تدريب أعضاء التدريس بجامعة بنها على «التقويم الذاتي للبرامج التعليمية»    مجلس النواب يوافق على تشكيل المجلس القومي للطفولة والأمومة    بدء تنفيذ أعمال مبادرة "شجرها" بسكن مصر في العبور الجديدة    رئيس المركزي للمحاسبات: الجهاز يباشر دوره على أكمل وجه في نظر الحساب الختامي للموازنة    مؤشر الدولار يرتفع عالميا إلى أعلى مستوى في أسبوع    15 و16 مايو.. قرعة علنية للحاجزين بالمرحلة التكميلية لمشروعات جنة والإسكان المتميز    لجنة رئاسية بموانئ السويس والزيتيات لفحص إجراءات التخلص من البضائع الخطيرة    بنك مصر يحصد 5 جوائز من مجلة ذا يوربيان البريطانية لعام 2024    لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية: نرفض الوصاية على الجانب الفلسطيني من معبر رفح    الطيران الحربي الإسرائيلي يشن 18 غارة على بلدات جنوب لبنان    وزير الرياضة يكشف موقف صلاح من معسكر المنتخب    «التعليم»: طلاب الصف الأول الثانوي أدوا امتحانات اللغة العربية دون مشكلات    جريمة بشعة في شبرا الخيمة: مقتل ربة منزل على يد عاطل حاول سرقة شقتها    ضبط قضايا اتجار في العملة ب12 مليون جنيه    خلاف على الجيرة.. إصابة 3 أشخاص في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    «إزازة البيرة بتاعت مين؟».. علاء مبارك يهاجم مركز «تكوين الفكر العربي»    عبير فؤاد تحذر مواليد 5 أبراج.. ماذا سيحدث لهم في شهر مايو؟    مهرجان المسرح العالمي يحمل اسم الفنان أشرف عبد الغفور في دورته الثالثة    الذكري ال 22 لرحيل أحمد مظهر فارس السينما .. أسرته تحيي ذكراه في مقابر العائلة    الصحة: فحص 13 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    أتربة ورمال وتحذير للمواطنين.. الأرصاد: تقلبات جوية وارتفاع الحرارة لمدة 72 ساعة    "لابد من وقفة".. متحدث الزمالك يكشف مفاجأة كارثية بشأن إيقاف القيد    فيراري تطلق أيقونتها 12Cilindri الجديدة.. بقوة 830 حصان    كييف: روسيا تفقد 477 ألفا و430 جنديا في أوكرانيا منذ بدء الحرب    زعيم كوريا الشمالية يرسل رسالة تهنئة إلى بوتين    بعد بكائها في "صاحبة السعادة".. طارق الشناوي: "المكان الوحيد لحكاية ياسمين والعوضي مكتب المأذون"    مرصد الأزهر :السوشيال ميديا سلاح الدواعش والتنظيمات المتطرفة    الصحة: علاج 900 ألف مواطن بمستشفيات الأمراض الصدرية خلال 3 أشهر    صحة مطروح تطلق قافلة طبية مجانية بمنطقة وادى ماجد غرب مطروح اليوم    يقظة.. ودقة.. وبحث علمى    صفحات غش تتداول أسئلة الامتحان الإلكتروني للصف الأول الثانوي    مواد البناء: أكثر من 20 ألف جنيه تراجعًا بأسعار الحديد و200 جنيه للأسمنت    بايدن: لا مكان لمعاداة السامية في الجامعات الأمريكية    «القاهرة الإخبارية»: إصابة شخصين في غارة إسرائيلية غرب رفح الفلسطينية    مجدي شطة يهرب من على سلالم النيابة بعد ضبطه بمخدرات    إخماد حريق في شقة وسط الإسكندرية دون إصابات| صور    تقرير: مشرعون أمريكيون يعدون مشروع قانون لمعاقبة مسئولي المحكمة الجنائية الدولية    "تجميد اتفاقية السلام مع إسرائيل".. بين العدوان المباشر والتهديد الغير مباشر    البورصة المصرية تستهل بارتفاع رأس المال السوقي 20 مليار جنيه    سها جندي: نحرص على تعزيز الانتماء في نفوس أبناء الوطن بالخارج    سيد معوض: الأهلي حقق مكاسب كثيرة من مباراة