صَدِق أو لا تُصَدِق.. صندوق النقد الدولي، أداة الرأسمالية والعدو التاريخي لكل الغلابة والفقراء في أرجاء المعمورة، يطالب الحكومة المصرية بالرفق بالمصريين وسرعة معالجة آثار ارتفاع التضخم وغلاء الأسعار!!.. إذ يبدو أن حِبال صبر المصريين الطويلة وقدرتهم الاستثنائية علي تحمل كارثة تعويم الجنيه والارتفاع الرهيب في أسعار المواد الغذائية والخدمات الرئيسية وخاصة الكهرباء والوقود، أصاب المراقبين ومسئولي الصندوق بالدهشة والذهول إلي الدرجة التي جعلتهم يضعون أيديهم علي قلوبهم خوفاً من انفجار اجتماعي يمكن أن يطيح إلي الأبد بوصفه الصندوق التي يراهنون علي نجاحها في مصر لتصير مثلاً ونموذجاً صالحين للتطبيق في بلدان تعيسة أخري.. ومن هنا جاءت مساعيهم لدي حكومتنا السنية كي ترفق بنا ولا تقطع شعرة معاوية مع المواطنين!!.. والغريب في الأمر أن الحكومة بدلاً من أن تشعر بالخجل إزاء هذه المطالب، تؤكد علي لسان وزير المالية عمرو الجارحي إصرارها علي »المضي قدما في تنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية التي تعالج الاختلالات المالية والنقدية وأهم المشاكل الهيكلية لتحقيق الانطلاقة الاقتصادية »؟!!.. ويُضيف الوزير، لا فُض فوه، أن »هذه الإصلاحات ستنعكس في صورة زيادة معدلات النمو والتشغيل وتحسين الخدمات العامة.. والحفاظ علي الاستقرار المالي والنقدي..»!!.. مثل هذا الكلام الفخم و»البائس» لا يبدو مُستَفِزاً فقط ولكنه مضحكُ حتي البكاء إذ أنه موجَه للاستهلاك الرسمي والخارجي.. وفي كل الأحوال هو كلام لا يخصنا أو يمسنا من قريب أو بعيد.. فما يخصنا ويمسنا هو النتائج علي الأرض وما تفعله الحكومة »معنا وفينا»؟!!.. أتحدث عن فواتير الكهرباء والغاز والمياه التي تصدمنا شهرياً بزيادات لا قِبَلَ لنا بها.. ناهيك عن زيادات فلكية في أسعار المواد الغذائية الرئيسية وكُلفة المعيشة بشكل عام.. ثم نُفاجأ بوزير تموين يجلس منبهراً في برنامج تليفزيوني متسائلاً عن السعر المُحدد لزجاجة الزيت من قِبَل التاجر.. ولما يعرِف السعر يرد بشكل أكثر انبهاراً » الله يبارك له».. وكأننا نتحدث عن مشكلة تافهة في الغيط أو علي التِرعة!!.. هكذا يعالج وزير التموين جحيم التضخم الذي يُقلِق صُندوق النقد ولا يبدو أنه يُحرِك شعرة في رأس حكومتنا ووزرائها » الميسورين»!!.. غير أن الجهة التي يتعين أن يُوجَه إليها اللوم والنقد والتوبيخ هي البرلمان ونوابه المفترض أنهم يمثلون الشعب ومصالحه ويُحِسون بمعاناته اليومية.. ولكن السادة النواب اكتفوا بتأمين مصالحهم وزيادة مخصصاتهم فضلاً عن زيادة مرتبات الوزراء وعِلية القوم.. أما الشعب الذي انتخبهم وفتح لهم »مغارة علي بابا» فله ربٌ يرزقه ويحميه!!.. والغريب أن بعض النواب الذين تواتيهم الجُرأة للظهور في التليفزيون لا يخجلون من ترديد »فِرية» أطلقها رئيس البرلمان عندما وصف مجلسه بأنه »الأعظم في تاريخ مصر»!!.. ولكن بعد سماعهم لمداخلات المواطنين ولعناتهم يُصابون بالخرس والخِزي ويستعجلون نهاية البرامج!!.. وبعيداً عن رأي المواطنين في البرلمان وهو معروف ولا يحتاج لإثبات أو بيان، فإن الواضح للجميع أن معظم النواب لا يُدركون خطورة المسئولية المُلقاة علي عاتقهم ولا يعرفون حدود السلطة التي وضعها الدستور والشعب في أيديهم والتي تمنحهم حق محاسبة الحكومة وإقالتها وليس الرضوخ لها وتمرير مشروعات القوانين التي تتقدم بها حتي ولو كانت تنطوي علي أضرار بالغة بالمواطنين!!.. وهنا لا ينبغي أن نلوم مَن يكتوون بنار التضخم وغلاء الأسعار كل يوم وكل ساعة إذا اعتبروا البرلمان تابعاً للحكومة ومبارِكاً لكل قراراتها التي حولت حياة الشعب إلي جحيم لا يُطاق!!..