التعامل مع المرحلة الإنتقالية تم باسلوب »حلاقين الصحة«! الاقتصاد المصري يحتاج إلي »أنبوبة أكسجين« قبل فوات الأوان هذه حقيقة.. لكنها ربما تصل إلي حد النكتة! الثلاثون عاما فترة حكم »المخلوع وشركاه« كانت الفترة الوحيدة في تاريخ مصر التي لم تدخل فيها البلاد حروبا، وهذه الفترة شهدت تدفقات لا حصر لها من الأموال سواء استثمارات عربية أو أجنبية والمصرية بطبيعة الحال.. كل هذا كان يعني انتقال مصر إلي مرحلة تنمية اقتصادية تستحقها. ولكن - للأسف- ازدادت الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية سوءا بعد الثلاثين سنة إياها لدرجة أن 04 في المائة من المصريين أصبحوا تحت خط الفقر بجانب تدهور الخدمات ومختلف القطاعات الاقتصادية! حدث ذلك بمصر في وقت كانت دول مثل ألمانيا واليابان قد شهدتا تدميرا تاما لكنهما أصبحتا من الدول الصناعية الكبري خلال بضع سنين! ولكل ذلك قامت الثورة.. تلك كلمات اطلقها د. حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة في بداية حوار حول تحديات الاقتصاد المصري وأولويات الخروج من الأزمة من خلال لقاء شارك فيه عدد من خبراء الاقتصاد والمال والأعمال والسياسة ونظمه كل من بيت الحكمة للدراسات الاستراتيجية ومركز الحضارة للدراسات السياسية وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة. القضية المطروحة في غاية الأهمية والحوار حولها كشف العديد من الألغاز داخل الصندوق الأسود للاقتصاد المصري سواء خلال مرحلة المخلوع أو المرحلة الانتقالية الحالية والسياسات التي تم اتخاذها.. ولعل السؤال الملح الذي يدور حاليا: من المسئول عما حاق بالاقتصاد بعد عام من الثورة.. هل هذا أمر طبيعي أم أنه متعمد ومدبر أم أن السبب يتمثل في التباطؤ وعدم الرغبة في التطهير والاصلاح والمحاكمات.. أم أن الأمر برمته يرتبط بآفات المرحلة الانتقالية؟! ما يحدث- كما قال الخبراء- هو نوع من التعامل مع الأوضاع الراهنة بمنطق »حلاقين الصحة«! التساؤلات طرحتها د. نادية مصطفي أستاذة العلاقات الدولية بجامعة القاهرة ومديرة مركز الحضارة للدراسات السياسية، وفي هذا الصدد أشارت إلي ضرورة التفرقة بين الوضع الحالي للاقتصاد الذي يزداد تدهورا ويجب التعامل معه سريعا ومع الوضع القادم الذي نخطط له. وقالت ان النظام السابق استخدم الفوضي كفزاعة للتحذير من العواقب خلال 81 يوما هي أيام الثورة، وأشارت إلي أن البعض قد يفسر ما يحدث حاليا بأمرين أولهما ان ما يحدث هو نوع من المسكنات مثلما كان يفعل النظام السابق وأن روح الثورة لم تصل بعد إلي صاحب القرار، والثاني يرجعه إلي نية القصد والتعمد والاهمال والتجاهل- وليس عدم معرفة- وذلك للوصول إلي اعتقاد بأن الثورة هي سبب التدهور! وكما تقول د. نادية مصطفي فإنه بعيدا عن أية تفسيرات الأمر يحتم عدم التأخير في نقل السلطة والحاجة ملحة لإعادة هيكلة الاقتصاد المصري الذي يحتاج الآن إلي »أنبوبة أكسجين« عاجلة! كما أن الأمر يحتاج إلي »لوبي« من البرلمان وخارجه لاتخاذ قرارات مالية واقتصادية سريعة مع صياغة خطاب اقتصادي ينال »رضا عام« وتوضيح الحقائق للناس وبث الثقة لديهم. أما د. حسن نافعة فإنه يعتقد أن صاحب القرار غير قادر علي الرؤية خارج الصندوق الاسود للنظام السابق ويتصرف باعتباره امتدادا له.. وليس للثورة!.. ومن ثم إلقاء اللوم علي ما حدث ويحدث علي الثورة والثوار! ومن جانبها اشارت د. منال متولي مديرة مركز البحوث والدراسات الاقتصادية والمالية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة إلي العديد من التهديدات التي تواجه الاقتصاد المصري والتي تؤثر علي قدرته علي جذب الاستثمارات وعلي الصادرات وعلي سعر صرف الجنيه بجانب العجز في الميزان التجاري الذي يصل إلي 52 مليار دولار مع زيادة عجز الموازنة وتراكم الدين المحلي. وأكدت ان التحدي الأكبر يتمثل في قدرة الاقتصاد علي توليد فرص العمل فالأوضاع الاقتصادية