عندما يُكتب تاريخ نقابة الصحفيين بنزاهة وتجرد، سيسجِل لمدرسة »الأخبار» أنها قدمت العديد من رموز تيار الاستقلال الذي دافع عن النقابة في معاركها ضد كل محاولات تدجينها أو إدخالها بيت الطاعة الحكومي.. وحتي التيار »الحكومي» داخل الأخبار كانت له مواقف نقابية مشهودة في المعارك التي هددت بضياع النقابة والمهنة معاً.. والمثال الأبرز لهؤلاء هو المرحوم جلال عيسي وكيل النقابة الذي كان عضواً قيادياً بالحزب الوطني ولم يمنعه الإنتماء الحزبي من تزعم المعركة ضد القانون المشبوه 93 لعام 1995 الذي أطلق عليه الصحفيون »قانون اغتيال الصحافة».. كان نقيب الصحفيين وقتئذ خارج البلاد ونجح عيسي في حشد الصحفيين من كافة الأعمار والمؤسسات لمقاومة القانون الذي دعمته الدولة العميقة بكل أدواتها الحزبية والأمنية.. هذه شهادة للتاريخ أُسجلها في حق الرجل رغم وقوفه ضدي بشكل سافر في أول انتخابات أخوضها علي عضوية مجلس النقابة.. وظل طوال يوم الانتخاب يحذر كل مَن يراه بصوت عال »اوعي تنتخب النَقر» وذلك لأنني خالفتُ نصيحته بألا أترشح »وهو مَن هو في الأخبار».. بل قال لي إن »أصدقاءك في اليسار والأخبار لن يضمنوا لك عشرة أصوات»!!.. وكان يقصد قديس الصحافة المرحوم الأستاذ »عبد الوارث الدسوقي» مساعد رئيس تحرير الأخبار الذي كان يدعمني بقوة ويدعو الجميع لانتخابي.. ولم يجرؤ علي مواجهة جلال عيسي يوم الانتخاب سوي الزميل الجسور المرحوم أنور محمد الذي كان يدعو لانتخابي بحماس كبير.. ومع ذلك تم إعلان نجاحي واحتفلتُ مع الزملاء قبل أن يتدخل وكيل النقابة ويُعلن أن علينا انتظار نتائج صندوق الأسكندرية التي جاءت لتؤكد تقدم إحدي الزميلات بفارق عشرة أصوات!!.. هذا الموقف الشخصي وتلك الخصومة الظاهرة لا يمنعاني من قول كلمة الحق.. فهذا تاريخ يعرفه جيداً المنخرطون في العمل النقابي من الأخبار والمؤسسات الأخري.. وهؤلاء يعرفون أيضاً أن أبرز الوجوه النقابية الشابة التي كان يعتمد عليها جلال عيسي وينسق معها في الحملة ضد القانون 93 هو الزميل يحيي قلاش الصحفي بالجمهورية والنقابي الذي لا يُذكر إسمه إلا مقروناً بالدفاع عن كيان النقابة وحقوق الصحفيين.. اختلف مع قلاش كما تشاء، وأنا شخصياً اختلفتُ معه كثيراً، ولكن عندما يُكتب تاريخ النقابة وتُسجل معارك الدفاع عن المهنة وحرية التعبير، بموضوعية سيُذكر اسمه بين حراسها العظام مع قامات رفيعة مثل أحمد بهاء الدين وكامل زهيري وجلال عارف.. وأعود إلي مدرسة الأخبار التي حافظت علي الدوام علي هامش ديمقراطي يسمح بحرية الممارسة النقابية وهو ما حُرمت منه مؤسسات صحفية أخري.. وأتاح ذلك لأبناء المؤسسة الإنخراط بنشاط في تيار الاستقلال النقابي.. وعلي رأس هؤلاء بالتأكيد جلال عارف الذي صنع تاريخاً للمهنة والوطن عندما أسقط المرشح الحكومي لمنصب النقيب عام 2003.. وكانت »الأخبار» نقطة انطلاق تلك المعركة الفارقة إذ خططت الدولة وقيادات المؤسسة لتدشين حملة مرشح الحكومة من الأخبار وتسويقه باعتباره من أبناء المؤسسة.. وكان لي شرف التصدي لهذه المؤامرة الخبيثة في »ندوة» مرشح الحكومة بالمؤسسة إذ طلبتُ الكلمة بإلحاح لأقول له إنني لن أنتخبه لثلاثة أسباب.. فأنا لم أره في النقابة منذ ربع قرن.. ثم إنه زار إسرائيل بالمخالفة لقرارات الجمعية العمومية.. وختمتُ بالقول إن »التصويت حسب الإنتماء للمؤسسة مرفوض لأنه قبلية ذميمة في العمل النقابي وإذا كان لابد من انتخاب مرشح للمؤسسة فإنني أدعو الزملاء إلي انتخاب ابن المؤسسة الأصيل جلال عارف»!!.. وهكذا.. سقط مرشح الحزب الوطني.. وبقي أن يرفض الصحفيون فلول ذلك الحزب المنحل ويُدركوا أن الحكومة لم يعد لديها »جزر» ولكن في يدها »عِصي كثيرة».. فلنتمسك باستقلال النقابة حماية لها ولنا ولأن استقلالها يساوي حرية المهنة وحياتها..