يعمل المصريون كعادتهم دون مقابل عندما يكون النشاط وطنيا خالصا، فهم لا يأخذون أجرا في الحرب بل يدفعون الثمن في الحفر؛ 24إبريل..ذكري حفر قناة السويس. بدأت فكرة حفر قناة لربط البحرين الأبيض والمتوسط منذ عهد الفراعنة ومرورا بالعصور الإسلامية والعباسية، وحاول كل من مر على البلد غازيا أو حليفا أن ينفذ الفكرة لما لها من أثار ماديه واقتصاديه هائلة، ولكن خلال كل تلك الفترات كان دائما يوجد سبب ما يوقف الحفر أو يمنعه. أول من اقترح حفر القناة كان الملك سيتي الأول عام 1310 ق.م، ثم الملك نخاو عام 610 ق.م، ثم الملك دارا الأول عام 510 ق.م،ثم بطليموس عام 285 ق.م، حتى جاء الإسكندر الأكبر 335 ق.م، ثم ملك الرومان راجان عام 117 ق.م، وفي العصر الإسلامي أمير المؤمنين عمرو بن العاص عام 640م، وقد سميت محاولات حفر القناة خلال كل تلك المراحل بأسمائهم، ولكن نتيجة لبعض الظروف السياسية في ذلك الحين كان يتم إغلاقها، كأمر الخليفة أبو جعفر المنصور بسد القناة عندما اندلعت أحداث عنف وثورة على العصر العباسي في مكةالمكرمة، فأمر بالغلق لمنع وصول أي إمدادات مصرية لهم. لم يمانع أحد من المصرين على أي من تلك المحاولات، حتى عندما دخل الأتراك إلى مصر وظهر "محمد علي" في العصر الحديث، حيث رأى أنه وراء امتيازات سيناء الاقتصادية قدر آخر مماثل من المشكلات، فرفض الفكرة قائلا:"لا أريد بسفورا جديدا" ، - قاصدا البسفور التركي الذي جلب العديد من المشكلات لاسطنبول وقتها بسبب موقعة الإستراتيجي بربط قارتي آسيا وأوروبا سويا.- مجيء الاحتلال بعد ذلك بنظرته الرأسمالية والنفعية لم يرى في مصر سوى آلة لجلب المزيد من المال، ولم يهتم نائب القنصل الفرنسي بمصر فيرنارد دي لسبس وقتها بدماء 341080 مصري وآثر الاستمرار. تولى محمد سعيد باشا حكم مصر في 14 يوليو 1854 فتمكن مسيو دي لسبس - والذي كان مقرباً من سعيد باشا - من الحصول على فرمان عقد امتياز قناة السويس الأول،الذي جاء فيه أن مدة الامتياز للشركة الفرنسية 99 عاما من تاريخ الافتتاح، ثم طرحت أسهم القناة بعد ذلك للاكتتاب العام. عانى المصريون خلال الحفر أشد المعاناة فبين نقص المياه والطعام والشراب والعمل لساعات طويلة بالسخرة، و انتهاءا بانتشار أمراض الطاعون والجدري، لم يحصل المصريين على أية مقابل. بلغت تكلفة الحفر و التجهيز و المعدات 20 مليون جنيه إسترليني في ذلك الوقت، و بلغ طول قناة السويس من بورسعيد شمالاً إلي السويس جنوباً حوالي 165 متراً، وافتتحت رسميًا للملاحة في عهد الخديوي إسماعيل في 17 نوفمبر 1869م، أثناء احتفالات كبرى حضرها أغلب ملوك وأمراء أوروبا. و قام الرئيس جمال عبد الناصر أخيرا و بعد ثورة يوليو 1952، بتأميم القناة 1956م لتصبح الإدارة مصرية خالصة، بعد أن دفع شعبها الثمن.
