نشأت في أسرة عريقة، جدران أدوار بيتها بالعباسية مكتبات متنوعة جمعها الأب حسين مدير عام الآثار العربية والعم د. سيد رئيس تحرير جريدة الأساس، وكانت الأم كاتبة قصة قصيرة تنشرها الصحف، تشكل وعيها الثقافي من التهام صفحات الكتب وحضور لقاءات الوالد والعم مع ضيوفهما نجوم المجتمع والثقافة والفن والأدب في ذلك الوقت. أما حسها الفني وحس إخوتها فقد شكله جمال الريف وسحر طبيعته خلال زيارات الأجازة المدرسية لعزبة «نور» أهل الوالدة في الطويلة مركز المنصورة. دروس أولى صحافة في أول مقابلة مع مصطفى أمين بعد هدوئنا قال ياللابينا وداخل قسم الأبحاث المكتظ لمجلدات ومجلات من كل العالم قدمنا للزميلتين سناء فتح الله وسميحة صبور وطلب منا أن نلخص في وريقات قليلة كل مانقرأه هنا ونوافيه به قبل انصرافنا فقد أراد أن يعلمنا أن الصحفي عليه أن ينفتح على العالم ويعرف بفهم وعمق الثقافات المختلفة وأن تكون المعلومات العامة أولوية له فهي ذخيرته في ميدانه وأدوات عمله. إكسير التفوق والنبوغ وهل كانت هذه فقط الدروس التي تعلمتيها من الأستاذ مصطفى أمين وأخبار اليوم ؟ - دروس مصطفى بك متعة ضرورية، والاستفادة والتعلم من أخبار اليوم متعة أخرى مهمة تحصيلها عليك أنت. مصطفى بك كان مؤمنا بأن التشجيع هو سر النجاح والنبوغ وكلمة برافو هي إكسير التفوق الذي يخلق الإبداع ويجعل صاحبه دائما في الطليعة، كنا نتسابق ونتنافس لكي نسمع منه برافو جديدة ولم يكن يضن بها بل هي دائما لمن يستحقها في الوقت المناسب وكان لها مفعول السحر. بعد أول يوم عمل لنا صعدنا إليه بالقصاصات فقام إلينا متهللا كأننا فتحنا عكا ووزع علينا الشيكولاته وهو يقول لكل منا برافو وكان ذلك سبب حرصنا على نأتي في اليوم التالي مبكرا، وقد وعيت ذلك الدرس جيدا وعملت به طوال مشواري الصحفي فكان يُخْرِج من زملائي الذين عملوا معي دررا لم يكن يتصورها أحد وفى أوقات قياسية. ولا أنسى تشجيعه لنا ونحن الأربعة تحت التدريب في قسم الأبحاث فقد صعدنا إليه بعد فترة وقلنا له إحنا ماناخدش مكافأة زى فلانة ليه؟ فضحك وقال هو أنتم عاوزين مكافآت مش كفاية عليكم التدريب في أخبار اليوم. ولما رأى وجومنا ضحك مرة أخرى وقال بس أنت برافو عليكم وأرسل لمدير مكتبه قرارا بصرف مكافأة شهرية خمسة جنيهات لكل واحدة منا وكدنا نطير فرحا ليس للمبلغ وإنما للبرافو. صحافة وحب وحياة ودروس أخبار اليوم الدار الصحفية ؟ - هذه استقيناها من أستاذ الجميع على أمين لقد كان في كل تصرف من تصرفاته درساً بليغا لاتقدر قيمته وهو كان مكملا لتوءمه، فمصطفى العقل وعلى القلب والعاطفة، ورغم التوأمة كنا نعرف أنهما مختلفا الشخصية والتصرفات، فكنا نخشى غضب على رغم سرعة عودته للهدوء وصفاء نفسه، لذلك كان بالنسبة لي الأب الروحي الذي يحميني ويدافع عنى حتى في خلافاتي الزوجية، كما كان أخوه هو الأب الذي تبناني ووقف إلى جانبي يشجعني ولايتخلى عنى من البداية وحتى اختاره الله