"فتحي رضوان".. أسماً ربما لا يعرفه كثير من الناس، ولم يسمع عنه معظم شبابنا، اسم غائب حاضر بيننا..ناضل كثيراً من أجل استقلال الوطن، وكافح طويلاً من أجل الحريات، وله تاريخه الوطني ونضاله المرير منذ الملكية حتي عهد مبارك. فتحي رضوان كان معروفاً لدى السجون المصرية من كثرة اعتقاله في عهد الاستعمار وأعوانه، ومعروف أيضاً في الأوساط القضائية حيث عمل محامياً ومدافعاً عن القضايا الوطنية، وليس بين أسماء الطبقات الأرستقراطية رغم أنه كان رئيساً للحزب الوطني الجديد، ثم وزيراً في عهد عبدالناصر، ورغم ذلك مات فقيراً، ذلك لأنه عاش نزيهاً عفيفاً. ليس كل ذلك فحسب بل كان رضوان معروفاً وسط الأدباء بأدبه ووسط المثقفين بسعة أفقه وبين السياسيين بفصاحة رأيه وبين جموع الشعب مواطناً منهم. سجن وهو ابن السبعين لمطالبته بالحرية لنفسه ووطنه ولم تشفع له شيبة شعره وهو هزلان الجسد فاستحق أن يكون بلبلاً نشد الحرية لوطنه الحزين. نشأته ولد فتحي رضوان في مدينة المنيا بمحافظة المنيا 14 مايو 1911م ليس من أصل صعيدي غير أن والده كان يعمل مهندساً للري في هذه المدينة، ثم انتقلت الأسرة بعد ذلك بعامين أو ثلاثة إلى القاهرة، واستقر بها المقام في حي السيدة زينب شارع سلامة، وفي هذا الحي تشّرب الوطنية حيث التيارات الوطنية والفكرية التي كان يزخم بها الحي، كما كانت نشأته الوطنية لها أثر عظيم في تكوين شخصيته فكانت أمه من أنصار مصطفى كامل وكانت تنشد لابنها أن يسير على نهج مصطفى كامل، كما أن أخته كانت زعيمة الطالبات في المدرسة السنية. التحق بالمدرسة الأهلية ثم مدرسة محمد علي وحصل على الابتدائية عام 1924م، وحصل على الثانوية من إحدى مدارس أسيوط حيث كان والده يعمل هناك، تعرف منذ الصغر على أحمد حسين التي توطدت بينهما الصلة وصارا أصحاباً، وظلت هذه الصحبة حتى في العمل الوطني حتى انفصلا عن بعضهما البعض عام، نبغ فتحي رضوان سياسياً وفكرياً في المرحلة الثانوية، وبعد حصوله على الثانوية التحق بكلية الحقوق عام 1929م وتخرج عام 1933م ليعمل في مجال المحاماة. حياته السياسية نشأ فتحي رضوان في بيئة وطنية منذ الصغر، وتكاملت ملكاته السياسية، وهو بإلتحاقه بكلية الحقوق ونشأته مع صديقه أحمد حسين والذي أحدث هزة في كيان المستعمر، كما عمل على عقد مؤتمر للطلبة غير أن العراقيل وُضعت أمامه ولم يقتصر على ذلك بل عمل على تشجيع الصناعات الوطنية عن طريق المناداة بإنشاء مصنع وطني للطرابيش. بعد تخرجه أنشأ مع صديقه حزب مصر الفتاة عام 1933م وظل رضوان به حتى عام 1937م حيث اختلف مع صديقه حول بعض الرؤى، وانضم للحزب الوطني إلا أنه لم يرق له أسلوبه في تعامله مع قضايا الأمة ، فأنشأ عام 1944 الحزب الوطني الجديد على مباديء الحزب الوطني الذي أنشأه الزعيم مصطفى كامل. كما أصدر جريدة اللواء الجديد حيث صدر العدد الأول منها في 12 نوفمبر 1944م وظل الحزب قائماً حتى حُلّت الأحزاب عام 1953 م . تعرض فتحي رضوان للاعتقال كثيراً لمخالفته سياسة المستعمر الإنجليزي وعدم السير في ركابها، ولاعتراضه على بعض تصرفات الملك فاروق ، كما عارض وجود المحتل على أرض وطنه عارض الحكومات التي كانت تسير في ركابه فاعترض على معاهدة 1936 م التي عقدها حزب الوفد مع الإنجليز وكانت خزياً وعاراً على مصر، كما اعترض على المفاوضات التي كانت تجريها الحكومات مع المحتل وكان شعاره لا مفاوضات إلا بعد الجلاء. ترشح في الانتخابات النيابية مرتين قبل الثورة ولم ينجح فيهما بسبب التزوير الذي كان يحدث، تمّ اعتقاله بعد حريق القاهرة في 26 يناير 1952م وظل في المعتقل حتى قيام ثورة 23 يوليو . حيث أخرجته حكومة علي ماهر باشا والتي اختارها الجيش ليكون وزيراً بها وظل وزيراً للدولة ثم وزيراً للإرشاد القومي " الإعلام حالياً " حتى خرج من الوزارة عام 1958م إثر خلاف مع عبد الناصر حول بعض المفاهيم والسياسات. كما كان نائباً في مجلس الأمة عن دائرة مصر الجديدة ، ظل فتحي رضوان مناضلاً ضد سياسات السادات، ومعارضاً لها حتى اعتقل في أحداث سبتمبر 1981، وبعد خروجه عمل على إيجاد لجنة لحقوق الإنسان المصري وعمل بها من أجل أن ينال كل إنسان حريته . وفي خضم الاحتفالات الشعبية بانتصار مصر على العدوان الثلاثي، وامتلاك المصريين لأول مرة لمقدرات بلدهم اقتصادياً، وسياسياً، وفي أوج الزهو القومي، قررت وزارة الإرشاد القومي "وزارة الإعلام" التي كان يتولاها شيخ المجاهدين فتحي رضوان تأسيس مجلة المجلة المصرية لتكون منارة فكرية تصدر من القاهرة منفتحة على الفكر الإنساني وتنشر العقلانية، والمعرفة بين ربوع الوطن العربي ومصر بعد تأميم قناة السويس، ومعركة بورسعيد أصبحت مركز الثورات في الوطن العربي، والعالم، وأصبح من حق الإنسان المصري أن يعرف ما الذي يدور حوله في العالم من أفكار وتيارات. لم يكن فتحي رضوان ذلك السياسي البارع فحسب، أو المناضل الذي اشتعل قلبه بجذوة الإيمان فقط، بل كان مثقف الفكر، عذب الحديث، تأثر بتولستوي في تكوين مزاجه الفكري كما تأثر بمصطفى كامل في تكوين ملكاته السياسية، أثر فتحي رضوان على العديد من المثقفين في مصر والعالم العربي ولا زال يؤثر. مؤلفاته 72 شهرًا مع عبد الناصر أسرار حكومة يوليو الخليج العاشق حركة الوحدة في الوطن العربي خط العتبة دموع إبليس ديفاليرا طلعت حرب بحث في العظمة وفاته ظل فتحي رضوان طيلة سبعة وسبعين عاماً مناضلاً من أجل الحرية، وظل كذلك حتى وافته المنية في 2 أكتوبر 1988م، ودفن بجوار زعيميه مصطفى كامل ومحمد فريد . رحم الله هذا السياسي المناضل والوطني الغيور والمفكر المثقف، وإن كان رحل عنّا بجسده إلا أن وطنيته ستظل شموعاً يستضاء بها نحو إنشاد الحرية.