«إبليس يخجل أن يعري بائسا لكن تعريه النخب.. إبليس يبكي من دموع يتيمة لكن ذلك متعة عند النخب.. إبليس صفده الصيام وقل أعوذ، يخر مكسور الركب.. الشعب أنجز ثورة.. ضحكت من الشعب النخب.. إبليس أدرك عجزه وجمع الحقائب وانسحب لكن علي (جواله) لم ينس أرقام النخب.. فلربما يحتاجهم.. هي رنة تكفي لتنجده أبالسة النخب» هذه القصيدة للشاعر الدوزي المرزوقي «جمال الصليعي» أشهر شعراء مدينة «دوز» التونسية والتي يهجو فيها النخبة في بلاده معتبرا أنها لم تكن عند مستوي المرحلة التي هيأها الشعب بثورته. فإبليس سكن قلوب وضمائر الحكام لكنه لم يستطع أن يسكن قلب هذه البلاد وهذه القصيدة كانت الأقرب لوصف مدينته بحكم أنه أحد أبنائها التي تضم الكثير من المعالم السياحية وأفرزت العديد من الشعراء والسياسيين، وتعدأيضا مسقط رأس الرئيس التونسي منصف المرزوقي. من خلال جولتنا في المدينة التقينا بالفنان المسرحي والنحات صالح الصويعي المرزوقي الذي اصطحب «آخر ساعة» في جولة داخل المدينة وكان له دور بارز في تجديد معالم المدينة من خلال صناعة ونحت بعض النماذج الفنية مثل "مفتاح الصحراء" و«الجرة» و«نصب الشهداء» والتي يقول عنها: في فترة التسعينيات تحمست جدا لمجموعة من الأفكار الفنية التي تزين مدينة «دوز» خاصة بعد الطفرة الصناعية والزراعية التي شهدتها البلاد، ففي عام 2000 توصلت لإنجاز "نصب الشهداء" ليخلد ذكري الشهداء في حروب عدة شهدتها البلاد منذ عام 1944، وتحديدا في منطقة " البرج " بعد محاولة المستعمر الفرنسي في أعقاب الحرب العالمية الأولي أن يستولي علي منطقة البرج، لكن تصدي لها أهلها وهزموهم في حادث البرج الشهير في 28 مايو 1944 وراح ضحيته العديد من الشهداء فداء للوطن وللنساء والأطفال الذين احتجزوهم خلف أسوار البرج كرهائن وقام المستعمر بإعدام البعض منهم في تلك المعركة أمام أعين ذويهم كما هو مدون في لوحة الشرف التي تتصدر سور البرج . وفي عام 2002 أتممت «الجرة» انطلاقا من تسمية بلدية «القلعة» بأم الفخار وتصنيعها تكريما لليد الصانعة للفخار ودعوة إلي دراسة الفخاريات كما أنها رمز للثورة، أما المفتاح فهو دعوة إلي محبة الصحراء ومن لايحب الصحراء يضيع في قلب رمالها فإذا أحبها أعطته مفتاحها. أما فيما يخص المدينة فيروي لنا تاريخ وحضارة بلدة أشبه بتاريخ وعادات وتقاليد الحضارة المصرية لدرجة أنهم يشبهونها بصعيد مصر فهي تعد متحفا صحراويا فريدا لمحافظتها علي العادات والتقاليد الصحراوية الراسخة منذ القدم وتشتهر باتقان أغلب سكانها لفن الشعر الشعبي. يقول العم صالح المرزوقي: «دوز» هي إحدي مدن ولاية قبلي بالجنوب التونسي وإلي وقت قريب كانت «دوز» تعرف باسم المرازيق لأن أغلب سكانها ينحدرون من قبيلة المرازيق العربية. وكانت «دوز» في العهد العثماني استراحة أساسية لحجيج المغرب والجزائر وبها زاويتا الغوث والمحجوب وتنتشر بها المدارس القرآنية. ينحدر سكان «دوز» من قبيلة بني سليم التي وصلت بلاد إفريقية مع زحف بني هلال، ويرجح المؤرخون أن السكان الأصليين لهذه المنطقة من بلاد نفزاوة. وورد في كتاب " ثورة المرازيق " الذي ألفه محمد المرزوقي بالاشتراك مع المرحوم علي المرزوقي ضمن سلسلة "أبطال ومعارك" إن مدينة " دوز " أصلها روماني وعندما دخلها العرب حافظوا علي اسمها لانها تجمع بين شيئين أساسيين وهما الصحراء والواحات، إذ تقع مدينة دوز علي تخوم الصحراء الكبري ليس مرعي لإبلهم وأغنامهم