طوَّرت جماعات الإرهاب المسلح من أدائها خلال الفترة الأخيرة، عبر تنفيذها عمليات نوعية، اعتمدت أسلوب التفجيرات المتزامنة، بهدف تشتيت الأجهزة الأمنية، وإظهار الداخلية وكأنها غير قادرة علي تأمين البلاد، وكذلك بث الرعب في نفوس المواطنين، وتصدير صورة للمجتمع الدولي مفادها أن الفوضي تضرب مصر، في ظل السلطة الحالية التي تصفها هذه الجماعات ب"الانقلابية".. التفجيرات المتزامنة لم تكن وليدة التطورات التي شهدتها البلاد خلال الأسبوع الماضي، بل إن العودة إلي الوراء قليلاً تكشف أن السيناريو ذاته لجأت إليه الجماعات الإرهابية المسلحة في يوم الجمعة 11 أكتوبر العام الماضي، حين نفذت خلال هذا اليوم فقط ست عمليات متزامنة استهدفت عربات تابعة للقوات المسلحة في سيناء، حيث أصيب ضابط في الجيش وثمانية جنود إثر ستة انفجارات استهدفت، مدرعات تابعة للقوات المسلحة في مدينة رفح الحدودية علي الحدود مع قطاع غزة في شمال سيناء. وكانت هذه التفجيرات المتزامنة وقعت في أعقاب اشتباكات بين قوات الجيش وجماعات متطرفة هناك، حيث وقعت عدة انفجارات بمنطقة صلاح الدين الحدودية برفح، وكذلك منطقة الأنفاق علي الشريط الحدودي بين مصر وغزة، وتمت التفجيرات عن طريق زرع عبوات ناسفة يتم تفجيرها عن بعد. وفي حين تزايدت العمليات الإرهابية في سيناء منذ عزل الجيش للرئيس السابق محمد مرسي في الثالث من يوليو 2013 حيث تشهد شبه الجزيرة المصرية اضطرابات أمنية وهجمات يشنها مسلحون يعتقد أنهم متطرفون إسلاميون ضد المقار والكمائن الأمنية للجيش والشرطة، إلا أن السيناريو الجديد الذي اتبعته الجماعات التفجيرية، بدأ يكثف من توغله إلي العمق المصري، وبدا ذلك واضحاً نهاية الأسبوع الماضي، وقبيل نزول ملايين المصريين للاحتفال بالذكري الثالثة لثورة يناير 2011 حيث بدأت العمليات الإرهابية المتزامنة بعملية تفجير كبيرة استهدفت مبني مديرية أمن القاهرة، وتزامن معها استهداف كمين شرطي قرب محطة مترو أنفاق "البحوث"، وتفجير آخر بعد ساعات أمام سينما "رادوبيس" في شارع الهرم بمحافظة الجيزة، بخلاف إحباط تفجير عدة قنابل أخري بدائية الصنع في مناطق متفرقة. نهاية الجماعة وقال الخبير الأمني اللواء فؤاد علام، إن هذه التفجيرات التي تنفذها عناصر تابعة لتنظيم "الإخوان" الإرهابي، تزعج المواطنين، لكنها ستزيد إصرار الشعب علي المشاركة في جميع الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، التي تلت نجاح الاستفتاء علي الدستور، والاحتفال الجماهيري الواسع في كل محافظات الجمهورية بذكري ثورة يناير مطلع الأسبوع الجاري، بما يؤكد أن الشعب المصري ماض في تطبيق خارطة الطريق ومؤيد لها بشكل كامل. وأضاف علام في تصريحات ل"آخر ساعة": إن التفجيرات المتزامنة التي تنفذها الجماعات الإرهابية في مناطق متفرقة، تستهدف تشتيت جهود أجهزة الأمن، في البحث عن منفذي هذه العمليات، وتشتيت القوات بين عدة أماكن متفرقة في وقت واحد، أملاً في تصدير صورة لمصر في الصحافة العالمية تبدو فيها البلاد في حالة فوضي، بما يشير إلي تراخي الأمن، لكنني أؤكد أن هذه العمليات تشير إلي انتحار هذه الجماعات، وأن نهايتها أضحت قريبة للغاية، وسوف تختفي هذه الجماعات قريباً. إجهاد الشرطة في السياق ذاته، يقول مساعد أول وزير الداخلية للأمن المركزي ومحافظ المنيا الأسبق، اللواء حسن حميدة، إن ما يحدث من تفجيرات متزامنة بهذا الشكل