في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تشهدها البلاد راهنا، يعاني قطاع عريض من المواطنين من ارتفاع الأسعار وعدم توافر السلع الأساسية، ومع انطلاق موسم الحصاد الزراعي، تنامت تخوفات الكثير من الأسر المصرية من عدم قدرتهم علي توفير عناصر الغذاء الأساسية علي الموائد والتي لاتخلو غالبا من «رغيف عيش» وطبق أرز، لكن المسئولين أكدوا عدم وجودمشكلات تخص القمح، بينما حذروا من تعرض كميات كبيرة من محصول الأرز للتلف.. التفاصيل في السياق. يعتبر شهر مايو من أكثر الأشهر ذروة لدي المزارعين، لأنه موعد حصاد القمح الذي من المتوقع أن يصل إنتاجه هذا العام إلي 9 ملايين و100 ألف طن، وتشهد محافظات الدلتا والصعيد حالة من الاستعدادات وسط مخاوف من نقص السولار وقلة الأسمدة وحدوث أزمة في توريده إلي الحكومة ووجود مافيا تريد الحد من كميات القمح المحلي والاعتماد علي الاستيراد بصفة أساسية. لم تعرف مصر استيراد القمح إلا في نهاية ستينيات القرن الماضي مع نهاية عصر الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر حيث تم استيراد نحو عشرة آلاف طن، ثم أخذ الأمر في التزايد إلي أن وصل حجم الاستيراد إلي سبعة ملايين طن، لكن بعد ثورة 25 يناير 2011 شهدنا نوعاً من التطور في إنتاج القمح من خلال تشجيع الفلاحين علي زراعته والتوجه نحو تقليل الاعتماد علي الاستيراد وجعله في أضيق الحدود. ووفقاً للهيئة العامة للرقابة علي الصادرات والواردات، فإن واردات البلاد من القمح بلغت علي مدار 2012-2013 نحو 6.6 مليون طن مقارنة بنحو 10 ملايين طن في 2010-2011 أي أن واردات مصر من القمح انخفضت في عام 2012-2013 بنسبة 34%. ويتوقع المسئولون أن يصل إنتاج هذا العام إلي 9 ملايين و100 ألف طن قمح، لكن المزارعين يرون أنه كان من المفترض أن يكون الإنتاج أكبر من ذلك لولا المحاصيل التي أفسدتها الأمطار خلال فصل الشتاء، ولولا نقص الأسمدة التي تهدد موسم الحصاد، وأكبر مثال علي ذلك أراضي قري بنجر السكر غرب محافظة الإسكندرية التي تضم 35 قرية بإجمالي 80 ألف فدان، وتبلغ المساحة المخصصة لزراعة القمح بها ثلثي المساحة الإجمالية، وتنتج نحو 350 إلي 450 ألف طن قمح سنوياً، أي حوالي 20% من إنتاج القمح علي مستوي الجمهورية، تعاني هذا العام من تراجع في الإنتاج بعد تخفيض حصة السماد التي يحصل عليها الفلاح إلي 4 شكائر نترات أو يوريا بدلاً من 8 شكائر، ومن المتوقع أن يستمر قلة إنتاجها العام المقبل إذا لم توفر الجمعيات الزراعية السماد المطلوب للمزارعين. هذا بجانب نقص السولار، وارتفاع أسعاره بصورة مبالغ فيها، فقد وصل سعر الصفيحة «20 لترا» إلي أكثر من 40 جنيهاً، وقال فتحي إبراهيم أحد المزارعين من محافظة الشرقية «أسعار السولار ارتفعت بشكل كبير في السوق السوداء، ويعاني الفلاحون من عدم توافره بمحطات البنزين ما يجعلنا ننتظر كل يوم أكثر من 8 ساعات، وإذا تمكنا من الحصول عليه بالسعر الرسمي 110 قروش للتر، فإن أصحاب المحطات يفرضون علي الفلاح «جركن زيت» علي كل 50 لتر سولار، ويقللون وزن الصفيحة إلي 18 لترا بدلا من 20 لترا». يأتي بعد طابور السولار طابور أطول أمام الشون الحكومية التي يسلم فيها المزارعون إنتاجهم، التي تسعي الحكومة الآن إلي استبدالها بالصوامع، وكان وزير التموين والتجارة الداخلية السابق الدكتور محمد أبو شادي أعلن عن وضع استراتيجية لبناء 95 صومعة خلال عام ونصف تتيح سعة تخزينية حوالي 5 ملايين ونصف للحفاظ علي القمح، حيث تم طرح إنشاء 25 صومعة بسعة 30 ألف طن للواحدة وهي المرحلة الثانية من المشروع القومي لبناء 50 صومعة، بالإضافة إلي الاتفاق مع دولة الإمارات علي إنشاء 25 صومعة بسعة 60 ألف طن للواحدة، وتم الترخيص للقطاع الخاص ببناء 45 صومعة، وذلك بعد اكتشاف إهدار نحو 10% إلي 15% من إجمالي إنتاج القمح سنويا نتيجة سوء التخزين في شون ترابية وأسمنتية. وغير مسموح أن يتم ضياع «حفنة» قمح واحدة، التي بإمكانها أن تطعم أسرة كاملة، فيتم الاعتماد علي القمح بشكل رئيسي في رغيف العيش إذ نستهلك سنويا حوالي 15 مليون طن تتضمن 10 ملايين طن تستخدمها وزارة التموين لإنتاج الخبز المدعم والطباقي، والباقي يستهلكه