الاتحاد.. والعشري فاجئ كولر    «قلت لها متفقناش على كده».. حسن الرداد يكشف الارتباط بين مشهد وفاة «أم محارب» ووالدته (فيديو)    قصور الثقافة تحتفل بعيد العمال في الوادي الجديد    اليوم العالمي للمتاحف، قطاع الفنون التشكيلة يعلن فتح أبواب متاحفه بالمجان    «الإفتاء» توضح الأعمال المستحبة في «ذي القعدة».. وفضل الأشهر الأحرم (فيديو)    شوبير يوجه الشكر لوزير الشباب والرياضة لهذا السبب| تفاصيل    "لم يسبق التعامل بها".. بيان من نادي الكرخ بشأن عقوبة صالح جمعة    تعرف على قيمة المكافآة الخاصة للاعبي الزمالك من أجل التتويج بكأس الكونفدرالية (خاص)    «النقل»: تصنيع وتوريد 55 قطارا للخط الأول للمترو بالتعاون مع شركة فرنسية    تتخلص من ابنها في نهر مليء بالتماسيح.. اعرف التفاصيل    "المحظورات في الحج".. دليل لحجاج بيت الله الحرام في موسم الحج 2024    الصحة: تقديم الخدمات الطبية لأكثر من 900 ألف مواطن بمستشفيات الأمراض الصدرية    حكم حج للحامل والمرضع.. الإفتاء تجيب    للمقبلين على الزواج.. تعرف على سعر الذهب اليوم    "كفارة اليمين الغموس".. بين الكبيرة والتوبة الصادقة    «إنت مبقتش حاجة كبيرة».. رسالة نارية من مجدي طلبة ل محمد عبد المنعم    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    أختار أمي ولا زوجي؟.. أسامة الحديدي: المقارنات تفسد العلاقات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
سر الرحلة ٨٠٤
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 24 - 05 - 2016

وسط كل هذا الوجع تنبت زهور البهجة في أرض الأحزان. ثلاثة أخبار مفرحة تلقيتها من ثلاثة أصدقاء أعزاء
أن يستيقظ الإنسان علي فاجعة تعصر القلب، وتدمي المشاعر والوجدان فهذا أمر صعب، وموجع. وهذا ما جعلني أتسمر أمام شاشات التليفزيون المختلفة المصرية والعربية والعالمية بحثا عن أي معلومة جديدة تفسر ماحدث. اختفاء طائرة مصر للطيران القادمة من باريس يوم الخميس 19 مايو2016 الرحلة رقم 804 من شاشات الرادار.
حزن ثقيل لم أستطع التخفف من وطأته حتي الآن. حكايات بشر قطعوا الرحلة الطويلة التي اقتربت من النهاية، ومنوا أنفسهم بلقاء الأهل والأحباب عند الوصول للوطن، ثم تجئ اللحظة ! لحظة النهاية التراجيدية المكتوبة لحياة هؤلاء، تخلف وراءها حكايات ومفارقات عجيبة وغريبة.
زوج محب يجمع كل ما يملك ويصر علي انقاذ حياة زوجته المريضة بالسرطان، يسافران معا إلي فرنسا للعلاج، ويتركان ثلاثة اطفال عند أم الزوج الدكتور أحمد. يمضيان شهرا كاملا في رحلة العلاج، وعندما تتعافي ريهام، يقرران العودة إلي وطنهما وأطفالهما يحملان بشاير الفرحة والأمل. لكن القدر يكتب نهاية أخري، يموت الزوجان معا ويخلفان وراءهما شلالا من الألم.
فنانة مثلت دورا واحدا في حياتها هي مرفت زكريا، ثم اختارت تغيير مهنتها كلية وأصبحت مضيفة طيران، منذ شهر واحد تم ترقيتها إلي رئيس طاقم الضيافة، وكانت في قمة السعادة وهي تستعد لأول رحلة لها إلي باريس بعد الترقية، سيدة أخري أخرت رحلتها يوما لتلحق بطائرة الموت وكأنها ذاهبة إلي قدرها بخطي ثابتة. مضيفتان يتم استبدالهما في الساعات الأخيرة بسبب مرض إحداهما، وعدم موافقة رخصة الأخري للعمل علي هذا الطراز لأنها تحمل رخصة بوينج 800.أربعة من عائلة واحدة يموتون في الطائرة. حكايات ومفارقات تمزق القلوب، فما بالك بقلوب أحبائهم!
