المشاكل بالقطعة بدون رؤية توضح كيفية التعامل مع هذه المشاكل وتهدف لمنع حدوث مشاكل جديدة، ولوقف التدهور الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي علي كل المستويات، فهناك خطوات اتخذت لكنها لاتزال بطريقة رد الفعل الذي يفتقد لمنظومة متكاملة للتعامل مع القضايا التي نتصدي لها. وكيف تري استعدادات الأحزاب للانتخابات البرلمانية المقبلة؟ - هناك أحزاب وحركات عديدة تسعي لبناء تحالفات لكن حتي الآن لا توجد مثل هذه التحالفات، فهناك عدة مشاريع لكنها في طور التشكيل وستستمر هذه الحركة بدون الوصول لصيغة نهائية للتحالفات إلي أن يصدر قانون تقسيم الدوائر الانتخابية، ووقتها يبدأ حديث التحالفات، وأعتقد أنه لن تكون هناك تحالفات كبيرة تضم أعداداً كبيرة من الأحزاب، لأن النظام الانتخابي لا يسمح ببناء تحالفات كبيرة، فحالة الأحزاب والقوي السياسية لا تسمح بهذا، وثقافة الائتلاف والعمل المشترك ضعيفة وهشة في الحياة السياسية المصرية، ويتم تغليب المصالح الخاصة في الحياة السياسية تماماً كما هو غالب في كل جانب من جوانب الحياة في مصر. وماذا عن إعلان تشكيل عمرو موسي لتحالف الأمة المصرية؟ - هذا مجرد مشروع وهو ليس الأول من نوعه لعمرو موسي، وأعتقد أنه لن يستمر طويلاً، فالمشاريع التي بدأها عمرو موسي كلها لم تكتمل، وسينطبق علي هذا المشروع ما انطبق علي غيره. وإلي أي مدي سيستمر هذا الارتباك الذي تعاني منه التحالفات السياسية؟ - هذا الارتباك سيظل مستمراً إلي أن يصدر قانون تقسيم الدوائر الانتخابية وتقترب الانتخابات من الانعقاد، فمعظم الأحزاب التي تشارك في لقاءات واجتماعات تستنكف الموقف والصيغة التي تتيح لكل منها الحصول علي أكبر عدد من المقاعد فهذه مرحلة استكشاف واقتراب من الواقع، ومجرد اختبار للكيمياء السياسية بين الأحزاب وبين قياداتها والأطراف السياسية المختلفة، وكل هذا سيظل في حركة دائرية لا تتقدم للأمام حتي يتم تشكيل تحالفات قبل الانتخابات. هل الانتخابات المقبلة فرصة للتوافق أم خطوة نحو صراع سياسي جديد؟ - أتوقع ألا يكون هناك وزن كبير للأحزاب في هذه الانتخابات، فسيتصدرها ويسودها الأقوياء أصحاب القوة والأشخاص المستقلون الذين يملكون مصادر مختلفة من القوة سواء قوة المال أو العصبية أو النفوذ السياسي أو النفوذ المحلي أو قوة العائلات أو العشيرة وهذه الانتخابات اللاعب الأساسي فيها ليس الأحزاب وإنما الشخصيات التي تمتلك عناصر القوة الأساسية في المجتمع، وبالتالي أتوقع ألا يزيد تمثيل الأحزاب في هذا البرلمان علي 30 إلي40% من المقاعد، والباقي لأشخاص يعتمدون علي قوتهم الشخصية (المستقلين). البعض متخوف من احتمالات عودة فلول الوطني للسيطرة علي البرلمان؟ - المسألة ليست في عودة الحزب الوطني أو غيره لكن المشكلة الأساسية هي أن يكون هذا البرلمان كما قلت لأصحاب المصالح الخاصة سواء من كان منهم في الحزب الوطني أو لم يكن. هل من الممكن أن تعود جبهة الإنقاذ مرة أخري كجبهة معارضة؟ - جبهة الإنقاذ انتهت ولم يعد لها وجود فعلي بعد 30 يونيو مباشرة وتبخرت تدريجياً في الشهور التالية للثورة، ولم يعد ممكناً أن تعود مرة أخري. وهل يمكن للبرلمان المقبل أن يؤدي دوره المنوط به وفقاً للدستور؟ - الرئيس السيسي وحده هو الذي يحكم البلاد من خلال الحكومة، وسيستمر ذلك حتي بعد اختيار البرلمان، ولن يكون للبرلمان دور في حكم البلاد، وكما قلت فالجزء الأكبر من أعضائه سينشغل بمصالحه الخاصة وليس بحكم البلاد. وكيف يتسني لرئيس العمل دون حزب أو ظهير سياسي يسانده ويدعمه؟ - النظام شبه الرئاسي يتيح للرئيس سلطات هائلة، فالدستور المصري ينص علي امتلاك الرئيس لسلطات واسعة تتيح له أن يحكم ولا يحتاج لأي ظهير سياسي فاحتياجه إلي هذا الظهير يكون في النظام شبه البرلماني، أما النظام الرئاسي وشبه الرئاسي فلديه من الصلاحيات والسلطات ما يتيح له أن يحكم، وعندما يكون البرلمان ضعيفا بالشكل المتوقع فسلطته تكون أكبر وأقوي لأنه لا يكون هناك برلمان قوي يشاركه في إدارة شئون البلاد. لكن الدستور الجديد ينص علي أن البرلمان يشكل الحكومة؟ - يكون له دور في تشكيل الحكومة عندما يكون هناك أغلبية لحزب أو الائتلاف معين ويكون هذا الحزب أو الائتلاف مختلفا مع الرئيس، لكن هذا البرلمان لن يكون فيه أغلبية لأحد ولن يكون فيه إلا القليل من السياسيين، وبالتالي، فإن أي حكومة يشكلها الرئيس سيوافق عليها البرلمان كما كان الأمر من قبل. كنت قريباً من جماعة الإخوان وتحالفت معهم في أول انتخابات برلمانية عقب ثورة 25 يناير، برأيك ما الذي أوصلهم لهذه النهاية المؤلمة؟ - أعرف الإخوان جيداً منذ عقود، وأعرفهم منذ دراستنا بالمرحلة الجامعية وتجمعني علاقات مع بعض قياداتهم مثل عصام العريان وعبدالمنعم أبوالفتوح، وحلمي الجزار، وآخرين، وطوال فترة مبارك كنا معاً في موقع المعارضة، وعندما كنت في شباب حزب الوفد وأثناء تحالف الوفد مع الإخوان خضت معهم الانتخابات البرلمانية عام 1984 فكنا نتعاون مع قيادات الإخوان بهدف دمجهم في الحياة السياسية علي أساس أنه كلما اندمجوا في الحياة السياسية وتفاعلوا مع القوي المختلفة فإنه يمكن في هذه الحالة إخراجهم من انغلاقهم وتشددهم وانفتاحهم علي الحياة السياسية والمجتمع، لكن تبين لنا في النهاية أن القيادات التي كنا نتعامل معها ليسوا ممن يتخذون القرار النهائي في الجماعة، وأن الذين تصدروا المشهد السياسي وتعاملت معهم الأحزاب والقوي السياسية المعارضة طوال فترة حكم مبارك ليس لهم وزن يتيح توجيه الأمور داخل الجماعة لأن هذه الشخصيات التي لم نرها ولم نتعامل معها أمثال محمود عزت ومحمود حسين وخيرت الشاطر ومحمد بديع هي التي تحكم قبضتها علي الجماعة. وأنا أؤكد لك أن الإخوان حاولوا سرقة ثورة 25 يناير والاستئثار بها واستخدموها كوسيلة للوصول للسلطة ثم تخلصوا منها عندما وصلوا للحكم ودخل محمد مرسي القصر، وأتذكر أن محمد مرسي عقد اجتماعاً مع القوي السياسية وأكد أن فترته ستشهد شراكة وطنية ورؤية مشتركة يتم العمل عليها من خلال تشكيل حكومة تعبر عن القوي الوطنية والديمقراطية والتفاهم علي من سيرأس هذه الحكومة، لكن ما أن بدأوا في ممارسة السلطة حتي تبين لنا أنهم يريدون الانفراد بإدارة الحكم دون مشاركة أي قوي معهم، وأنهم استخدموا الثورة والقوي الوطنية والديمقراطية التي عملت علي دمجهم في الحياة السياسية كسلم للصعود إلي السلطة ثم التخلص منهم. ماذا عن مستقبل جماعة الإخوان خلال المرحلة المقبلة؟ - قيادات الجماعة اختارت طريق الصدام والعنف علي مدي عام كامل ويتوقف مستقبلها علي خياراتها التي تراهن علي صعوبة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتي من وجهة نظرها ستؤدي إلي ازدياد الفجوة بين السلطة والشعب تدريجيا كما تراهن علي نسيان الشعب ما فعلوه معهم خلال وجودهم في السلطة وبالتالي تستطيع أن تعود للمشهد مرة أخري في إطار حراك جماهيري تراهن علي حدوثه خلال المرحلة المقبلة، فهي تنتظر حتي تحدث مشاكل في المجتمع وتحاول أن تنفذ من خلال هذه المشاكل مرة أخري، وهناك خيار آخر وهو الأفضل والأسلم لها من وجهة نظري وهو أن تقوم بمراجعة فكرها وطبيعة تنظيمها وتجري عمليات مراجعات شاملة لكي تعيد تقديم الإخوان للمجتمع بطريقة جديدة مختلفة عن الطريقة السابقة التي رفضها الجزء الأكبر من الجمهور، لكن حتي الآن ليس هناك ما يدل علي استعداد جماعة الإخوان لإجراء أي مراجعة جدية أو حقيقية وهناك إصرار علي الاستمرار في الطريق الذي مضوا فيه خلال العام الماضي مراهنين علي حدوث تغيير في المجتمع يؤدي لعودتهم مرة أخري للشارع. وما رأيك في مسألة المصالحة مع الإخوان المسلمين؟ - لا أعتقد أن هناك أي مبادرات مطروحة الآن، فالمطروح عبارة عن اجتهادات فردية من بعض الأشخاص لكن الحديث عن مصالحة أول حل سياسي مع الإخوان يفترض وجود مقومات له، وأهم هذه المقومات ما تحدثت عنه بالنسبة لمستقبل الجماعة وهو استعداد قيادات الجماعة لمراجعات جذرية فكرية ، فبدون هذه الخطوة لا يمكن أن تتوافر أي مقومات لحل سياسي أو حوار يقود لحل سياسي. إذن أنت تري أنه لا فرصة للمصالحة مع الإخوان الآن؟ - في الفترة الحالية لا تتوافر أي مقومات للحل أو المصالحة. وبم تفسر عدم القبض علي القيادي محمدعلي بشر الذي يراه البعض ممثل مفاوضات المصالحة؟ - أنا ضد القبض علي أي شخص لمجرد انتمائه لتيار أو لجماعة فمسألة التوسع في احتجاز واعتقال الأشخاص لا يمكن أن تساعد في بناء دولة القانون، فمن يثبت ارتكابه جريمة يتم القبض عليه لكن لا يجوز الاقتراب منه ما لم تتوافر أدلة علي ارتكابه لجرائم. كيف تري التطورات الأخيرة والمتلاحقة في ملف سد النهضة؟ - أزمة سد النهضة صعبة ومعقدة وافتراض وجود حلول سهلة ليس له أساس، فهذه الأزمة منها جانب فني خاص بموضوع السد وجانب سياسي مرتبط بالعلاقة مع أثيوبيا، وهذه العلاقة تدهورت تدهورا شديدا خلال عهد مبارك وبالتالي فتحسين الجانب السياسي في العلاقة يساعد علي التعامل مع الجانب الفني، أيضاً هناك بعد أوسع يتعلق بسياسة مصر الأفريقية علي وجه العموم فقد ابتعدنا عن أفريقيا بعد أن كنا قبلتها الأساسية ومن هنا خسرنا خسائر فاضحة، لذلك نحتاج سياسة واضحة ومتكاملة تجاه أفريقيا بالإضافة لسياسة تحسين العلاقة مع أثيوبيا وإعادة بناء الثقة وتوفير مناخ أفضل للتعامل مع الجانب الفني الذي يحتاج لأفكار جديدة مبتكرة للتعامل مع الواقع ومع المرحلة التي وصل فيها بناء السد في إطار تطور العلاقه السياسية، فكلما حدث تقدم في العلاقة السياسية وجدت ثقة تساعد علي التعامل مع المشاكل الفنية المعقدة، وعلي الخبراء وضع تصور متكامل لبدائل متعددة من الناحية الفنية للتعامل مع هذا الملف.