القطاع الخاص من مصانع المكرونة والحلويات وغيرها. ورغم أن إنتاجنا من القمح يتراوح سنويا ما بين 9 ملايين إلي 9 ملايين ونصف طن، ما يتم توريده للحكومة يتراوح ما بين 3 ملايين إلي 3 ملايين ونصف طن قمح، وذلك بسبب البيروقراطية عند استلام القمح من المزارعين وصعوبة انتقاله من الأرض إلي الشون. وصرح عطية سالم، رئيس بنك التنمية والائتمان الزراعي، ل «آخر ساعة» أنه حتي الآن تم توريد حوالي 165 ألف طن قمح من المزارعين بتكلفة 550 مليون جنيه، وأن وزارة المالية وفرت لأجل موسم الحصاد اعتمادات تقدر ب10 مليارات جنيه إذ يتم توريد القمح علي دفعات، نافياً وجود أي أزمة في التوريد قائلاً: «العملية تسير بشكل منتظم.. وإنتاج القمح هذا العام مبشر بالخير، والمستهدف توريد أربعة ملايين و250 ألف طن من القمح، خصوصاً أن نوعيات التقاوي التي تم استخدامها هذا العام ترفع إنتاج الفدان الواحد من القمح إلي حوالي 25 ألف أردب». وأضاف رئيس بنك التنمية والائتمان الزراعي أن غرفة العمليات بالبنك ترصد أي مشكلة متعلقة بالمزارعين والتجار في عملية التوريد، ورصد الشكاوي المتعلقة بعمليتي الفرز والشون، ووجدنا أن جميع المزارعين يريدون صرف الكميات في نفس اليوم التي تورد فيه، مشيراً إلي أنهم طلبوا من وزارتي الزراعة والتموين أن تصدرا قرارا بحظر نقل القمح بين المحافظات حتي لا يتم تسريبه إلي مافيا السوق السوداء لعدم استخدام القمح كعلف للحيوانات. كانت وزارة الزراعة حددت سعر محصول القمح بمبلغ 420 جنيهاً للأردب الواحد، وهو المبلغ الذي يحصل عليه المزارع كاملاً من الجمعيات دون أي وسيط، إضافة إلي تشديد الرقابة لتوفير سبل التوريد للشون التابعة لبنك التنمية والائتمان الزراعي مباشرة. فيما أشاد الدكتور أحمد خورشيد، مستشار وزير التموين لشئون المخابز والمطاحن، بإنتاج القمح هذا العام، وقال ل «آخر ساعة» إن الدولة تؤمن بالفلاح وتساعده في زيادة الإنتاج، من خلال توفير أصناف ممتازة من التقاوي، وعندما تأخذ محصوله لابد من دعمه بالخدمات الزراعية، مشدداً علي عدم الاستهانة ب «لقمة عيش» واحدة لأنها تكلفنا مليار جنيه، ونريد عندما يصل القمح إلي المطاحن والمخابز أن ننتج رغيفا صالحا للمواطن، وهو مايتطلب تعديل منظومة الدعم؛ لأن المواطن يريد أن يحصل علي السلع بأقل أسعار دون مراعاة لسعره الأصلي، ولدينا محدودية في الأرض مقابل نسبة عالية من محدودي الدخل، متابعا: لابد أن يكون هناك حوار مجتمعي يوضح للمستهلك كيفية أن يحصل علي دعم حتي لا نترك مجالاً لتهريب القمح أو غيره من السلع إلي السوق السوداء. من جهة أخري، يشهد سوق الأرز أزمة كبيرة بسبب تدهور سعره وتخزينه بكميات كبيرة في الوقت الذي ترفض فيه الدولة تصديره إلي الخارج. وكشفت الغرفة التجارية في تقرير لها صدر مطلع الشهر الجاري أن عمليات التخزين الواسعة أدت إلي تراجع متوسط نصيب الفرد السنوي من الأرز من 56 كيلو جراما ليصل إلي 40 كيلو حالياً، وأن استهلاك مصر من الأرز يبلغ سنوياً نحو 2.5 مليون طن، بينما يقدر الإنتاج الفعلي بنحو 4.5 مليون طن أرز أبيض، مايعني أن هناك فائضاً سنوياً يمكن توجيهه للتصدير خاصة أن الأرز المصري من النوعيات ذات الجودة العالية والمطلوبة في أسواق أوروبا. رجب محمود شحاتة، رئيس لجنة الأرز بالغرفة التجارية قال ل «آخر ساعة» أن هناك مأساة كبيرة تنتظر مصر خصوصاً أنه من المتوقع وجود فائض هذا العام من الأرز يقدر بنحو 2 مليون طن، في الوقت الذي من الممكن تصديره إلي الخارج لتوفير العملة الصعبة والاستفادة من الإيرادات في خدمة البلد، لكن السيناريو المتوقع هو عندما يتم حصاد الموسم الجديد لن يشتري التجارالفائض من المحصول القديم، بدلا من تحوله إلي طعام للمواشي أو يتم تركه للتلف. وتابع شحاتة إن كلا من الفلاح والتاجر متضرر: فالأول يريد أن يزرع أراضي الدلتا والمجاورة للبحر بمحصول الأرز حتي يتخلص من نسبة الملوحة في المياه وفي نفس الوقت يريد بيع محصوله، والثاني لا يملك أماكن تستوعب تخزين كل الكميات، فهو يريد المكسب لا الاحتكار، مشيرا إلي وجود وعد من قبل وزير التموين الدكتور خالد حنفي بالاجتماع معه لمناقشة منظومة تصدير الأرز ووضعه في الصورة.