اشارت احصائية حديثة في فرنسا الي تزايد أعداد الفرنسيين الذين يؤمنون بالخرافة والشعوذة رغم مظاهر التقدم والحضارة التي يعيشها المجتمع الفرنسي .. واكدت هذه الإحصائية ان عشرة ملايين من الرجال والنساء في فرنسا يواظبون علي استشارة العرافين والدجالين كل عام بحثاً عن حلول لمشاكلهم الإجتماعية والإقتصادية والعاطفية. ويقدر عدد العرافين والمنجمين في فرنسا بما يزيد علي 051 الف شخص يزعمون قدرتهم علي علم الغيب وقراءة الطالع وتسخير الجن والعفاريت في خدمة زبائنهم الذين يدفعون اموالاً طائلة بحثاً عن حلول سحرية لما يواجههم من مشكلات او طمعاً في تحقيق مكاسب دون الحاجة لبذل الجهد والعرق. ووصلت الأمور الي درجة لجوء العشاق الفرنسيين الي المشعوذين لمساعدتهم في علاقاتهم العاطفية الفاشلة من خلال الاحجبة والتعاويذ والوسائل السحرية الأخري التي يتوهمون قدرتها علي التأثير في مشاعر الطرف الآخر. كما يلجأ البعض الي الدجالين لمساعدتهم في الحصول علي وظيفة مرموقة او النجاح في الإمتحانات او حتي الكيد للأعداء والحاق الأذي بالخصوم والمنافسين!! والغريب ان هذه الظاهرة تتكرر في العديد من المجتمعات الصناعية المتقدمة التي اصبحت تنافس الشعوب الإفريقية والنامية في ايمانها بالخرافة. والأكثر، او الأخطر، من ذلك ان هذه المجتمعات المتقدمة اصبحت تستخدم احدث ما توصلت اليها لحضارة من منجزات علمية مثل برامج الكمبيوتر في خدمة ممارسات الشعوذة وطقوس التخلف والجهالة حيث يزعم بعض الدجالين قدرتهم علي الإتصال بالجن والعفاريت من امثال "شمهورش" عن طريق شبكة الإنترنت! والمشكلة بالتأكيد ليست هي مجرد شعور بعض الناس بالقلق لدرجة طرق كل الأبواب من اجل حل مشاكلهم والإطمئنان علي مستقبلهم. المشكلة الحقيقية هي اللجوء الي اساليب متخلفة كانت سائدة خلال فترات ما قبل الحضارة. فقد كانت محنة الشعوب البدائية قبل عصر العلم والثورة الصناعية هي الشعور الدائم بالخطر من قوي مجهولة ولم يكن هناك من سبيل لمواجهة هذا الخطر سوي الإستعانة بقوي ميتافيزيقية تنتمي لعالم ما وراء الطبيعة. أما إنسان العصر الحديث، فقد اتاح له التقدم الحضاري والتكنولوجي امكانية كشف كل مصادر الخطر التي تهدده بالإضافة الي وسائل التعامل معها وجهاً لوجه .. وبمعني آخر، لم يعد الإنسان وحيداً في الظلام يصارع قوي لا يعرفها وليس امامه من يستعين به سوي قوي مجهولة اخري كانت في واقع الأمر تزيد المشكلة تعقيداً بدلاً من ان تحلها! والتفسير الوحيد لهذه الردة الحضارية ان الطابع المادي للعصر الذي نعيش فيه قد فرض نوعاً من العزلة علي الإنسان وافقده ثقته في نفسه وفي قدرته علي تطوير حاضره وتأمين مستقبله. هكذا، وجد الإنسان المعاصر نفسه في نفس موقع اسلافه البدائيين وتجاهل كل المنجزات العلمية والحضارية وذهب الي اوكار الخرافة والشعوذة يبحث عن مساعدة الدجالين والجن والعفاريت. ومن المؤكد انه سيصل الي نفس النتيجة التي وصل اليها قبله كل من ساروا علي درب التخلف والهمجية فخذلهم الجان ولم تنفعهم العفاريت التي نسأل الله ان يجعل كلامنا خفيفاً عليهم!!