في 13 مايو عام 4391 جاء انطلاق الإذاعة المصرية ليحدث قفزة هائلة في مجال علوم الاتصال في القاهرة وبقية العواصم العربية الشقيقة التي تربت كوادرها الإعلامية في إطار منظومة الكلمة المسموعة التي تعمل تحت شعار الأذن تري والعين تتخيل والعقل يتغذي بالمتعة والفن والفكر والقلب يخفق بدماء العلم والمعرفة والتنوير. وكانت الإذاعة المصرية أشبه بالجامعة التي تضم بين روافدها كل مجالات المعرفة فلعبت دورا مهما في تشكيل وجدان الأمة وامتد تأثيرها ليغطي المنطقة العربية بأكملها واحتلت أيضا مكانة مرموقة بين دول العالم التي تمتلك إذاعات عريقة سبقتنا بعشرات السنين. وتواكب علي قيادة راديو القاهرة أصحاب قامات عالية من كبار الإذاعيين ساروا بها إلي آفاق الريادة في شتي المجالات البرامجية والدرامية ومرورا بكل أشكال وصور ومفردات العمل المسموع. وابتكارات رواد الإذاعة المصرية في تصميم الخريطة البرامجية خلال ساعات البث علي الهواء مباشرة كانت علامة فارقة في مجال الإبداع وترتب عليه حراك شمل كل المطبوعات الصحفية فالإعلام المقروء أصبح لا يلعب في الساحة بمفرده بعد ان أصبح له منافس خطير اسمه الإعلام المسموع ويزدان عبر الأثير بأصوات المشاهير من أهل السياسة والأدب والفن ورجال الفكر والفقهاء في علوم الدين والحديث والسنة حيث تعلق المستمعون بكتيبة رائعة من المتحدثين خلف الميكروفون أمثال فكري أباظة وطه حسين وعباس العقاد وغيرهم من رموز عصر التنوير آنذاك. وعندما جاء التليفزيون في الستينيات تحمل الإذاعيون الكبار مهمة تكوين مدرسة الإعلام المرئي فقدموا للشاشة الصغيرة جيل الصفوة من الكوادر الإعلامية الذين نجحوا في بناء الضلع الثالث من مثلث المعرفة والثقافة والفكر لدي أبناء هذه الأمة وشهدنا سباقا محموما بكل عناصر العمل الإعلامي المقروء والمسموع والمرئي لإحداث نقلة حضارية غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديثة. واذا كنا نحتفل بعد 84 ساعة بعيد ميلاد الإذاعة المصرية رقم 67 فإننا لابد أن نحيي كل الرواد الذين أثروا بفكرهم وعطائهم الراديو وحافظوا علي مكانته الرفيعة حتي الآن في ظل منافسة شرسة في تكنولوجيا علوم الاتصال والأقمار الصناعية وعصر الفضائيات الرهيب الذي حول العالم كله إلي قرية صغيرة. ومن موقعي كشاهد عيان وكناقد أمضي 53 عاما من عمره داخل جنبات الإذاعة المصرية وتعرف عليها بين الأمس واليوم أقول ان الراديو الآن يعيش في أزهي عصوره في ظل قيادة الإعلامية القديرة والكبيرة انتصار شلبي رئيس الإذاعة التي نجحت في خلال عام واحد منذ توليها مهام منصبها الرفيع أن تحدث تطويراً وتحديثاً ضخماً في كل الشبكات وأن تقيم مسابقة »الإذاعيون يبدعون« بين أهل البيت لإعادة البريق والتوهج واللمعان لبرامج الراديو وأن تعود للإذاعة مكانتها المرموقة بين شقيقاتها العربيات وان يظهر جيل جديد من المبدعين ويعملوا في ظل أوضاع مالية جيدة وداخل ستديوهات تحترم آدمية الإنسان ومزودة بكل الأدوات التي تساعد الإذاعي علي اجادة عمله علي الهواء وهو مرتاح النفس ونشيط العقل وهادئ الأعصاب. وكل سنة والإذاعة المصرية بخير وهي تؤدي دورها في حمل مشاعل التنوير ونحن نعيش مع الرئيس مبارك أزهي عصور الديمقراطية في الكلمة المسموعة والمقروءة والمرئية.