الشبكة العنكبوتية الإنترنت أهم منجزات القرن الحادي والعشرين حتي الآن بعدما نقلت العالم إلي قرية كونية صغيرة وربما حجرة معيشة واحدة يري الكل فيها الكل مستورا ومكشوفا بل إنها اختصرت الزمان والمكان إلي نحو الثانية تقريبا في مقابل هذه المجالات الحضارية أنشأت العنكبوتية فضاء إليكترونيا خاصا دمر المشاعر والعواطف وخرب البيوت ونقل الأسرة من الزوجية المجردة إلي مشاركة جبرية بين الزوج وصديقاته والزوجة وأصدقائها فتحولت البيوت إلي سرك الكل فيه لاعب ومتفرج بينما في الحقيقة يؤكد العلماء أن المجتمعات الإنسانية تنهار بشكل منظم..! الكاتبة المبدعة شيرين فؤاد قدمت دراسة علمية تحت عنوان: »البعد الآخر« تناقش تداعيات الفضاء الإليكتروني وتكشف خباياه.. فالتقيتها أحاورها فيما توصلت إليه من نتائج وتوصيات. كيف ومضت فكرة الدراسة في ذهنك وحتي تحولت لكتاب؟ أنا إنسانة تعيش الحياة بواقعها حلوة ومرة.. جميلة وقبيحة.. المفيد منه والمدمر إن صح التعبير وقد اقتربت من عالم النت مبكرا وتفاعلت معه بقدر ثقافتي وفهمي للحياة وموروثاتي الأخلاقية وخصائصي النفسية ومع مرور الوقت اكتشفت أن ثمة أشياء تحدث في العلن والخفاء مع عالم جديد أسميته الفضاء الإليكتروني.. فهو معلن من حيث إن الأصدقاء والمتابعين يرون كثيرا من نشاطاتي علي الفيس وتويتر وخفي لأن بعض الأنشطة مستترة خلف »الشات الخاص« والإسكايب وماسينجر وكثير من هذه الأنشطة الخفية ترقي إلي مستوي الجريمة الأخلاقية بما فيها من ممارسات تصنف »فعل زني صريح« وإن لم يلتق الطرفان وجها لوجه في حجرة واحدة لأن كل الأركان متوافرة وهذه ليست فتوي دينية بالمناسبة ولكنها تحليل نفسي علمي مجرد وإن كنت أنوي عرض الأمر علي فضيلة المفتي بهذا الشأن وضمه للكتاب في الطبعة القادمة إن شاء الله.. من هنا تولدت فكرة الدراسة وظللت 4 أشهر أبحث عن مراجع وهي نادرة جدا فلم يسبق لأحد تناول الموضوع من هذه الجهة والحمد لله أتممتها حتي آخرها وبدأت أنشر بعضا منها علي صفحتي الخاصة بالفيس فقوبلت بهجوم شديد وسب وقذف من بعض الجهلاء الذين استنكروا علي سيدة مثلي أن تخوض حربا ضد ممارساتهم الفحشاء والحديث عن الجنس الإليكتروني السايبر سكس أدركت أن مجتمعنا الذكوري لا يريد أن يغير من عاداته السيئة ولن يقبل أي تصحيح فازددت إصرارا علي مواصلة المشوار حتي طبعتها في كتاب »البعد الآخر« وأظنه سيحدث ضجة كبيرة وقبولا رائعا لدي القراء إن شاء الله. فضاء مادي واقعي الكاتبة شيرين فؤاد.. أليس هذا العالم الإلكتروني أشبه بروايات الخيال التي تشد الانتباه لحظات وما تلبث تنتهي؟ - لا.. أبدا هذا العالم الذي نظنه افتراضيا هو في الحقيقة عالم مادي متواجد في الواقع وفيه مواصفات العالم المادي برغم كونه مجموعة أسلاك وشاشة كومبيوتر وماوس! ذلك لأنه في الأصل امتداد للبعد العقلي والوجداني والإنساني.. وللعلم فإن لكل واحد منا ثلاثة أبعاد بعد عقلي وآخر وجودي والثالث ذاتي وما لا يستوعبه الإنسان في العالم الحقيقي فإنه يستوعبه هنا في الفضاء الإليكتروني الذي يعد امتدادا للثلاثة السابقة. وما هو الجديد في دراستك هذه؟ - أنا ركزت علي كشف الهوية الحقيقية للإنسان في هذا العالم الفاضح بل ركزت علي تأثيره علي العاطفة الوجدانية والرغبات الجامحة.. تضحك شيرين وتقول: القراء سيغضبون مني بلا شك! لقد اكتشفت أن الإنسان مزيف في شخصيته وهويته.. فالفضاء الإليكتروني عمل علي إظهار الهوية الحقيقية للناس.. فالمتعامل معه يدخل الفضاء ويختار لنفسه عمرا وعملا ومسكنا وصورة سواء حقيقة أو استعارة المهم أنه يخلق لنفسه هوية ما جديدة ويتصرف بموجبها وقد تراه أسوأ أو ربما أفضل من تعرفه في الحقيقة ذلك لأنه في الفضاء الإليكتروني يشعر أنني لا أراه ولا أدركه وعدم الرؤية عامل نفسي مهم فهو يضمن حرية له ليفعل ما يريد من دون خجل وهو في هذه اللحظة يتجلي بوضوح وتظهر شخصيته المختفية خلف الأقنعة والتقاليد وربما القوانين.. فهذا الإنسان يشعر هكذا: أنت لاتراني ولا تعرفني فدعني أفعل ولا حرج بل يستطيع أن يخفي عيوبه الخلقية فربما يكون عنده عيب خلقي في الكلام يتهته مثلا - ولأنه يتحاور مع غيره بالكتابة يمكنه أن يخفي عيوبه ويبدو بليغا قويا مذيعا ربما ههههه.. لا تزعل مني أستاذ تهامي أعرف أنك مذيع رائع.. أعود معك لمسألة الهوية التي يتوهمها هذا الإنسان إنها افتراضية والعكس هو الصحيح إنها الهوية الحقيقية له وقد فضحه هذا الفضاء الإليكتروني الذكي وضبطه متلبسا بالتزوير في هويته. مشاعر.. وفضفضة إذن ما هو مصير العلاقات الناشئة في هذا الفضاء العجيب؟ - هذا محور آخر ركزت عليه بوضوح والكلام للكتابة شيرين فؤاد العاطفة الوجدانية وهي مشاعر تتغذي علي البعد المكاني والتواصل المستمر بالكتابة عبر الشات وأيضا عدم الرؤية المباشرة.. وتبدأ هذه المرحلة بالإفصاح عن الذات.. هو أو هي تحكي كل شيء بلا خجل لأنها لاتراه ولا يراها ويصل الأمر في البوح والفضفضة إلي صراحة غير معهودة لهم مع أقرب المقربين والأصدقاء ثم يتطور الأمر إلي الإفصاح عن الذات وهنا تبدأ مشاعر خاصة وعلاقة خاصة تقوي مع مرور الأيام والحكي والفضفضة ثم يتولد حب غريب جدا في علاقة حميمة يغذيها عامل البعد المكاني وربما استحالة اللقاء فقد يكون في دولة وهي في دولة أخري أو محافظة نائية وظروفها وتقاليدها لاتسمح بالسفر للقاء هذه العلاقة العاطفية أشبه برواية غير مكتملة أو بقصص الحب في الأفلام الرومانسية القديمة - أبيض وأسود - حيث تصل القصة إلي نهايتها ولايتزوج البطل البطلة.. وعموما هذا الحب شبه افتراضي ولو تقابلا وجها لوجها غالبا سيفشل ويهرب أحدهما من الآخر. لماذا هذا التشاؤم شيرين؟ - لا .. ليس تشاؤما بل هي الحقيقة هو أو هي كل منهما لديه صورة خيالية عن الآخر شكله طوله لون بشرته ذكاؤه هندامه ولو تقابلا ربما تراه أكرت أو أخرس أو يتعثر في كلامه أو ملخبط في لبسه أو دميم الخلقة أو ثقيل الدم والروح كل هذا ينكشف حال اللقاء وقد يفضي إلي الهرب من الحب المزعوم!! وأزيدك توضيحا بمناسبة هذا اللقاء وهو عامل مهم جدا في مستقبل هذا الحب. فلو كان اللقاء بعد فترة طويلة سنة أو أكثر ربما يستمر الحب لماذا؟ لأنه أحب في حبيبه خفة ظله قدرته علي التفكير السليم وتصرفه العاقل وحياءه مثلا فلو تقابلا سيبحث هو أو هي عن هذه الخصائص بالذات فإن ظهر أن وزنها 90 كيلو مثلا ربما يتغاضي لأنه ذهب يلقاها وهو ينتظر الخصائص التي استقرت عنها في وجدانه.. ولون آخر من هذه المشاعر بعد اللقاء فربما تراه ولايكون فارس الأحلام وإن كانت تتمني استمرار الصداقة معه بسبب الألفة والتعود. خراب بيوت لماذا أكدت كثيرا أن صداقات الفضاء الإليكتروني خراب بيوت.. أليس من بين النشاطات الإنسانية المشروعة (لتعارفوا..)؟ - يا سلام .. بجد؟ طبعا بجد في سورة الحجرات » يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا.. - أظن أن التعارف مفهومه مختلف نسبيا.. ففي القرآن لتعارفوا علي أسس وقواعد تقدم الخير وتتعاون علي البر والتقوي وتبادل الخبرات الفنية والإنسانية والعلمية.. هنا في هذا الفضاء الإلكتروني »لتعارفوا« فضول بلا ضوابط وهروب من واقع اجتماعي ولذلك 70٪ من العلاقات علي النت ثانوية بجانب علاقة زوجية شرعية.. ولأن التربية عندنا بها قصور شديد ومغالطات خاصة في العلاقات الحميمة بين الأزواج وأيضا فهم المرأة الخاطئ لدورها في الأسرة الذي يدفعها للشجار والخناق والشد والجذب مع الزوج كل يوم ربما بسبب الأولاد والمصروف والإخوة والأخوات.. كل هذه التصرفات تدفع الرجل للتخلص من »الخنقة« فيندفع إلي الفضاء الإليكتروني حيث الحوار والتعارف بلا مشاكل ولا مشادات ولا خنقة بل علي العكس رومانسية وكلام حلو ومعسول، ربما يتطرق بهما إلي مشاعر ملتهبة أعني حالة جنسية طارئة تتحول بالتعود إلي إدمان خاصة أن فيها حرية أكثر فهي تفعل ماتراه وما تحبه بلا خجل لأنه لايراها بالفعل وهو يفعل كل شيء حتي ما تمنعه زوجته من فعله لأنها تراه عيبا وفي الواقع لاعيب إلا العيب وكل شيء حلال حلال.. لكنها التربية السيئة الخاطئة لذلك أطالب بمراجعة طريقة التربية في مجتمعنا خاصة الجنسية بالذات. فوضي اجتماعية وتحذر الباحثة شيرين فؤاد من الفوضي الاجتماعية الخلاقة التي يحدثها هذا العالم العنكبوتي وتقول بكل أسف أصبحت الأسرة مركبة ومعقدة جدا فقد أدركت أن الأسرة الإلكترونية أصبحت تتكون من الزوج وصديقاته والزوجة وأصدقائها.. وهم بالعشرات وكلهم متداخلون في محيط أسري ضيق وهذا سبب الخراب وأهم ملامحه إهمال المطالب الجنسية الزوجية فكلاهما بل كلهم يستغرق مع صديقه أو حبيبه في علاقات محرمة سبق وقلت إنها زني مكتمل الأركان.. وتحدث حالة الإشباع لدي الكل والخاسر الوحيد الأسرة المستقرة التي هي عماد المجتمع ولبناته القوية ولو استمر الحال فانتظر سوء المآل!! تفسخ في أوصال المجتمع طلاق بالجملة. أطفال ضحايا بالملايين ربما يتحولون إلي أطفال شوارع وقنابل تنفجر في المجتمع. الحل السريع وما هو الحل بعد هذه التحذيرات المرعبة؟ - تقول شيرين فؤاد: علي رجال الدعوة المستنيرين أن يتواصلوا مع الناس في المسجد والكنيسة بأسلوب عصري يعيد للقيم والأخلاق مكانتها في مواجهة الانحراف.. كما ينبغي علي وسائل الإعلام أن تتبني المشكلة بشكل علمي مدروس في الأفلام والمسلسلات والمناقشات بحيث يكون هناك حوار مجتمعي حقيقي حول المشكلة وخطورتها علي مجتمعنا بكامله ومستقبله وإلا أذكر الجميع بمقولة أبي: »المدفونة تكسر المحراث«..!!