كثيرا ما كتبت عاتبا على جمال سليمان، لأنه كان يُبقى دائما على شعرة معاوية بينه وبين النظام السورى، ويحرص على أن لا يقترب بكلمة ضد بشار الأسد، بل إنه مثل كل النجوم السوريين دافع عن توريث الحكم. جمال يعلم أن النظام السورى هو الأكثر قسوة فى العالم، وهو لا يريد أن يستعدى ضده الأجهزة، ومن السهل أن يجد نفسه فى لحظات مطلوبا، بل ومطاردا لو نسب إليه قول أو فعل يغضب النظام، إلا أنه فى نفس الوقت كان يرى أن الشعب السورى ينتفض ولن يسامحه على الصمت، ولهذا كان يقف على الحافة فى تلك المنطقة الرمادية، مؤكدا حرية الشعب فى ثورته ويشيد بحقهم فى الديمقراطية، ولكن لا يقترب من قريب أو بعيد فى الوصول إلى سقف الثوار الذى يطالب بإسقاط بشار. جمال كان ينتقل، على حسب تصريحاته، بين القائمتين البيضاء والسوداء، يؤيد الثوار تحال أوراقه إلى البيضاء، يرتعد من بشار ينتقل إلى السوداء. مؤخرا اكتشف جمال أن هذا لا يكفى عند الأجهزة الأمنية التى تترصده حتى فى القاهرة، وبسبب لقاء له أو لعله عشاء مع عدد من المعارضين توعدوه بالانتقام، وعلى صفحات جريدة «الحياة» اللندنية فضحهم فى مقال نارى، بعد أن فاض به الكيل ولم يعد قادرا على أن يمسك العصا من المنتصف. هناك فنانون كانوا مباشرين فى مهاجمة النظام مثل أصالة، وهى تتلقى هجمات وضربات متتالية من أقرب الناس إليها، شقيقها على سبيل المثال الذى كثيرا ما اتهمها بالجحود، والمطربة ميادة الحناوى وجدتها فرصة لكى تصفى ما بينهما من حسابات قديمة، بعد أن صارت أصالة هى العنوان الأبرز للغناء السورى! جمال سليمان هو عنوان الدراما السورية حاليا خارج الحدود، لذلك كان النظام حريصا على أن يظل على حياده كحد أدنى، وجمال نفسه كان معجبا ومتوافقا مع شروط تلك اللعبة، فهو مثلا من أوائل الفنانين الذين وقَّعوا بيانا يؤيدون فيه الثورة، ويبايعون بشار لكى يحقق مطالبها وهو البيان الذى أغضب الثوار وأرضى بشار. دريد يعلم أن قناة «الجزيرة» ممنوعة على الفنان السورى، ولهذا نجد أن الفنانين السوريين يعتذرون عن كل المهرجانات الخليجية، خصوصا تلك التى تقام فى الدوحة، بينما جمال يلبى الدعوة وفى نفس الوقت يعلم أن قناة مثل «الجزيرة» موضوعة على رأس قائمة الأعداء، ومتهمة من قبل السلطات السورية بأنها هى التى تفجر الثورة. قد ترى جمال سليمان فى الدوحة، ولكن مستحيل أن تشاهده على شاشة «الجزيرة» فهو يقف على الحافة فى علاقته بالنظام. جهاز الأمن السورى يضع الجميع تحت المجهر، يريدون الفنانين على شاكلة دريد لحام، يمشى بجوار الحائط وعند الضرورة يمشى فى الحائط، ولم يدرك النظام أنه قد حدث تغير نوعى تلمسه بوضوح، مثلا مع الفنانة مى إسكاف التى تحدت النظام وهتفت فى المظاهرات «الله.. الوطن.. سوريا وبس»، لمواجهة من يقولون «بشار وبس»، ولكنها لا تزال هى الاستثناء، ومع الزمن أرى أن الخائفين والمؤيدين لبشار سيصبحون هم الاستثناء. العصا الغليظة دائما ما تعلن عن نفسها، لا أتصور أن الموقف من جمال سوف يتوقف عند ذلك الحد، لا أستبعد أن تزداد الهجمات ضده وسوف يبحثون عن أقرب الناس ليوجهوا إليه اتهامات علنية لتصبح الطعنة غائرة. النظام السورى يلعب على المكشوف، خصوصا وهو يرى جمال سليمان يفضحه على صفحات جريدة يعتبرها معادية. جمال هو العنوان الأبرز الآن فى الشارع العربى للفنان السورى. دريد لحام فى الماضى شغل نفس الموقع فى العالم العربى. توارى دريد كثيرا فى السنوات الأخيرة، ولم يدرك أن القوة الناعمة فى سوريا لم يعد مقبولا منها هذا الخضوع، وأن مشاعر الناس فى اللحظات المصيرية لا تكتفى من الفنان بموقفه وهو يؤدى دورا أمام الكاميرا، إنها تنتظر منه أن يؤدى دوره الحقيقى فى الحياة. أعلم جيدا أن جمال سليمان قرر أن يصالح نفسه قبل أن يصالح شعبه، فهو فضح أجهزة القمع فى وقت تصور فيه البعض أن الفنان لن يتحرر من مصالحه وسيحسبها ألف مرة قبل أن يغادر الحافة!