فى الأسبوع الماضى كتبت مقالاً تحت عنوان «الراقصون عل جثة السكة الحديد»، تعقيباً على المهزلة التى ارتكبها سائقو القطار المتجه من القاهرة إلى طنطا الذين ظهروا فى مقطع فيديو وهم يتعاطون المخدرات، ويدخنون الحشيش والبانجو داخل الكابينة، ويتراقصون وهم مساطيل على أنغام الأغانى الشعبية الهابطة أثناء سير القطار كما لو كانوا فى ملهى ليلى!!.. ونسمع فى الفيديو أحدهم وهو ينادى على سائق القطار قائلاً له: «خد بالك من الطريق يا عم أحمد». وتساءلت فى نهاية مقالى أين وزير النقل وأين رئيس هيئة السكة الحديد مما حدث ويحدث داخل الهيئة؟ وختمت مقالى بعبارة «إذا استمر الوضع على هذا الحال فانتظروا المزيد من الكوارث.. وربنا يستر!». ولم تكد تمر أيام على مقالى إلا واستيقظنا ظهر أمس الأول الجمعة على كارثة بكل المقاييس، عندما صدم قطار اكسبريس القاهرة- الإسكندرية مؤخرة قطار اكسبريس بورسعيد- الإسكندرية الذى كان متوقفاً بمنطقة خورشيد بالإسكندرية مما أسفر عن سقوط 49 شهيداً وإصابة 143 من الأبرياء الغلابة الذين يستقلون القطار. ولأن سيناريو وقوع الحادث نادر الحدوث فى حوادث السكة الحديد عالمياً، بينما هو شبه دائم الحدوث فى مصر بسبب الإهمال والفساد الذى يزكم الأنوف داخل الهيئة.. حيث لم نسمع عن قطار يصدم قطاراً فى الصين مثلاً رغم أن سرعة قطاراتها الطائرة 400 كيلو متر فى الساعة.. هذا الأمر أدهشنى، وأحزننى أكثر ما ردده بعض المسئولين من أن سائق قطار القاهرة لم يكن يُشغِّل الخاص جهاز «ATC» بالقطار والذى يتحكم أوتوماتيكياً فى إيقاف القطار عندما يشعر بأن هناك قطاراً آخر على نفس الخط على مسافة كيلو متر، وحتى أقف على كيفية وقوع الحادث وحكاية جهاز «ATC» أجريت اتصالاً هاتفياً مع أحد خبراء تشغيل هيئة السكة الحديد، وقلت له أريد أن أفهم وأن يفهم القراء معى سبب هذه الكارثة؟ تحدث الرجل بأريحية بعد أن وعدته بعدم ذكر اسمه قائلاً: إن معظم حوادث القطارات فى مصر نتيجة أخطاء بشرية، وإن الدولة قامت بكهربة حوالى 20% من خطوط السكة الحديد فى مصر، وتحديث دوائر الهواء ودوائر الكهرباء ومن هذه الخطوط خط الإسكندرية الذى يعمل بنظام الإشارات الأوتوماتيكية، بينما لم تتم كهربة باقى الخطوط نتيجة لقلة الاعتمادات عقب ثورة يناير.. وأضاف أن كل قطار به جهاز «ATC» وهو جهاز يعمل مع الإشارات بحيث يأخذ حساسية من القضبان ويعمل هذا الجهاز على إيقاف القطار أوتوماتيكياً، إذا كان هناك قطار متوقف على نفس القضبان قبل مسافة كيلو متر على الأقل، وبذلك يستحيل وقوع حادث الإسكندرية إذا كان جهاز ATC للقطار القادم من الخلف فى وضع التشغيل، ومن المؤكد أن السائق قام بفصل الجهاز.. سألت مستنكراً: وهل يمكن أن يقوم السائق بإلغاء عمل جهاز بهذه الأهمية استوردته الدولة بملايين الدولارات للحفاظ على أرواح الركاب؟!!.. قال: «هذا الجهاز يتحكم فى القطار نفسه ويغل يد السائق، لكن الواقع يؤكد أن كثيرين من سائقى القطارات يقومون برفع فيشة الجهاز لتعطيله للوصول بسرعة، وهنا لن يعرف السائق أن هناك قطاراً متوقفاً.. قلت وكيف يعلم أن هناك قطاراً متوقفاً؟ قال: كان هناك 3 وسائل لمنع وقوع هذا الحادث، الأولى جهاز «ATC» والثانية كان لابد لسائق القطار المتوقف أن يُخطر أول محطة وأول برج مراقبة وعامل التحويلة بأنه متوقف، وذلك من خلال جهاز المحمول الذى تُسلمه له الهيئة، وتدفع له قيمة كل المكالمات، وفى هذه الحالة تقوم المحطة أو برج المراقبة باحتجاز القطار القادم من الخلف»، قلت ربما لم تكن هناك شبكة بالتليفون المحمول؟ قال: حتى هذه النقطة لها حل فى قواعد التشغيل بأن يقوم سائق القطار المتوقف مع مساعده بالسير إلى الخلف لمسافة تقترب من الكيلو متر، ويضع كبسولة على القضبان، وعند مرور القطار فوقها تنفجر وتحُدث صوتاً كبيراً يفهم منه السائق أن هناك قطاراً متوقفاً ويتوقف على الفور. قلت لمحدثى إن الاهمال فى السكة الحديد ثلاثى الأبعاد؛ غياب الضمير، وغياب الرقابة، والفساد، والضحية دائماً الأبرياء.. رحم الله شهداء قطار الإسكندرية وألهم أسرهم الصبر، وأتمنى أن يتم إنزال أقصى العقوبة على المتسببين فى هذه الكارثة تفعيلاً لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى، وألا تأخذنا بهم شفقة ولا رحمة لأنهم لم يرحموا الضحايا الأبرياء.. هذا إذا كنا جادين فى الحد من كوارث السكة الحديد، وإنا لمنتظرون.