مشهد من أسرار عائلية العمل الفني، يولد كي يعيش، قاعدة تثبتها الأيام والسنون، قد يقابل تعسفاً في زمن ما، ومحاولات لوأده، ولكنه حتما سينتصر،في اليوم أو في الغد، ويجد طريقه للنور بشكل أو بآخر! الأزمة التي يواجهها فيلم »أسرار عائلية«، لاتزعجني البتة، وعلي ثقة أن الفيلم سوف يعرض بالشكل الذي يريده أصحابه، أي بقدر تمسكهم بموقفهم، فإذا استسلموا لحذف واقتطاع مشاهد أو جمل حوار،سوف يكون لهم ذلك، وإذا تمسكوا بعدم الحذف فسوف يكون لهم ذلك أيضا، حتي لو خرج الفيلم للعرض العام مختلفا. فوسائل العرض تعددت، وأصبح من السهل جدا أن تجد علي مواقع الإنترنت، نسخا مختلفة من الفيلم الواحد، بعضها كما صورها المخرج »بدون قطع« وبعضها مختزل منه بعض المشاهد نظرا لطول مدة عرضه، ولجوء الشركة المنتجة لعمل مونتاج لاختصار الوقت دون إخلال بقيمة الفيلم! ومع تغير الأزمنة يصبح ما كان مرفوضا بالأمس مقبولا ومتاحا اليوم، مهما تعددت الأسباب السياسية والاجتماعية! تتناول الصحف المصرية والعربية، هذه الأيام، أخبار الحرب الدائرة بين رئيس الرقابة علي المصنفات الفنية، وصناع فيلم أسرار عائلية، أول تجربة إخراج لهاني فوزي، وأول تجربة سيناريو لمحمد عبد القادر، الفيلم يتناول إحدي القضايا المسكوت عنها، وهي الإعتداءات الجنسية التي يتعرض لها الأطفال داخل الأسرة، مما يؤدي إلي إصابتهم بانكسار نفسي، قد ينتج عنه تحول كامل في ميولهم الجنسية، وتوحدهم مع جنس المعتدي! وهوما نطلق عليه المثلية الجنسية، أو الشذوذ عن المألوف!! وتم معالجة هذا الموضوع "المثلية الجنسية" في أفلام مصرية كثيرة، كانت الصورة هي المفتاح في التعبير، وليس الحوار فقط، بداية من فيلم الطريق المسدود الذي قامت ببطولته فاتن حمامة وأخرجه صلاح أبو سيف، حيث تعرضت فاتن وكانت تلعب دور مدرسة إلي تحرش من زميلتها »ملك الجمل« التي كانت تقطن معها في مسكن المدرسات بإحدي المحافظات، وتكررت الحالة في أفلام حمام الملاطيلي، لصلاح أبوسيف أيضا، وفيلم المزاج »علي عبد الخالق«، وقطة علي نار »سمير سيف«، إسكندرية ليه »يوسف شاهين«، »حين ميسرة« خالد يوسف »ديسكو ديسكو« إيناس الدغيدي، »عمارة يعقوبيان« مروان حامد، »رسائل بحر« داوود عبد السيد، وكلها أفلام كانت الصورة والموقف الدرامي أكثر بلاغة في التعبير عن حالة الشذوذ، بدون اللجوء إلي الإفراط في الحوار! بغض النظر عن المحاذير أو الاعتراضات التي حددتها الرقابة، ومعظمها لايشكل أي خروج عن الآداب، فهناك مشاكل فنية واضحة في فيلم أسرار عائلية، وهو موضوع المقالة، حيث لجأ كاتب السيناريو، ومعه المخرج الذي هو أساسا كاتب سيناريو متميز،للإفراط الشديد في استخدام الحوار في التعبير عن الحالة، وتداعياتها، وكأن بطل الفيلم »محمد مهران« مش واثق إننا فهمنا حالته، ويريد أن يؤكد في كل لقطة يظهر فيها، ويصرخ في وجهنا ياجماعة أنا شاذ، علي فكرة بقي أنا شاذ، أوعوا تكونوا مش واخدين بالكوا إن أنا شاذ!! رغم أن الميزة العظيمة للسينما، هي في اعتمادها علي الصورة التي يمكن أن تغني عن الكلام، فمجرد إيماءة أو حركة أو موقف يؤدي إلي فهم المعني، ولكن كاتب السيناريو يبدو أنه كان يشك في ذكاء المتفرج، فيجعل كل من حوله يبدون ملاحظة علي مسلكه رغم وضوحه! كأن تقول له شقيقته وهما في حمام سباحة، لماذا لاتنظر للفتيات؟؟ رغم أننا يمكن أن نلاحظ أنه لم يلق بالا لفتاة ترتدي البكيني وقد مرت أمامه، بينما يطيل النظر لبعض الشباب! الفيلم يفتقد لروح السينما ومنطقها، رغم أن الحالة كان يمكن التعامل معها بصريا، بدون اللجوء للحوار إلافي أضيق الحدود، ومن أسخف المواقف، ماقدمه مدرس العلوم، وسخريته المبتذلة من بطل الفيلم، لأسباب غير مفهومة، وكأن الشاب مكتوب علي جبينه أنه مثلي الميول الجنسية؟ هل كانت هناك تصرفات تؤدي إلي تصرف المدرس معه بهذا الأسلوب وهذا التهكم غير المبرر؟ مجرد تعديل بسيط في كتابة المشهد كان يمكن أن يؤدي إلي نفس النتيجة! ولو إنها لم تكن في حاجة إلي توضيح! ولكن تظل القيمة الحقيقية لفيلم أسرار عائلية، هو التأكيد علي أن بعض حالات الشذوذ الجنسي، هي نوع من الاضطراب النفسي قابل للعلاج، إذا توفرت الإرادة، وخاصة أن بطل الحكاية، يدرك من البداية أنه في أزمة، ولايرضي عن حاله، ويعافر كي يقاوم رغباته تجاه أبناء جنسه، ويكره استسلامه وضعفه ومرضه، ويلجأ للعلاج النفسي، ويزور أكثر من طبيب يقدم له كل منهم إحدي وسائل العلاج، بالأدوية مرة، وبجلسات النقاش مرات، حتي يصل إلي التعامل مع طبيب أكثر وعياً وثقافة، ينجح في أن يغوص إلي أعمق منطقة في نفس الشاب،ليصل إلي النتيجة، التي كان يهرب من كشفها، وهي أنه تعرض للاغتصاب وهو في مرحلة الطفولة، وكان المغتصب هو شقيقه الأكبر! وحتي يصل السيناريو إلي هذه الحقيقة، التي كان المتفرج العادي "متوسط الذكاء" قد وصل إليها، يلجأ إلي كثير من الثرثرة، وتكرار المعني، ويكاد المتلقي أن يصرخ مستجيراً، خلاص فهمنا، أن غياب الأب المستمر وبحثه عن النجاح أو الثروة، قد يؤدي إلي خلل وارتباك العائلة، وخاصة عندما تكون شخصية الأم مسيطرة، ولديها عجز عن حماية أبنائها عاطفيا ونفسيا ومتابعة تطورهم بشكل سليم! ومع ذلك فهي نتيجة غير حتمية، فكثير من العائلات تعيش بعيدا عن رعاية الأب، لأسباب مختلفة، دون أن يقع أحد أبنائها في هذه الأزمة، ولكن هنا، كان الخلل في تعرض الابن الأصغر إلي اغتصاب من شقيقه! وهو الشرخ الذي كان الجميع يتحاشون اكتشافه، ورغم أن سلوي محمد علي ممثلة موهوبة ولها أدوار لايمكن أن تنسي، إلا أن مشاهد كثيرة تضيع منها في أسرار عائلية، وتعجز في خلق حالة تعاطف مع شخصية الأم التي تكتشف حقيقة أزمة ابنها المراهق، وخاصة عندما تدرك أنه تعرض للاغتصاب من شقيقه الأكبر، هنا المفاجأة أو الصدمة تكون مضاعفة!! لكنها تستقبلها وكأنها اكتشفت إن أحد أبنائها قد فشل في امتحان آخر العام! عموما عنصر التمثيل في الفيلم، كان في أقل مستوياته، وخاصة شخصية الشقيق الأكبر، أما محمد مهران فهو وجه مبشر، وقابل للتطور والنضج، ولكنه يحتاج إلي كثير من التدريب والرعاية، مع بعض الاختزال في المشاهد، وخاصة في منطقة مابعد الذروة "المواجهة مع الأب" يمكن أن ينضبط إيقاع الفيلم، ويصل إلي نتائج أفضل، موسيقي راجح داوود من أهم عناصر التميز في الفيلم، الذي أثق كثيرا في أنه سوف يجد طريقه للعرض العام، بأقل قدر من الخسائر!