أما التكهنات والتحليلات التي امتلأت بها البرامج والمواقع الإخبارية والصحف فحدث ولا حرج. البعض يقول قنبلة انفجرت وافقدت الطيارالسيطرة علي الطائرة، والسي إن إن تلمح بخبث وحقارة إلي حادثة طائرة مصر للطيران 990 لعام 1999 وتشير إلي احتمالية أن يكون محمد شقير فعل ما ادعوا سابقا أن البطوطي قد فعله ! أي أن الطيار قد انتحر وأخذ معه كل هذه الأرواح البريئة.
الشئ الجيد هنا أن الدولة المصرية أدارت الأزمة بحكمة، وناشدت الجميع توخي الدقة في نشر أي معلومة، وانتظار التحقيقات التي سوف تظهر الحقيقة من خلال تحليل الصندوقين الأسودين. كذلك كان وزير الطيران مقنعا، يتحدث مع الأجانب، كما يرد علي أسئلة الصحفيين المصريين التي لم تخل من غرابة وعدم مهنية، ويلتقي مع أهالي الضحايا بشكل مستمر، ويوفر لهم دعما نفسيا من خلال أخصائيين نفسيين. الآن باق أن نصل إلي الحقيقة من فعلها؟ هل هي يد الإرهاب القذرة أم أن خللا فنيا هو السبب أم أن هناك خللا أمنيا في مطار شارل ديجول هو الذي أدي إلي وقوع تلك الكارثة؟
وسط كل هذا الوجع تنبت زهور البهجة في أرض الأحزان. ثلاثة أخبار مفرحة تلقيتها من ثلاثة أصدقاء أعزاء. الأول قادم من الكاتب القدير يسري الفخراني حيث أثار موضوع الأطفال الثلاثة أولاد الدكتور أحمد وزوجته ريهام اللذين راحا بين ضحايا الطائرة، وطلب من مدرسة ليدرز للغات إعفاء الأطفال الثلاثة من المصروفات المدرسية حتي تخرجهم من المدرسة، فتلقي استجابة فورية من المدرسة بالتعهد بذلك، ثم أعقبها قرار وزير التعليم بإعفاء كل أولاد ضحايا الطائرة من المصروفات المدرسية طوال مراحل التعليم.
الخبر الثاني المفرح جاء من الصديقة العزيزة الدكتوره إيناس شلتوت أن طلبة مصريين كانوا في رحلة مدرسية في باريس وعندما طلبت المدرسة تحويل تذاكرهم إلي إير فرانس رفض الطلبة وقالوا إنهم يعتزون بمصر للطيران وأصروا علي العودة عليها لتدعيم شركتهم الوطنية. الخبر الثالث يبشرنا به الشاعر جمال بخيت. أن طائرة مصر للطيران التي عاد بها قبل أيام من باريس لم يكن بها مقعد واحد خال من الركاب، وأن مدير الشركة هناك أكد له أن الحادث لم يؤثر علي حجوزات الشركة، بل ربما زادت. الحمد لله. لك الله يا مصر التي تتعرضين لأكبر مؤامرة في تاريخك. و»إن ينصركم الله فلا غالب لكم».
ساق البامبو
الإثنين :
نبتة البامبو هي نوع من النبات يمكنه أن ينمو في أي مكان ينتقل إليه، دون حاجة إلي جذور. يقتطع جزء من ساقها، ويتم غرسه في أي أرض، لا يلبث الساق طويلا حتي تنبت له جذور جديدة، تنمو من جديد في تلك الأرض الجديدة.
وهذا ما عاشه عيسي راشد الطاروف، أو «هوزيه» صاحب الشخصية المحورية في تلك الرواية البديعة «ساق البامبو» للأديب الكويتي سعود السنعوسي، الذي حصد العديد من الجوائز عنها، كانت أولاها وأهمها هي جائزة البوكر العربية عام 2013. تلتها جوائز عديدة من مختلف بلاد العالم، كذلك ترجمت الرواية إلي عدد كبيرمن لغات العالم، واحتفي بها القراء والنقاد حفاوة هائلة. الرواية - فعلا- تستحق.
