كان للمثقفين في مصر نصيب وافر في إرباك المشهد السياسي وتعقيده علي مدي السنوات الثلاث الماضية ، بينما وبنظرة سريعة علي المشهد الثقافي تجد حالة من الجفاف في الإبداع والفكر وقد شهد معرض الكتاب لهذا العام كسادا كبيرا وضعفا في المبيعات كما شكا الناشرون وأصحاب المكتبات وبنظرة أخري علي المجالات الأخري تجدها تعاني بالمثل ربما فيما عدا الفن التشكيلي واستمرار معارضه والإنتاج السينمائي تراجع بشدة وخلت دور العرض من جمهورها وخاصة الشباب بسبب انغماس المثقفين والمفكرين في الشأن السياسي ولعل مشكلة النخب الثقافية أنها أسيرة توجهاتها وانتماءاتها السياسية والأيدلوجية وبعض المثقفين من التيارات الليبرالية واليسارية تحركه طموحاته في الثروة والشهرة والسلطة ولعل تجربتهم الأخيرة في الحكومة تعكس عدم قدرة من يمثلونهم علي مواجهة الأزمات الحياتية بشكل فاعل ، لكن الغريب والمثير للدهشة هو التحولات السريعة للمثقفين طوال تلك الفترة حتي إنه يمكن تشبيهها بحركة بندول ساعة الجدار في تأرجحه ذهابا وعودة في حركة متواصلة وذلك من عهد مبارك وحتي اليوم ! لم تشكل هذه النخب في يوم من الأيام معارضة حقيقية بقدر ماكانت شخصيات تتصدر أحزابا وائتلافات لاوجود لها في الشارع وتتصارع فيما بينها في الوصول للسلطة في أعقاب ثورة 25 يناير وظهر التنافر والتناقض فيما بينها ولم يكن الشباب قاطرة تلك الثورة علي قوائمها وفي صدر اهتماماتها أو في صفوفها القيادية وكان الصراع فيما بينها علي من يحظي بالقرب من السلطة القائمة آنذاك ، وفي عهد الرئيس المعزول لم تقدم نفسها كمعارضة أو بديل مستقبلي من خلال استقطاب الشارع ، أما الآن فلا يبدو المشهد مختلفا عن سابقه من التنافر والانقسام فيما بينها ومع الآخرين ! وفصل القول في المشهد السياسي أن مصر لن تشهد حراكا ديمقراطيا طالما ظلت النخب السياسية والثقافية تمارس نشاطها اعتمادا علي الشخصيات التي تقودها والآليات التي عفي عليها الزمن وليس من خلال برامج وأطر حركة في الشارع وعلي تلك النخب أن تعيد حساباتها خاصة ونحن مقبلون علي انتخابات رئاسية وبرلمانية بعدها ووسط أجواء وتحديات صعبة تتعلق بحاضر البلاد ومستقبلها.