الصورة التي نشرتها »الأخبار» بالأمس لإحدي سيارات النقل وهي تتخلص من »الوجبات المدرسية»، علي الطرق السريعة، هي إدانة كاملة للفساد الذي لم يرحم صحة أطفالنا!! كان قد صدر قرار بوقف توزيع الوجبات المدرسية لحين انتهاء التحقيق في حالات الاشتباه بتسمم أعداد من تلاميذ المدارس بعد تناولهم لهذه الوجبات. وطلبت وزارة التعليم من الموردين استعادة المخزون، ويبدو أنهم لم يستجيبوا لذلك. أو يبدو أنهم أو المسئولين في بعض المدارس أرادوا التخلص من جسم الجريمة. فتم نقل المخزون إلي الطرق السريعة والتخلص منه أو احراقه!! في طفولتنا كنا في المدارس الحكومية حين كانت هي الأفضل. وكنا نتناول وجبة جافة كاملة العناصر من الخبز والجبن النستو والبيض المسلوق- والحلاوة الطحينية والفاكهة. ولسنوات لم يحدث لنا أو لغيرنا ما حدث لأطفالنا في الأيام الماضية. كان الطعام يخضع للتفتيش الدقيق من جانب الاخصائي الموجود بالمدرسة. وكان النقل والتوزيع يتم تحت اشرافه وزملائه المدرسين. وكان الطعام يوزع علي جميع التلاميذ بكل المدارس بلا أزمات. لم تكن مرتبات العاملين بالمدرسة والمشرفين علي مراقبة التغذية عالية، ولم تكن أرباح المتعهدين طائلة. لكن درجة الرضا كانت كبيرة. والقانون كان حاضرا. والفاسد كان عقابه شديدا.. ليس فقط من الدولة وقوانينها، بل أيضا من المجتمع الذي كان يرفض الفساد ويحتقر الفاسدين!! تغيرت الدنيا كثيرا. أصبح الفساد »شطارة»!! وأصبح الاستيلاء علي المال العام بلا حق.. أمرا مشروعا!! وأصبح الاحتيال حتي علي البسطاء لنهب »شقا العمر»، مهنة رابحة حتي الآن!! وأصبح تسميم أطفال بغذاء فاسد أمرا يمكن أن تتحمله ضمائر مخلوقات مازالت تدعي الانتماء لجنس البشر!! ويبقي هنا أن أشيد بالقرار الذي أعلنه رئيس الوزراء باستمرار التغذية المدرسية بعد التحقيق فيما حدث، وبعد اتخاذ الإجراءات لتشديد الرقابة وضمان سلامة الوجبة الضرورية جدا لملايين التلاميذ الذين نعرف أحوال أسرهم الفقيرة، والذين يحتاجون لهذه الوجبة بدرجة لا نعرفها البعض ممن يتطوعون بالافتاء في هذا الأمر وهم لا يعرفون أحوال البلاد والعباد، أو وهم يحاولون تصدير أوهامهم بأن الفقر مسئولية الفقراء لا مسئولية اللصوص، وأن الفساد يقبل التصالح أو يمكن اخفاؤه برمي دليل الجريمة علي الطرق السريعة!!