«ساق البامبو» رواية تفوح بالصدق، أسلوبها بسيط وعميق، أشبه بغزال يمرح فوق الأوراق برشاقه، تلقائية وثقة. تدفق الحكي، وشهوة البوح بكل تفاصيل معاناة عيسي راشد الطاروف الذي هو هوزيه أو خوزيه في سياق آخر تسبق البحث عن مفردات مبهرة أو صورة أدبية مدهشة، فالمبهر هنا هو القدرة علي نقل المشاعر الداخلية لإنسان يبحث عن هوية. والمدهش هو كيف روي تفاصيل الرحلة الصعبة في ثلاثمائة وستة وتسعين صفحة من القطع المتوسط دون أن تشعركقارئ بلحظة ملل واحدة، بل يتملكك الفضول لتصل إلي نهاية الحكاية ومعرفة مصير هذا البائس الضائع في دروب هويته.
عيسي راشد الطاروف الذي شاء قدره أن يكون مقسوما إلي نصفين لا يلتقي أحدهما مع الآخر في أي شئ إلا ربما في محيط جسد يحمل اسمين هو جسده، أما روحه فهي الهائمة دوما بحثا عن الحقيقة، حقيقة ذاته التي لا يدرك كنهها يقينا.
عيسي أو هوزيه أو خوزيه هو نتاج علاقة سرية بين الإبن الأكبر لعائلة لها مكانة وصيت كبير في الكويت وهي عائلة الطاروف، وجوزفين الخادمة الفلبينية التي جاءت من بلدة فقيرة في الفلبين لتعمل وترسل إلي أسرتها بالمال.
أحب راشد المثقف، ابن العائلة الغنية تلك الخادمة الفقيرة وحدث أن حملت وعرفت أم راشد بالأمر فاستشاطت غضبا وأمرت إبنها بطرد جوزفين ورضيعها من الكويت، لتعود أدراجها إلي بلدتها الصغيرة في الفلبين.أذعن إبن الأكابر لقوانين العائلة، التي يتضاءل أمامها أي شئ آخر حتي لو كان الإبن والحبيبة. كبر عيسي الذي يحمل إسما آخر فلبينيا هو هوزيه أو خوزيه في الفلبين يحمل ملامح أمه، صوت أبيه. وذكريات كثيرة روتها له أمه عن بلده الثاني الكويت، بلد أبيه وعائلته الكبيرة الغنية هناك. كانت جوزفين تريد له أن يعود يوما ما إلي بلده ويحظي بحقه الطبيعي في ثروة أبيه ومكانته تلك التي حرم منها لسنوات طويلة، كانت تحكي له عن كل شئ حتي تمهد له الطريق لكي يذهب إلي هناك ذات يوم ويستقر هناك.
يخوض عيسي الرحلة داخل نفسه إلي جانب الرحلة الجوية من الفلبين إلي الكويت. وخلال دروبها، يكتشف أو يحاول اكتشاف ذاته إنهم في الكويت يتعاملون معه باعتباره فلبينيا، يحمل جواز سفر كويتيا. أسرته الكبيرة التي اضطرت لاستقباله مرغمة، لم تستطع أن تعلن أنه واحد منها، وضمته إلي فريق الخدم في البيت، يعيش معهم ويأكل علي مائدتهم، يواجه عيسي هذا الظلم بالحزن حينا وبالاعتراض الهادئ حينا آخر، جدته «غنيمة» عماته «هند» ونورية» أخته غير الشقيقة «خولة» هؤلاء الذين خاض معهم رحلته في الكويت إلي جانب غسان صديق أبيه راشد الذي مات في الحرب.
من أجمل الاجزاء في الرواية تلك التي يطرح خلالها عيسي أسئلة لنفسه : من أنا ؟ هل أنا أنتمي إلي الكويت أم إلي الفلبين ؟ هل أنا مسلم أم مسيحي أم بوذي ؟ لقد دخلت المسجد والكنيسة والمعبد وفي كل منها كان هناك ما يربطني بالمكان.
كذلك المشهد الأخير في الرواية البديعة الذي يجلس فيه عيسي لمشاهدة مبارة كرة القدم بين فريق الفلبين وفريق الكويت ضمن تصفيات كأس العالم 2014 بالبرازيل. ومشاعره المختلطة عندما يحرز فريق الكويت هدفا يقوم مهللا، سعيدا، ثم يدرك بعدها أنه سدد هدفا في مرماه، وعندما يحدث العكس تنتابه نفس المشاعر!«بعضي يمزق بعضي» كما قال الشاعر كامل الشناوي..هو ما عاشه عيسي راشد الطاروف الباحث عن ذاته في ساق البامبو. رواية الغربة بامتياز!