في الآونة الأخيرة ليس مجرد مخطط داخلي في مصر، بل هو مخطط إقليمي، للقضاء علي مصر وهدم الدولة، وتفكيك آخر الجيوش القوية في المنطقة، وهو الجيش المصري، معتبراً أن هذه العمليات التفجيرية تؤكد أن جماعة "الإخوان" والجماعات الإرهابية الموالية لها، تعيش مراحل حياتها الأخيرة، لذا تلجأ إلي إجهاد جهاز الشرطة، وفي الوقت ذاته تسعي إلي التأير سلباً علي معنويات المواطنين، ولكن يجب أن نضع في الاعتبار أن هذا الوضع سوف يستمر لفترة من الزمن، لأن الجماعات الإرهابية في النزع الأخير وليس أمامها شيء تفعله سوي اللجوء إلي سياسة الأرض المحروقة. ويضيف اللواء حميدة في تصريحات ل"آخر ساعة": لابد من توفير جميع الإمكانيات الحديثة لجهاز الشرطة، بما يساعد رجل الشرطة علي مواجهة مثل هذه العمليات، كما أنه من الضروري أن يتم استبدال المجندين بأفراد الشرطة، بحيث يكون أداء رجل الشرطة احترافياً ومجهزاً بوسائل الاتصال الحديثة والسيارات المزودة بالوسائل التقنية التي تعينه علي التواصل مع جميع الدوائر الشرطية في وقت واحد بما يسهل مهمة الشرطة في ضبط المتهمين وإحباط العمليات الإرهابية قبل وقوعها، ولا يجب أن نغفل في هذا الإطار ضرورة توفير كاميرات مراقبة وكلاب بوليسية مدربة في جميع الأماكن الحيوية والمستهدفة، وألا يقتصر ذلك علي حالات الطوارئ فقط، حتي تكون هناك جاهزية دائماً لأي سيناريو إرهابي محتمل، وبخاصة أن مصر تعيش حالياً أصعب المواقف في تاريخها، فيما يتعلق بتأمين مناطقها الحدودية، التي يجب أن يتفرغ لها الجيش، وألا تشتت قواه في الداخل، بل تترك هذه المهمة كاملة لقوات الشرطة. استغلال التظاهرات وكانت الأيام التي سبقت الذكري الثالثة للثورة، أثارت قلق الكثيرين من احتمال أن تستغل جماعات الإرهاب فرصة احتشاد المواطنين بالملايين في ميادين مصر المختلفة شهدت لتنفيذ أعمال عنف وتخريب، ولذا حذر عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، نجاد البرعي، من أن أي تظاهرة تعد نوعا من مساعدة الإرهاب، لأنها تشتت انتباه الأمن، وتحرفه عن متابعة الإرهابيين، مضيفاً: بصرف النظر عمن قام بعملية تفجير مديرية أمن القاهرة والمتحف الإسلامي، فإنني أعتبر أن أي تظاهرة اليوم أو غداً هي نوع من مساعدة الإرهاب، لأنها تشتت انتباه الأمن، وتحرفه عن متابعة الإرهابيين، كلنا صف واحد ضد الإرهاب، والذين يتصورون أن الفوضي ستحملهم إلي كرسي الحكم واهمون. وتابع البرعي: مصر لن تكون بإذن الله سوريا أخري في المنطقة، ولن يكون لدينا إلا حكومة واحدة نقف جميعا خلفها ما دامت تلتزم إلي أقصي مدي ممكن بالحقوق والحريات العامة، وسننتصر علي الإرهاب. تحركات إخوانية وجاء سقوط نحو 49 قتيلاً في الاشتباكات التي وقعت مع قوات الأمن خلال يوم الاحتفال بذكري يناير، مطلع الأسبوع الماضي، لتكشف إصرار جماعة "الإخوان" علي الزج بأنصارها في اتجاه الموت، ففي الوقت الذي أسف قطاع عريض من المصريين علي سقوط مزيد من الدماء في ذكري الثورة، جدد "تحالف دعم الشرعية" الإخواني، دعوته إلي أنصار الإخوان لمواصلة الحشد والتظاهر في كل ميادين مصر، ما اعتبره البعض محاولة من جانب الجماعة الإرهابية لسفك مزيد من الدماء. فبعد يوم واحد من انتهاء الاحتفالات الجماهيرية بذكري الثورة، خرج "تحالف دعم الشرعية" ببيان طالب فيه أنصاره بمواصلة التظاهرات، وإنهاك قوات الأمن بفعاليات مستمرة، مندداً بشكل الاحتفالات