في العقود الزمنية التي سبقت ثورة 25 يناير، كان المصريون علي موعد مع حدث كبير كل عدة شهور أو عام وربما عدة أعوام يكون محور أحاديث واهتمامات الناس لفترة طويلة تعقبه ربما يعود ذلك أننا لم نكن نري أو نعايش حراكا سياسيا علي أي مستوي واستقرارا كان أقرب للجمود والموات لكن بعد الثورة تسارع المعدل فأصبحنا علي موعد مع حدث جديد كل أسبوع أو أكثر، لكن في الشهور والأسابيع الماضية أصبحت الأحداث تتوالي ربما كل يوم وهذا مؤشر علي حراك سياسي شديد التعقيد والاضطراب والارتباك في المواقف والمسارات، فلا أحد يعرف علي وجه الدقة ماذا يحدث ليس في الغد وإنما بعد عدة ساعات ، وربما يعود ذلك للطفرة الهائلة في تكنولوجيا الاتصالات وعصر الإنترنت وأجيال الشباب التي أصبحت تشكل نصف تعداد سكان مصر تتواصل علي مدار الساعة من خلال صفحات الفيس بوك وتويتر والفضائيات فالأحداث الكبيرة التي تغير مسارات الأمم وتكون محورية ومفصلية في تاريخها هي سلسلة متصلة من الأحداث الصغيرة مثل كرة الثلج تكبر شيئا فشيئا مكونة في النهاية الحدث الأكبر. خطورة الأمر في أيامنا هذه أن المصريين وصلوا لدرجة غير مسبوقة من الانقسام في الشارع وداخل الأسرة الواحدة وبين الأجيال وهو ما يقتضي جهودا مضاعفة للم الشمل ، النخب في أقصي درجات تناقضها ، لاتجد مثقفا من تلك النخب يتسم بالثبات في مواقفه الفكرية أو السياسية بين يوم وآخر ، الحكومة الحالية لانجد لها بصمة واضحة في الحياة اليومية للمصريين فالانفلات الأمني علي حاله، بل يزداد وطأة لتشتت جهود الأجهزة الأمنية واتساع دورها وعدم قدرتها علي القيام بهذه المهام كلها في وقت واحد ، الأزمات اليومية وتوفير ضرورات المعيشة لم تنجح في حلها مثل أزمة البوتاجاز والوقود والخبز وفوضي المرور ولم نر لها خطة محددة للتخفيف عن كاهل الشعب!! لكن الأخطر هو التدخلات الدولية في الأزمة والتي تزيدها تعقيدا في الوقت الذي تسعي هذه الأطراف ليس لصالح المصريين ولكن لمصالحها وأطماعها في المنطقة وحرصها علي إبقاء مصر في حالة من الضعف والوهن، ولعل التقارب الأمريكي - الإيراني مؤخرا (بين أعداء الأمس ومن كانا يطلقان علي بعضهما البعض محور الشر والشيطان الأكبر) والذي توج باتفاق جنيف (مجموعة 5 + 1 ) منذ عدة أعوام خير دليل علي ما يشكله من خطورة علي باقي الأطراف في المنطقة ماعدا إسرائيل المستفيد الأكبر من كل مايحدث من أزمات في مصر وبلدان ثورات الربيع العربي. ونأتي إلي لجنة الخمسين التي تقترب من المرحلة النهائية لعملها بالتصويت علي مسودة الدستور الجديد بعد تعطيل دستور 2012 التي سادت الخلافات بين أعضائها بسبب المواد الشائكة التي تم تعديلها، مثل هوية الدولة والكوتة فيما يسمي بالتمييز الإيجابي لبعض فئات المجتمع كالأقباط والمرأة ونسبة العمال والفلاحين في المجالس النيابية ومحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري وتوصيف الإرهاب وغيرها من قضايا ، تشكيل اللجنة أثار الكثير من اللغط وكذلك سرية أعمالها وعدم كفاية الوقت المخصص لإتمام هذه التعديلات كل ذلك أدي إلي لتصاعد الجدل في أوساط العمال والفلاحين والقضاة والفنانين والشباب وغيرهم ، ولعل أخطر مافي التعديلات مايخص الكوتة وهذه المسألة ستفتح بابا واسعا للمزيد من الانقسام والتفتيت لوحدة المجتمع لأن القاعدة أن الجميع متساوون في الحقوق والواجبات وأن قاعدة الاختيار للشعب ومعيار الكفاءة والقدرة علي خدمة البلد هي الأساس في أي ديمقراطية وليس غيرها، وكذلك مسألة مدنية الدولة في الديباجة. إن مسودة الدستور لابد أن تصل من خلال الحوار المجتمعي إلي صياغات تنهي الخلافات بين فئات الشعب ومؤسسات الدولة وضرورة الفضل بين السلطات والحقوق والحريات ووضع الأسس والقواعد التي تضمن سلامة نسيج وبنيان المجتمع. والوقت لم يفت بعد لإصلاح الشروخ المجتمعية ولم الشمل وأن تتوقف تلك النغمة غير المقبولة حول شعبين، فمصر ستظل أبد الدهر شعبا وأمة واحدة شبابا ونساء وشيوخا ومسلمين وأقباطا، المهم أن تصلح النوايا وأن نضع أقدامنا من جديد علي أرضية من المصارحة والمكاشفة وأن يحاسب كل من أخطأ وفقا للقانون وقواعد العدالة، ولايجب أن ندع مصر نهبا للمصالح الشخصية والفئوية وأطماع الخارج، ولابد أن تجني الأجيال القادمة ثمار ما حققه جيل الآباء والأجداد فهم زهور الحاضر والأعمدة التي سيقوم عليها بناء المستقبل. مشكلتنا أن المرحلة الانتقالية طالت وامتدت وترك ذلك آثارا سلبية علي كافة مناحي الحياة دون أفق واضح لنهايتها في القريب العاجل أو البعيد وهذا أيضا حال البلدان التي شهدت ربيعا ثوريا وتعاني من نفس الأزمات وربما بصورة أكبر وأكثر تعقيدا.