ومازال صوت أم كلثوم يأتينا من بعيد ويصرخ عبر ذاكرة النسيان، يفرش القلوب بالفرحة والبهجة ، صوت يصاحب البقاء والخلود لأنه يصوغ مشاعر المصريين وأحاسيسهم بصدق وواقعية، الصوت الذى جعل جمال عبد الناصر يتنازل عن عدائه للملك والملكية، وينتصر للفن الجميل الذى يجرى كنهر النيل فى وجدان المصريين، وسيبقى رمزاً حياً للقوة الناعمة المصرية. أم كلثوم هى التى عقدت اتفاقية صلح بين الفن والسياسة، فقد كانت قبل ثورة يونيو 1952 مطربة للعهد الملكى، ومن أشهر أغانيها الخالدة "يا ليلة العيد آنستينا" التى أهدتها للملك فاروق ، وغنت له فى عيد ميلاده "اجمعى يا مصر أزهار الأمانى، يوم ميلاد المليك..واهتفى بعد تقديم التهانى، شعب مصر يفتديك". حاولوا الوقيعة بينها وبين الثورة لإقصائها وعزل صوتها ، إلا أن الرئيس جمال عبد الناصر اعتبرها ملكاً لمصر وليس للملك، وقال عبارته الشهيرة "أم كلثوم لا يمكن حجب فنها فهى مثل الأهرامات باقية وخالدة". هكذا كان العظماء "زمان".. كانت أم كلثوم ذاهبة للإذاعة ليلة عيد الأضحى لتقديم أغنية "طاب النسيم العليل"، وسمعت أحد البائعين ينادى على بضاعته ويغنى "يا ليلة العيد آنستينا"، والتقت الشيخ زكريا أحمد فى مبنى الإذاعة القديم، وطلبت منه تلحين أغنية للعيد بنفس المطلع الذى سمعته من البائع، وأمسك بيرم التونسى بالقلم وبدأ يكتب "يا ليلة العيد آنستينا وجددت الأمل فينا.. جمالك هو أحلامنا، هلالك فرح أيامنا".. ولكن عاودت بيرم آلام المرض فغادر الإذاعة ولم يُكمل الأغنية. حضر "أحمد رامى" لتهنئة أم كلثوم بالعيد وفى يده وردة حمراء، فصاحت: "جئت فى وقتك وهديتى استكمال "يا ليلة العيد آنستينا"، وأخذ رامى يكتب وزكريا أحمد يلحن وأم كلثوم تحفظ، وقدمت الأغنية على الهواء مباشرة الساعة العاشرة مساء ليلة عيد الأضحى سنة 1937. وأعادت أم كلثوم الأغنية بلحن جديد لرياض السنباطى ليلة العيد سنة 1939 فى حفل حضره الملك فاروق بملعب مختار التتش بالنادى الأهلى، وصفق الجمهور كثيراً لمقطع "يا نيلنا ميتك سكر، وزرعك ف الغيطان نور.. يعيش فاروق ويتهنى، ونحيى له ليالى العيد".. "الليلة عيد ع الدنيا سعيد.. عز وتمجيد ليك يا مليكى". رحلت أم كلثوم عن الدنيا منذ 48 عاماً، وافتها المنية فى 3 فبراير 1975 عن عمر يناهز 75 عاماً، وتزداد أعمالها الخالدة إبداعاً وروعة، فالفن الأصيل لا يموت . فاتنا أن نقيم لها احتفالية كبرى فى ذكرى رحيلها تليق بعظمتها وكبريائها، ملحوقة:31 ديسمبر ذكرى مولدها .. ولنتذكر أيضاً عظماء الفن ، عبدالوهاب وعبدالحليم والسنباطى وشادية وكمال الطويل وغيرهم، وفنانين عرب آخرين صنعت مصر شهرتهم، فريد الأطرش ووردة وفايزة احمد ، ومئات الأسماء من العظماء الخالدين .
