جاء تحذير الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام جلسات منتدي شباب العالم المنعقد في شرم الشيخ مما يسمي الانتحار القومي مواكبا تماما لما يشهده العالم العربي والإسلامي من صراعات ونزاعات تهدد كيان الدول ذاتها في ظل ضبابية مفهوم من الجاني ومن المجني عليه؟ وبغض النظر عن نظرية المؤامرة التي لا نستبعدها لا شك ثورات ما يسمي بالربيع العربي أضرت كثيرا بشعوبها مع احترامنا الكامل لمفهوم التغيير الذي رفعته تلك الثورات -إذا صح التعبير- من ضحايا وخسائر علي شعوبها ستظل سنوات طويلة لا يعلمها إلا الله تعالي لاستعادة قوتها ومكانتها وما يزيد الأمر صعوبة عدم وجود عدو ظاهر تواجهه فالتدمير يأتي عادة من الداخل أي »زيتنا في دقيقنا» ما يزيد من صعوبة المواجهة. حديث الرئيس حول الانتحار القومي تدعمه خريطة الواقع المعاش فما حدث في العراق بلد المليون جندي والثروات النفطية الكبيرة الذي يعيش الآن صراعات طائفية ومذهبية لا أنزل الله بها من سلطان ويا عالم متي يعود كما كان ركنا أساسيا من أركان الأمن القومي العربي.. ولا يختلف الأمر في سوريا التي دمرت عن آخرها ولم يبق بها سوي حطام بعد أن كانت إحدي القوي الثلاث التي تشكل أساسا للأمن القومي العربي والإقليمي مع مصر والسعودية. كذلك ما يحدث في اليمن الذي كان سعيدا في يوم ما لكنه أصبح بائسا بالصور التي تتداولها وكالات الأنباء والفضائيات عن تهديدات بالمجاعة في بعض مناطقه والقضية برمتها غير محسومة الفاعل أو يظل الفاعل مجهولا فالمعركة نعم في اليمن ويكتوي بجمراتها اليمنيون لكن اللاعبين الأساسيين أطراف خارجية لتحقيق أطماع إقليمية ليست خافية علي أحد. الانتحار القومي أحد أهم أهداف حروب الجيل الرابع التي تعتمد علي تكنولوجيا المعلومات الرهيبة بما تحمله من ويلات تحت ستار وسائل التواصل الاجتماعي وأعتقد أن ضبط مثل هذا الأمر يشكل عاملا مفصليا في مواجهة التحديات التي يواجهها العالم أجمع وبشكل أكبر دول العالم الثالث التي تفتقد الأموال وأيضا التقنيات الحديثة للمواجهة. حديثي ليس مرسلا ونظرة متابعة دقيقة لما تبثه مواقع التواصل الاجتماعي يوميا تكشف شائعات لا حصر لها بعضها من سبيل الدعابة الهدامة وأغلبها من قبيل الدعاية الموجهة للتشكيك في القيم والأخلاقيات بل وهدم شخصيات بعينها لغرض معروف وموجه يستهدف في النهاية أن يقودنا لنوع من الانتحار القومي وتأجيج الفتن والصراعات بين أبناء الشعب. ولعل قوانين الحماية المعلوماتية التي تحاول بعض الدول المواجهة من خلالها تنجح فهذا الأمر برمته مسئولية خبراء المعلوماتية والتكنولوجيا الذين عليهم إعمال الفكر في إيجاط طريقة ما لمواجهة هذا الخطر الداهم. نشر المخدرات ووسائل تدمير العقول تمثل أيضا عاملا مهما أعتبره من وسائل الانتحار القومي فما أصعب أن تستهدف شعبا في شبابه الذين هم عماد المستقبل استغلالا لمشاكل البطالة التي تعانيها عدد لا بأس به من دول العالم النامي ولعل انتباه مسئولينا لهذا الخطر الداهم والجهود التي تقوم بها السلطات المختصة كفيل بحصار هذا الخطر الذي لا يقل أهمية عن الحروب والصراعات لكننا غالبا ما نغفل عاملا مهما يتمثل في تكثيف حملات التوعية الصحيحة بمخاطر الإدمان وتبعاته بأساليب علمية واقعية يقبلها العقل قبل القلب فنحن في عالم يموج بالتحديات والأساليب الكثيرة والمبتكرة للاختراق. انتشار الفساد يمثل كذلك بابا يقود للانتحار الجماعي فلسان حال الناس يقول ولماذا أعمل مادام هناك فاسدون مرتشون يكتنزون الأموال دونما حساب ولا رقابة.. لماذا أتمسك أنا بالقيم والأخلاق وبينما ينكرها الآخرون ويتكسبون من جراء ذلك لذا كل الشكر لقيادتنا السياسية التي أدركت هذا الجانب بفهم تام ووجهت الجهات الرقابية بالعمل بجدية ونشاط لمواجهة هذا الغول الذي لا يقل خطورة عن الادمان أو زرع الفتن والصراعات.. ولعل نتائج جهود جهاز الرقابة الإدارية المثمرة خير دليل علي إدراك الدولة لخطورة الفساد علي الأمن القومي. أشكال الانتحار القومي وصوره متعددة وتشهد ابتكارات تكاد تكون كل يوم.. فانتبهوا أيها السادة.