نعم هناك موجة غلاء ربما هى الأشد فى العالم وكان أحد أسبابها بلا شك هو التطورات الدولية والإقليمية وخاصة الحرب الروسية الأوكرانية لقد خرجت هذه الحرب عن مفهومها الجغرافى لتشمل حرباً بين الغرب والشرق ومسرحاً لتجارب الأسلحة التقليدية والتى قد يخرج الكثير منها من الخدمة الفعلية لتحل مكانها الأسلحة الذكية والتى تعتمد على التكنولوجيا الحديثة بالإضافة للحروب الاقتصادية والتى ثبت أنها تلحق أضراراً باهظة قد لا تسببها الحروب التقليدية. غير أن تأثير التطورات والمتغيرات الإقليمية والدولية سوف يدخل تغييراً استراتيجياً فى علاقات الدول وإعلاء لغة المصالح بديلاً للغة الدبلوماسية التى ظلت منذ الحرب العالمية الثانية هى سيدة الموقف فى حل أى نزاعات أو تجنب أى مشاكل رغم انحسار مفهوم القومية العربية عملياً إلا أن تجسيد الموقف العربى الواحد حتى فى صورته الدنيا بدأ يتعرض للانحسار ليبرز للأسف الشديد مفهوم المصالح الضيقة لكل دولة عربية حتى لو كان ذلك على حساب علاقة الأشقاء التى لا تزال تمثلها لافتة جامعة الدول العربية رأينا ذلك فى إقامة علاقات بين إسرائيل والعديد من الدول العربية كان لمصر سبق الوعى بأهمية تحقيق السلام وإقامة علاقات بينها وبين إسرائيل ولكنها علاقات مرت بمراحل متعددة ودليل ذلك مطالب بعض الإسرائيليين حتى اليوم فى ضرورة التطبيع الكامل بين مصر وإسرائيل حيث أخذ مسار العلاقات الرسمية سرعة أكبر بكثير من مسار العلاقات بين الشعوب حدث ذلك على حين تمت العلاقات الأخرى بصورة كاملة وشملت كل مجالات التعاون ودون أى حدود أو خطوط حمراء وإذا كانت مصر لا تزال تمثل رمانة الميزان فى المنطقة كلها إلا أن ذلك يجب ألا يجعلنا نغفل عيوننا عن الحلول المنفردة والتى أن ظلت تمثل حقاً لكل دولة فى اتخاذ ما تراه فيجب ألا يجور هذا الحق على مصالح مصر بأى حال من الأحوال إن مصر تعانى أزمة اقتصادية كغيرها من كل دول العالم غير أن هذه الأزمة يجب ألا تطغى عن حقيقة الوضع المعقد فى منطقة الشرق الأوسط ونحن فى القلب منها، عالم اليوم ليس هو عالم الأمس والمتغيرات المتوقعة تفرض علينا أقصى درجات الحرص والحذر كما تفرض علينا إعادة تقييم الموقف فى علاقاتنا مع بعض الدول التى تعانى علاقاتنا معها نوعاً من الفتور، خطوات الدبلوماسية المصرية يجب أن تكون سباقة كما كانت طوال الحقبة الماضية وفى عالم عز فيه الشرف يجب أن تعلو مصالح مصر فوق كل اعتبار وبما يتطلبه ذلك من وحدة وتكاتف كل المصريين، الأزمة الاقتصادية يجب ألا تجعلنا نغفل التطورات السياسية التى تعصف بكل القيم والثوابت التى كانت سياجاً يحمى المنطقة.