لرحمته، ولم يكن ذلك بالنسبة لى وحدى وإنما بالنسبة لكل أعضاء أسرة أخبار اليوم. لقد زرع الاثنان شجرة الحب وهما يضعان أساس بناية الدار فظلَلَت أوراقها كل من انتسب لها، عندما يعلمان بحب اثنين من الزملاء كانا يسعدان أكثر منهما ويظلان يشجعانهما حتى يتزوجا فيهديانهما بعض أثاث عش الزوجية ويقيمان لهما حفلة الزواج على نفقتهما في روف الدار ويدعوان إليها كافة فناني مصر، لذلك استوعبنا جميعا درس الحب وأصبحنا لانعيش الصحافة فقط في أخبار اليوم بل ارتبطنا بها نفسيا وعضويا ونعيش حياتنا أيضا فيها نكتب ونتابع التوضيب والطبع ونتنفس الأحبار ونسهر مع بعض ونأكل معا وبعضنا كان ينام أيضا على مكتبه. الدرس الأول من على أمين لي كان ضرورة الجرأة وتنمية مصادرك وأن تكون صحفياً نداً مؤدباً لمصدرك بتثقيف نفسك لكي يحترمك، بعد فترة من تدريبي استدعاني على بك إلى مكتبه وأخبرني أنه تم تعيينى وأنه قرر أن يكون مكتبي في نفس الغرفة التى يجلس فيها عبقري السخرية الأستاذ محمد عفيفى ويفصلني عن الأستاذ أنيس منصور حائط خشبي وعلىّ الاستفادة منهما والتعرف على ضيوفهما، وبالفعل كلما كان يأتى ضيف من عمالقة الأدب والثقافة والفن إلى الأستاذ أنيس كان يدق ثلاث دقات على الحائط الخشبى فأذهب إليه لأجد قمة من القمم يعرفني عليها ويدفعني للحديث معها ويفك عقدة لسانى. وهكذا تعلمت فى أخبار اليوم الأخذ بيد الصحفي الناشئ وجعله قامة بجوارك ولا تخشاه لأن قامتك ستعلو به وبغيره فلا تحاول هدم أحد منهم. والأستاذ عفيفي كان أحد المؤسسين لجماعة حرافيش أديب نوبل الأستاذ نجيب محفوظ وكان ينقل لى كل يوم سبت أحداث لقاء الجماعة الخميس الذي يسبقه فاستفدت منه كثيرا ومن زواره وتأثرت فكريا بذلك. وكنت أمر على مكاتب جيرانى في أهم أدوار الدار لأنهل من رحيق أدبهم وفكرهم. الأساتذة أحمد بهاء الدين ومحمد حسنين هيكل ويوسف السباعى وكامل الشناوى، وجلال الدين الحمامصى ومحمد زكى عبد القادر وأحمد الصاوى وكمال الملاخ وموسى صبري وصلاح هلال وغيرهم. درس الاعتراف والتسامح بقدر اهتمام الأخوين أمين بالصورة الصحفية كمادة تخدم الموضوع التحريري وخبر متكامل فى أحيان كثيرة، كان اهتمامهما أيضا بالرسومات الكاريكاتيرية مصاحبة لليوميات وبعض القصص الإخبارية ولقي الرسم الكاريكاتيرى السياسي اهتماما فائقا من أخبار اليوم، وعندما علم على أمين أنى أرسم الكاريكاتير طلب منى حضور الاجتماع الأسبوعي الذي كان يعقده لوضع فكرة الكاريكاتيرالسياسى للصحيفة ويحضره صاروخان ورخا عمالقة هذا الفن الذي دخل مصر حديثا وتبنته صحيفتنا برعاية على بك الذى كان يشركنى فى نقاش الأساتذة ويأخذ برأيى أحيانا ثم يتركنى معهما أصقل موهبتي. وطلب منى على أمين أن أرسم يوميات الأساتذة الكبار الذين كانوا يكتبون لنا، وأيضا أرسم صور حلقات المسلسل اليومي الذي ابتدعته أخبار اليوم للصفحة الأخيرة فحظى بإقبال كبير من القراء لشعبيته وكان اسمه حسن وفاطمة ويكتبه محمدكامل حسن أشهر كاتب للمغامرات وقتها وتسلمت ثمانية حلقات منها لأرسمها ولسبب ما تلخبطت رسوماتى واختلفت عن الكتابة وأقفلت المسلسل، وقابلني في الصباح بعد النشر الأستاذ هيكل وسألنى عملتى إيه؟ الدنيا مقلوبة فوق، وصعدت ركضا لمكتب على بك لأستطلع الأمر وفى المكتب المجاور التقيت بصاحبه الفنان التشكيلى منير كنعان الذى هدأنى وسألني بصراحة كده إنت غلطانة ؟ فاعترفت بخطئى فطلب منى بهدوء أن أعترف بذلك لهم بالداخل، وارتحت لكلامه وطرقت الباب ودخلت مطرقة الوجه فهاج الحضور وماجوا وزعق على بك إنت هببت إيه ؟ وبصوت خفيض قلت أنا غلطانة وفوجئت بانتفاض على أمين من مقعده ليحتضننى ويعلن بصوت جهير ماحدش يكلم بنتى سناء وانت يامحمد كمل الرواية على كده، ثم سأله إيه صعبة عليك دى أكملها أنا ؟ وعلى الفور أجاب لأ حاأكملها. وعندما خرجت سألنى كنعان عما تم فأخبرته وقلبى يخفق له فدعانى ليرسمنى فى لوحة رائعة أحمل باقة ياسمين أصبحت غلافا لمجلة آخر ساعة وبداية الطريق لزواجنا. مسئولية مقابل الثقة وبعد فترة استدعاني على بك وأبلغني أنه سيجعلني أول محررة رياضية في مصر وأنه نشر إعلانا بذلك لأنه عرف هوايتى للفروسية ولكنى لم أتحمس وأبلغته إنني لاأعرف نادى الأهلى من نادى الترام ففكر لحظة وقال طيب روحي مندوبة فى المطار ومحررة الطيران حاتزورى بلاد الدنيا وتتوسع معارفك وهاتى لنا من هناك موضوعات مثيرة، وكتب كتابا لرئيس الشركة الوطنية الذي ما أن قرأه حتى قام ليصحبنى فى جولة بالطائرة فوق القاهرة وبعد عدة أيام لم أجد نفسي في هذا الموقع فأخبرت على بك فأصدر قرارا بتوليتي رئاسة قسم المرأة فى آخر ساعة وكنت أصغر رئيسة قسم معي أساتذة كبار أمثال إحسان عبد الغفار وعزيزة ثابت اللواتي كن يتعاون معي بروح الأسرة الواحدة والأخوة الصادقة، وبعدها كلفني على أمين بتحرير باب قيل وقال وحدي وهو باب يجمع بين أخبار المجتمع والموضة والفن والثقافة في مختلف بلاد العالم وكلفني بعد وفاة الأستاذة فتحية بهيج بتولي مسئولية باب النص الحلو في آخر ساعة أيضا. طفشونى من بيتي وماذا دعاكِ لترك دار أخبار اليوم؟ - هجرتي من بيتي أخبار اليوم تماثل تماما هجرة الطيور لأعشاشها، مضطرة وباكية. لقد طفشونى من أخبار اليوم فبعد تأميم الصحف تسلم دارها اليساريون وأحكموا قبضتهم، وفى أحد أيام 1964 عدت من سفر ففوجئت بسكرتير السيد كمال رفعت المفوض على الدار يطلب منى الحضور فورا لمكتبه حيث سألني بصلف عن معنى الكاريكاتير المرسوم مع يوميات أنيس منصور اليوم وأسباب رسمي له ،أخبرته أنني كنت مسافرة وحضرت اليوم فقط ولم أرسم شيئا، فقذف لي الصحيفة فوجدت توقيع كمال الملاخ على الرسم الذي كان واضحا أنه من الأرشيف ووضعوه مع اليوميات! وعوقب أنيس ونجا الملاخ لأنه كان انتقل للأهرام، أما أنا فعدت لزوجي أبكى فذهب إلى الأستاذ هيكل وأخبره فأخرج ورقة وكتب فيها قرار تعييني ووقعه دون وضع تاريخ استلام العمل الذي ترك تحديده لي.