العيش في الآخرين
الأربعاء:
عندما وضعت سارة جراي توأمها توماس وكالوم أخبرها الأطباء أن أحدهما مولود بدماغ معطل، لا يمكن شفاؤه. وقالوا لها إنها مجرد ساعات أو أيام ويتوقف كل شئ أي يموت. ابتلعت سارة وزوجها روس الصدمة بلوعة وحزن لم يستمر طويلا، فبينما كانت مستلقية علي سريرها بالمستشفي تتعافي من عملية الولادة القيصرية، والصدمة التي تلقتها سمعت إحدي الممرضات في المستشفي تتحدث مع زميلة لها عن بنك للأنسجة البشرية، يتبرع له أهالي المتوفين حديثا في حالة رغبتهم طبعا، وأن هذا البنك يساهم مساهمة كبيرة في الأبحاث الطبية، وبفضله أمكن التوصل إلي الكثير من الجينات المسببة لأمراض خطيرة أهمها :السرطان..لمعت الفكرة في رأس الأم الحزينة، وتغير تفكيرها في لحظات من الاستغراق في الحزن علي أحد توأمها الذي يواجه الموت المحتم في خلال ساعات أو أيام علي أقصي تقدير، إلي التبرع بأعضاء هذا الطفل الذي ولد للموت وبذلك تسهم حياته القصيرة جدا في إنقاذ حياوات أخري، فكأن حياته باقية أبدا بالعيش في الآخرين !في اليوم السادس للولادة مات توماس وبقي كالوم في صحة جيدة. لم تنتظر سارة، طرحت الفكرة علي زوجها، فوافق، وتوزعت أعضاء الصغير علي مراكز بحثية مختلفة فذهبت عينه إلي جامعة هارفارد وكبده إلي جامعة ميتشجان وأنسجته إلي مركز أبحاث الأنسجة بجامعة كاليفورنيا.
و كانت تلك هي البداية لرحلة سارة جراي لاكتشاف أسرار أخري في الحياة. استغرقتها قضية الحياة الممتدة للبشر الذين يتبرعون في حياتهم من خلال وصية يكتبونها أو من خلال أهاليهم كما فعلت هي مع إبنها الرضيع. عرفت احساس السلام العميق غير المحدود الذي تعيشه الأسر التي تقدم علي هذا النوع من التبرع. وتحكي سارة قصتها التي أصبحت ملهمة للآخرين، واهتمت بها وسائل الإعلام المحلية والعالمية كيف أحست بالغيرة من أهالي المتبرعين بنقل الأعضاء إلي أشخاص معينين أحياء، لأن هؤلاء الأشخاص كثيرا ما يتصلون بأهالي الذين أنقذوا حياتهم ويشكرونهم وهذا يمنحهم الكثير من السلام الداخلي والراحة، أما في حالتها فقد تبرعت بأعضاء وليدها للبحث العلمي والطبي وهذا لا يعطيها فرحة رؤية الأشخاص الذين ساهم هذا العطاء الإنساني الرائع في إنقاذ حياتهم.
لذلك كتبت إيميلا للمركز الذي تبرعت له في البداية وطلبت أن تعرف أين ذهبت أعضاء إبنها وكيف ساهمت في بحوث طبية تخدم البشرية وذكرت تبريرها لهذا الطلب وقالت من حقي أن أسعد بما فعلت كما يسعد الذين يتبرعون بنقل الأعضاء.
ورغم أن ذلك لم يكن متبعا من قبل لكنها تلقت ردا علي إيميلها يخبرها أين ذهب كل عضو ويدعوها إلي زيارة مركز الأنسجة لرؤية الرقائق المتبقية من أنسجة توماس والتي كانت علي وشك الدخول في بحث طبي وشيك، رأت بنفسها ما أرادت وعرفت الأبحاث التي شارك فيها جسد إبنها وأي فرع من فروع البحث وكيف سيكون لتلك الأبحاث مردود هائل يفيد البشرية.
