وجودهم مهم جدًّا.. لا يمكن أن تشاهد أى فيلم أو مسرحية من دون كومبارس، ولا يجب أن نستخفّ بدورهم ولا بأهميتهم، حيث يضرب الجرس فتفتح بطلة الفيلم باب الشقة فإذا بمُحضر يقدّم لها ورقة الطلاق، فتصرخ وتبكى ويتعاطف الجمهور، طيب تخيَّل أنت المشهد من دون هذا الكومبارس الذى قام بدور المُحضر! أو هذا الكومبارس الذى يقوم بدور ضابط الشرطة حين ينزل من سيارة النجدة فى آخر مشهد فى الفيلم، ويندفع وراءه عدد لا بأس به من العساكر الكومبارس أيضا، ويقتحمون الوكر، حيث بطل الفيلم قد أشبع الشرير بالصفعات والركلات، فيصيح الضابط قائلا: «أقف عندك، كله يرفع إيديه»، ثم يترك بطل الفيلم المشارك فى الخناقة من دون ما يرفع إيديه، بل يتجاهله البطل ويذهب ناحية البطلة المربوطة بالحبال ويفُكّها ويُقبِّلها ونرى كلمة النهاية من دون ما يهتم أحد بالكومبارس! هذا بالضبط ما سيقوم به خمسة وعشرون كومبارسًا فى لجنة صياغة الدستور! شخصيات محترمة وأولاد ناس ومختارون بعناية لا تكتمل مسرحية اللجنة من دونهم، وهم مثل أى كومبارس يشعر أن دوره مؤثر جدا فى الفيلم وأنه لا غنى عنه فى المسرحية ومتأكد أنه سيقنع المخرج والمنتج بمواهبه، بينما الحقيقة المُرة أنه لو رفض القيام بالدور فهناك عشرات غيره ينتظرون، وأنه لو غاب عن يوم التصوير فلن يعيره أحد اهتماما إلا الريجيسير أو مساعد المخرج، حيث سيختار واحدا بديلا عنه! الكومبارس فى لجنة صياغة الدستور، سيكونون أشبه بمجموعات الكومبارس الأشد أناقة، ويرتدون ملابس السهرة فى مشهد احتفال ليلة رأس السنة أو الحفلات التنكرية فى أفلام ليلى مراد وأنور وجدى، حيث يكون مطلوبا أن يكون الكومبارس آخر شياكة ووسامة بأحدث الموضات وأفخم البدل والفساتين، حتى يليق شكلهم على الحفلة، وهم أولئك الذين تراهم طول المشهد يرقصون ويضحكون، و«تسمحى لى بالرقصة دى يا هانم؟»، و«إلا ما فيه حد فى الحفلة ما أُعجبش بيها!». فى الأغلب، أن الكومبارس من أصحاب المواهب المحدودة أو ممثلون جار عليهم الزمن أو فى بداية طريقهم يبحثون عن فرصة لإثبات مواهبهم أو ناس لم تجد وظيفة أخرى، ولها قريب أتاح لهم لقمة عيش فى السينما! لكن لماذا يرضى هؤلاء الناس الكُبَّارة أصحاب المواهب الحقيقية والشخصيات القوية أن يكونوا مجرد كومبارس فى مسرحية لجنة الدستور؟ ربما بسبب الرغبة الحارقة عند البعض فى الوجود تحت شمس الأضواء، ومبرر للظهور فى برامج الفضائيات المسائية! ربما إحساس من بعضهم أنه أقوى من السيناريو وأهم من المؤلف، وأنه قادر على تغيير أحداث المسرحية أو الفيلم بمجرد ما يكشف عن موهبته وأفكاره وقدراته على الإقناع، فسوف يخر الإخوان تسليما وسوف ينبهر السلفيون تقديرا، ويلبون رغبته فى إضافة مادة أو حذف جملة، وهو غرور يتجاهل تماما ما يجرى فى جلسات مجلس الشعب، حيث يقول نواب الأقلية ما يقولون بمنطق أو بغضب أو بموضوعية أو بتودد وتقرُّب أو بأدب وتهذيب أو باختصار وكثافة أو بثرثرة ونرفزة، ثم لا يؤثرون إطلاقا على حرف مما يريده الإخوان والسلفيون، كأننا كنا نسمع أغنية فى الراديو وحوَّلنا المحطة، ومع ذلك فإن هؤلاء النواب وغيرهم من رفاقهم فى الأحزاب أو الحياة العامة مندفعون للمشاركة فى لجنة صياغة الدستور، كأنهم سيلقون مصيرا مختلفا، كأنهم يأملون أن تفتح الأغلبية لهم عقلها وصدرها، وسوف توافق على مدنية الدولة وحرية الفكر والاعتقاد! كيف يعتقدون ذلك بعد سوابق الإخوان والسلفيين؟ مرة أخرى، هى الرغبة الصادقة فى لعب دور الكومبارس للوجود فى مسرحية كبيرة، ولأنه يحب هذه الحالة كما كان أحد أشهر وأمهر أطباء جراحة المخ والأعصاب فى مصر، الذى كانت عيادته تمتلئ بالمرضى، حتى إنهم يجلسون على السلالم أمام شقة العيادة، وكانت الفيزيتا فى عيادته من أغلى الأسعار وقتها، ومع ذلك فقد كان يظهر فى أدوار كومبارس فى أفلام ومسلسلات كثيرة، دور طبيب تذهب إليه البطلة للكشف عن الحمل، أو دور ضابط المخابرات الذى يلتقى نادية الجندى فى اليونان، هكذا دور صغير لا يتعدى دقيقة أو اثنتين، يصور فيه يوما أو أسبوعا تاركا العيادة ومرضاها، لأنه يحب التمثيل ويقبل فيه بدور الكومبارس، بينما هو نجم النجوم فى الطب! هذا الكومبارس السياسى المندفع نحو المشاركة فى مسرحية صياغة دستور الإخوان حريص جدا على إنجاح المسرحية، حيث سيلتقى الجمهور فى نهاية العرض، فيلومه البعض على أن المسرحية فى منتهى الفجاجة والسخافة، فيوافقك، ويسألك: «لكن ما رأيك فى الدور بتاعى؟ شفتنى وأنا بأزعق فى البطل؟»! ولا تملك ساعتها إلا أن تتمنى له دورا أكبر فى المسرحية القادمة!