التي انطلقت في ذكري الثورة، واصفاً تحركات أنصار الجماعة ب"موجة استرداد الثورة التي بدأت"، وأضاف البيان الذي تجاهل احتفالات المصريين ورفضهم ممارسات العنف التي يشهدها الشارع بإيعاز من جماعة "الإخوان": "إن الغضب أكبر من الجميع، والقمع يشعل الثورات". وتابع التحالف الإخواني مخاطباً أنصار الجماعة: "واصلوا التحدي، وأكثروا من حراك إنهاك الباطل، وحصار الانقلابيين في هذه الموجة الممتدة، وأبدعوا في تطوير الفعاليات، وأحسنوا قيادة الميادين، وواصلوا التقدم وفق التنسيق الميداني الأفضل، فقد انطلقت شرارة لهيب لن ينطفئ حتي القصاص". علي صعيد آخر، يري خبراء أمنيون أن تحركات الإخوان الميدانية من خلال المسيرات التي تنطلق في القاهرة والمحافظات تستهدف أيضاً تشتيت جهود الأمن من خلال انطلاق هذه المسيرات في توقيتات متزامنة وبخاصة يوم الجمعة من كل أسبوع عقب انتهاء صلاة الجمعة، وخاصة أن هذه المسيرات يحمل فيها أنصار الجماعة زجاجات المولوتوف والعصي والقنابل محلية الصنع، بهدف مواجهة قوات الأمن. وعزز وجهة النظر تلك استمرار عمليات ضبط عدد كبير من أنصار جماعة "الإخوان" كانوا يجهزون قنابل المولوتوف الحارقة وقنابل أخري محلية الصنع، لاستخدامها في عمليات عنف تستهدف إشاعة الفوضي وتشتيت الأمن في أماكن متفرقة، حيث صرح مسئول المركز الإعلامي الأمني بوزارة الداخلية مطلع الأسبوع الجاري، بأن قوة الشرطة المكلفة بتأمين أعلي الطريق الدائري بدائرة قسم شرطة السلام تمكنت من ضبط طالب جامعي وشاب عاطل، عقب ترجلهما من سيارة أجرة "ميكروباص" قبل دخولها نطاق الارتكاز الأمني المعين علي الطريق الدائري، وبحوزتهما حقيبة بداخلها ثلاث قنابل محلية الصنع، و11 زجاجة مولوتوف معدة للاستخدام، واعترفا بانتمائهما لجماعة "الإخوان" وتم اتخاذ الإجراءات القانونية حيالهما. وخلال يوم الاحتفال بذكري يناير، ضبطت أجهزة الأمن مسجل خطر وبحوزته 25 قنبلة يدوية، حيث دلت التحريات قيام شخص بتصنيع العبوات المتفجرة والاتجار بها في أحداث يناير، وأضافت المعلومات بأنه يتخذ من مسكنه ورشة لتصنيع تلك العبوات، وعقب تقنين الإجراءات تم ضبطه وبحوزته القنابل. في الأثناء، ألقت أجهزة الأمن القبض علي 111 متهماً من عناصر الإخوان بحوزتهم زجاجات مولوتوف وأسلحة بيضاء بعضها مخبأ داخل مساجد تم إعدادها للتعدي علي الأمن في مسيرات الإخوان المؤيدة للرئيس "المعزول" محمد مرسي، حيث كانت أجهزة الأمن قد رصدت في عدد من المحافظات تجمعات ومسيرات لعناصر تنظيم الإخوان في بعض المناطق، حاولوا قطع الطرق وإثارة الشغب والتعدي علي الأهالي، فقامت قوات الشرطة بالتعامل معهم وتم ضبط 111 من مثيري الشغب من بينهم 16 شخصاً في الإسكندرية بحوزتهم صناديق تحوي زجاجات مولوتوف وأسلحة بيضاء "سنج" وعصي. كما تم ضبط كرتونة تحوي كمية من زجاجات المولوتوف والشماريخ مخبأة بأحد المساجد، وضبط 25 متهما بالسويس من بينهم إمام مسجد ضبط بحوزته كمية من زجاجات المولوتوف المعدة للاستخدام والألعاب النارية والشماريخ مخبأة داخل نعش خشبي بالمسجد، فضلا عن ضبط 27 شخصاً في محافظة الجيزة، و17 آخرين في بني سويف، بينهم سيدة ضبط بحوزتها حقيبة تحوي زجاجات مولوتوف، وضبط سيارة نقل محملة بعدد من الصناديق تحوي زجاجات مولوتوف، وضبط 16 شخصاً في المنيا بحوزتهم زجاجات مولوتوف، وقد تحررت المحاضر اللازمة وباشرت الجهات المختصة التحقيق.