كذلك وجدت وظيفة في المركز وأصبحت رائدة اجتماعية تنشر فكرة التبرع بالأعضاء، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل فكرت في تسجيل تجربتها الفريدة،و رحلتها في البحث عن معني مختلف للفقد، فكتبت مؤلفا عنوانه «حياة باقية أبدا.. الهدية العظيمة لتوماس جراي روس.
أليست قصة عظيمة، مؤثرة وملهمة ؟
تسعين مليون إيد
الخميس:
الرئيس يعمل، ونحن نري بأنفسنا ثمار جهده وتفانيه. المشروعات التي تم افتتاحها خلال الإسبوع الماضي فقط تؤكد ذلك..افتتاح المشروعات في الفرافرة ودمياط ومشروع محطة الكهرباء التي افتتحها الاسبوع الماضي في أسيوط الجديدة.قبلها سلم الرئيس وحدات سكنية في مشروع الإسكان الإجتماعي، وافتتح العديد من المشروعات الكبري.
لم يكمل الرئيس عامين في حكمه، ورغم ذلك تحقق الكثير، ربما لا نراه بوضوح بسبب إخفاق الإعلام في إبرازه كما ينبغي، وكذلك لأن حجم مشاكل مصر مهول، وتراكمات المشاكل عندنا عمرها ستون عاماً، كله كان (بيترحل) في عهود الرؤساء السابقين. لكن رئيسنا السيسي رجل يحكم هذا البلد بإخلاص، ويريد أن يبني أساسا تستفيد منه الأجيال علي مدي سنوات طويلة قادمة بإذن الله.
المشكلة أن قيمة العمل عند الشعب المصري في حاجة إلي غرس مثلما يغرس النبات في الأرض. معظم الناس في مصر بكل أسف لا يؤدون أعمالهم كما يفترض أن يكون. الإتقان أيضا في حاجة إلي أن يدعم كقيمة أساسية من قيم العمل، نحن في حاجة لدفع عجلة التنمية بقوة 90 مليون مصري، وليس بقوة نسبة قليلة منه تعمل بكل جهد، وإخلاص، بينما الباقون يركزون في طلب الحقوق والمزايا والأرباح والحوافز حتي في المؤسسات الخاسرة !.
لدي اقتراح ربما يحفز الناس ويعيد إلي القطاع الأكبر من الشعب احترام قيمة العمل، واعتباره نوعا من العبادة كما يقول ديننا. لماذا لا ننشئ في كل قطاع بكل مؤسسة جائزة شهرية تمنح لأفضل عامل أو موظف يتقن عمله، وينضبط في أدائه، وينتج عن كل هذا فوائد إيجابية، وخطوات ملموسة تحقق تطور الشركة أو المؤسسة، وحتي لا تكون هناك محاباة أو واسطة يتم اختيار العامل الأكثر اتقانا لعمله عن طريق التصويت المباشر من كل العاملين في القطاع أو القسم.
نحتاج بشدة لعشرات الأفكار التي نعيد بها الإنسان المصري إلي دائرة العمل والاجتهاد وربط الطموح بالعمل وليس بالحظ والشطارة والفهلوة. نحتاج إلي أجيال من المبدعين الإجتماعيين يعملون علي تحفيز الناس للعمل وعشق العامل للماكينة التي يعمل عليها، والتي تفتح بيته. نتمني أن يعود الإنتماء للعمل والمكان من صفات المصري الأصيل. الذي يراعي ربه وضميره فيما يقدم لبلده، وما يتقاضي عنه أجرا. نحتاج إلي التفكير العلمي الذي يحدد أهدافا ويسعي من خلال خطة محكمة للوصول إليها.
التعليم والثقافة والإعلام مسؤولون جميعاً عن إعادة القيم الإيجابية إلي الشعب المصري، لذلك أري ضرورة أن يعمل الوزراء الثلاثة المختصون بتلك القطاعات معا من أجل خطة شاملة لإعادة القيم، أما الدور الأكبر الذي انتظره فمن الجمعيات الأهلية والتي يجب أن تصمم حملات قومية واسعة لها أهداف محددة.
أننا في حاجة إلي ثورة ثقافية.. ثورة في القيم والمبادئ تجعل كل منا شريكا فيما يحدث علي أرض مصر الآن. زمان قالوا «إيد وحدها متصقفش» وأقول الآن وماذا لو كانت تسعين مليون إيد؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.