بيرل هاربور رقمي ..إرهاب رقمي....حرب رقمية باردة.. نزاعات رقمية وأسلحة افتراضية ..فضاء رقمي وفي قول آخر افتراضي.. مصطلحات بالرغم من ضبابيتها إلا أن كثرة تداولها في وسائل الإعلام والخطاب السياسي والعقائدي حولتها لكلمات مألوفة يستخدمها البعض ويكررونها وإن لم يستوعبوا تماما المعني الحرفي للكلمة أو يتصوروا حجم الكوارث التي تقع كتداعيات لها. جاء ظهور هذه المصطلحات كأحد نتائج ثورة المعلومات والاتصالات والإعلام المتعدد الوسائط، التي أتاحت التواصل اللحظي بين البشر وتخطي حواجز الزمان والمكان وخلق واقع افتراضي في الفضاء الإلكتروني مواز للواقع الفعلي، مما أدي لإعادة صياغة العديد من النظريات والأفكار والمفاهيم السائدة وإبداع أشكال جديدة في التعبير أتاحها التحرك الحر والترحال المتكرر عبر أسواق السياسة والثقافة والهويات والأعراق والمذاهب والنحل. ومثلما باتت الثقافة في عالمنا المعاصر مكونا حيويا في واقعنا اليومي أصبحت الثقافة في الفضاء الإلكتروني في حالة اشتباك يومي مع كل ما يدور علي أرض الواقع وفي الفضاء الإلكتروني علي شبكة الإنترنت وبعدا حاضرا في كل القضايا التي يواجهها المجتمع علي الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحربي، الأمر الذي يطرح عددا من الأسئلة حول ماهية الحرب الرقمية أو حرب الانترنت وأهدافها وتداعياتها ،إضافة للبحث في الإطار الثقافي الحاكم لشكل ولنوعية التحديات التي فرضها ظهور هذا الفضاء الإلكتروني وتأثير الصراع الذي بات يفرضه الواقع الإلكتروني علي الواقع الحي وعلي ثقافة المجتمع .. يشير الصحفي والأستاذ الجامعي في المعهد العالي للعلوم السياسية بباريس «برتران بادي» في تقديمه لكتاب مؤسسة الفكر العربي الدوري «أوضاع العالم في 2015 » إلي تغير طبيعة الحروب وساحتها طبقا للمتغيرات والمستجدات التي تشهدها المجتمعات البشرية. فبتطور التكنولوجيا لم تعد ساحات القتال ولا الأسلحة التقليدية العنوان الوحيد للحروب. فالحروب الجديدة لا تتم فيها المواجهة في ساحات القتال بين البلدان القوية ،إّذ انتقلت المواجهة من بلدان الأغنياء وذوي البأس لتستقر لدي الفقراء الذين باتوا يقومون بالحرب بالوكالة عن دول قوية ترفض أن تدور رحى الحرب علي أرضها فبدأت تستغل عوامل التفكك والاضمحلال في الدول الضعيفة وتغذي الانقسامات الاثنية والدينية لتأجيج التفكك المجتمعي والمؤسسي وخلق مجتمع احترابي يتغلغل في صميم الحياة اليومية لكل فرد. وبعد أن بات الفضاء الافتراضي ساحة المعركة وأصبحت الفجائية والغير متوقع جزءا لا يتجزأ من الحروب والإرهاب الرقمي وصراعات القوة فيه، تقلصت أهمية وجود حيز لقاء أو مكان تدور فيه مواجهة بين جيشين وفق قواعد التكتيك الحربي التقليدي.. ويلخص«فريدرك دوزيه» أستاذ الجغرافيا السياسية بالمعهد الفرنسي للجغرافسيا« الجغرافيا السياسية» بباريس تعريف الحرب الافتراضية في جميع الأعمال التي تشن وتمارس عبر الشبكات المعلوماتية لدعم ومساعدة وسائل عمل أخري في إطار النزعات الجغرافيا السياسية المفتوحة وشن عمليات حربية بواسطة هجمات معلوماتية . ويشير إلي أن النزاع رقمي فيقول إنه كل شكل من النزاع يعبر عن نفسه بصورة كاملة أو جزئية في الفضاء الافتراضي سواء أكان يدور فيه أو يستخدمه كناقل له، حيث يستطيع الفرقاء القيام بمختلف الأعمال بواسطة الشبكات المعلوماتية من قبيل تشويش أدوات الاتصال وزرع الاضطراب فيها والتلاعب بالمعلومات وتغيير عملها ووظيفتها وتخريب المنشآت والأسلحة والبنيات التحتية الحساسة والتخريب والتنسيق وجمع الأموال والتأثير علي الرأي العام وتشويه المواقع ونشر شائعات الذم والتحقير والتجسس والتعبئة لغايات سياسية. ومما يزيد من مخاطر الحرب الجديدة سهولة التكنولوجيا الرقمية وتكلفتها الضعيفة خلافا للحقول والميادين العسكرية ،وأن الفضاء الافتراضي أو الرقمي الافتراضي يظل قي حالة إعادة تركيب دائمة وبالغة السرعة مما يزيد فاعلية الهجوم وتعذر اكتشاف مصدر الهجمات أحيانا،خاصة إذا توافرت المعلومة وكفاءة كتائب المهاجمين. ولعل ما سبق يؤكد أهمية دراسة نوعية التحديات التي فرضها ظهور هذا الفضاء الإلكتروني بعد أن ثبت بما لا يدع مجالا للشك تأثيره علي هياكل القوة داخل المجتمع وتأثيره في أنماط القيم والعلاقات والإعلام من خلال المعلومات الصحيحة أو المغلوطة وموجات الشائعات والفيديوهات المزيفة التي يتم توظيفها في الحروب النفسية والصراعات الداخلية و الدولية،كما يضعنا أمام سؤال عن تأثير الصراع والتنافس الذي يفرضه الواقع الإلكتروني علي الواقع الحي وعلي كثير من المفاهيم التقليدية وثقافة المجتمع ككل.. ولهذا حديث آخر.. http://[email protected] لمزيد من مقالات سناء صليحة