فقط، بل نمط حياة أما في الواحات فيجدون المكان لزراعة النخيل الذي هو من فلاحة العرب الشهيرة. ويتبين مع مرور الزمن أن عائلات وقبائل أخري كثيرة استقرت في المنطقة مع المرازيق استئناسا بهم لأنهم كانوا معروفين بالمسالمة وحسن المعشر وكانوا أصحاب علم وليسوا أصحاب حروب أو غارات. ويتابع صالح: المرازيق احتفظوا بأخلاقهم الأصلية مثل الشجاعة والكرم وسرعة الغضب وسرعة الرضا وحب القصص والشعر وألوان الأدب، وعلي ذكر حبهم للشعر أن هذه القبيلة قد نبغ فيها كثير من الشعراء الفحول الذين عرفوا بالبلاغة وحسن الصياغة والحكمة وجزالة اللفظ والمعني"، كما أن لهجة المرازيق من اللهجات القريبة من الفصحي. وفي عام 2000 بدأت «دوز» بالاهتمام بتخزين التمور وتصديرها بعد أن عاد أبناء البلدة مرة أخري إثر محاولة لطرد جميع أبناء الواحات التونسية من الأراضي الليبية فزرعوا النخيل وعمروا الصحراء، وجاءت الثورة التي كانت انتفاضة جماعية في كل قرية وقد استشهد اثنان من بلدية دوز وهم الأستاذ الجامعي حاتم بالطاهر ورياض بن عون وهما لا ينتميان لأي تيار وتحتفل البلدية بيوم 9 أبريل من كل عام بيوم الشهيد وهو إجازة رسمية في كل المصالح الحكومية. وفيما يخص الناحية التعليمية يقول: أول مدرسة تأسست عام 1928 وظلت مدرسة للتعليم الابتدائي حتي عام 70 ولكن تطورت مراحل التعليم وأصبح بها 8 مدارس ثانوي واعدادي . وتتميز «دوز» بمجموعة من المهرجانات الفنية والثقافية ولكن يظل مهرجانها السنوي "المهرجان الدولي للصحراء بدوز" هو أشهر المهرجانات والذي تعود جذوره الأولي إلي أواخر القرن التاسع عشر عندما كان مجرد تظاهرة للاحتفال بتربية الإبل ويسمي بعيد الجمل وتم تطويره في 1967 عند زيارة الزعيم بورقيبة وسمي بمهرجان الصحراء إلي أن تمت تسميته بالمهرجان الدولي للصحراء الذي يستضيف مئات الضيوف من أفريقيا وآسيا وأوروبا من بينهم عدد من المشاهير والشخصيات العالمية المفتونة بسحر الصحراء. ويتجمع سنويا في ساحة حنيش التي تتجاوز مساحتها 15 هكتارا نحو 100 ألف متفرج من جنسيات مختلفة للاستمتاع بمشاهد من البيئة مثل سباق المهاري والصيد " بالكلاب السلوقي" وسباقات التحمل للخيول وعادات القبائل الصحراوية واحتفالات البدو الرحل وهذا المهرجان حافظ علي خصائص ومميزات المرازيق وأثري أبعادها ومضامينها وساهم في تطوير السياحة الصحراوية. كما يوجد أيضا الاحتفال ب "زردة الغوث والمحجوب"، وهو عبارة عن يوم كامل من الاحتفالات والألعاب، وأناشيد صوفية، وعروض في الفروسية والمهارة.. ويتم الاحتفال به أول يوم أحد بعد انتهاء دورة مهرجان الصحراء الدولي. وأيضا مهرجان ربيع دوز الذي انتظم في النصف الثاني من شهر مارس سنة 2001 وملتقي محمد المرزوقي وهو عبارة عن مطارحات شعرية وندوات ثقافية في النصف الثاني من شهر أبريل و اليوم الوطني للسياحة الصحراوية في الثاني عشر من شهر نوفمبر من كل عام ، ومهرجان دوز الوطني للفن الرابع خلال شهر أبريل الذي يهتم بفن المسرح واستضافة عدد كبير من الفرق المسرحية من كافة الدول العربية للمشاركة في هذا المهرجان . ونظرا لمناظرها الطبيعية وكثبانها الرملية الذهبية وخصائصها الحضارية والتراثية اصبحت قبلة لنجوم الفن السابع لتصوير أهم وأشهر أعمالهم الفنية مثل "حرب النجوم" و"المريض الإنجليزي" و "العيش في الجنة" و"الوليمة" "السماء تحت الصحراء" و"ممكن" وغيرها من الأعمال الفنية الهامة العربية والأجنبية .