لا ترتبط فقط بالدعم أو عجز الموازنة. وقالت ان التكلفة الاقتصادية ستكون أكبر في ظل عدم وجود رؤية يتم تنفيذها بدقة. أما د. عبدالله شحاتة الأستاذ المساعد بقسم الاقتصاد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة فقد وصف التعامل مع المرحلة الانتقالية بأنه مثير للسخرية وتساءل: كيف يكون الاقتصاد في »الانعاش« ونتحدث عن حد أدني للأجور وحوافز ودعوات لعدم دفع غرامات؟! وكيف نتحدث عن ضرائب تصاعدية ونحن نعاني أزمة رغم كونه ليس ضدها.. وقال: لو حدث ذلك سوف يزداد عدد المتهربين! وتساءل أيضا: كيف والاقتصاد يعاني نفتح الأبواب لتقديم طلبات التعيين ليصل عدد الطلبات إلي 7 ملايين طلب في عدة أيام.. هل يعقل ذلك من وزير مالية مصر؟! كما تطرق إلي المطالب الفئوية مشيرا إلي أنه ليس ضدها ولكن.. ليس هذا وقتها! كما تطرق إلي مشكلة الدعم وتسرب المواد البترولية إلي دول أخري لرخص سعر سلع مدعومة مثل السولار وضرب مثالا بأن السلطة الفلسطينية طلبت استيراد السولار من مصر فقيل لها إن سعر اللتر 6 جنيهات.. لكن الأمر انتهي إلي أن تهريبه من خلال الانفاق أرخص بكثير حيث يباع اللتر ب051 قرشا فقط! كما تساءل د. شحاتة عن السر وراء الابقاء علي سعر الجنيه المصري كما هو مشيرا إلي أن صاحب القرار في هذا الشأن يريد ترك مكانه ومصر »علي البلاطة«! وبدوره أعرب د. سامي سلامة أمين سر اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب عن اعتقاده بأهمية بث روح الثقة بديلا عن روح اليأس، وكذا اهمية ترشيد الدعم لكي يصل إلي مستحقيه. تلك الأفكار طرحت من قبيل »التنفيس« عما في صدور أصحابها من ضيق مكتوم! .. وبعيدا عن هذه الرؤي كانت هناك دراسة اقتصادية تتناول تحديات الاقتصاد المصري وأولويات الخروج من الأزمة، وقد استعرضها فريق ثلاثي ضم كلا من وائل زيادة الخبير الاقتصادي ببيت الحكمة للدراسات الاستراتيجية ومدير الأبحاث بالمجموعة المالية »هيرميس« وعمر الشنيطي المدير التنفيذي ورئيس القسم الاقتصادي ببيت الحكمة وأحمد جاد الخبير الاقتصادي ببيت الحكمة والمدير بقسم الأبحاث في هيرميس. هذه الدراسة أشارت إلي ان ثورة يناير كشفت الضعف الهيكلي للسياسة المالية والمؤسسية التي كانت سائدة قبل الثورة. وأكدت أن التخبط الإداري المصاحب لعملية التحول الديمقراطي ساهم في زيادة الدين العام ورفع تكلفة خدمته إلي مستويات عالية. كما أكدت ان الاستمرار بنفس السياسات سيؤدي إلي زيادة التحديات التي يواجهها الاقتصاد وزيادة تكاليف الخروج من الأزمة. والسؤال: ماذا عن التحديات؟ تشير الدراسة إلي أن حجم مصروفات الموازنة لعام 1102- 2102 يصل إلي 005 مليار جنيه يستهلك الدعم منها ما يتراوح بين 52 و03٪ أي 851 مليارا وتستهلك خدمة الديون 02٪.. هذا بجانب 141 مليار جنيه عجزا في تلك الموازنة بعدما كان الرقم 24 مليارا عام 7002/8002، كما وصل حجم الدين العام إلي تريليون و103 مليار جنيه في موازنة 1102/2102 ويصل رقم خدمة الدين إلي 411 مليار جنيه بعدما كان الرقم 18 مليارا في العام المالي السابق. بالإضافة إلي انخفاض احتياطي النقد الأجنبي الذي تراجع ليصل خلال يناير الماضي إلي 61 مليار دولار منخفضا بنحو ملياري دولار في شهر واحد. وبذلك يكون قد تراجع بنحو أكثر من النصف منذ العام الماضي حيث كان آنذاك عند مستوي 63 مليار دولار. وترجع الدراسة أسباب هذا التراجع إلي عدة أسباب أهمها تدخل البنك المركزي لمساندة سعر الجنيه أمام الدولار بضخ السيولة في أسواق الصرف علي مدار العام الماضي. بجانب الانخفاض الكبير في الاستثمار الأجنبي المباشر وتآكل الاستثمار الأجنبي غير المباشر خصوصا استثمار الأجانب في أذون وسندات الخزانة المصرية، هذا بالاضافة إلي نمو العجز في الميزان الجاري رغم ثبات الصادرات ونمو عائدات قناة السويس والقيود المفروضة علي فتح خطابات الائتمان ويعزي ذلك إلي انخفاض عائدات السياحة ونمو واردات السلع الضرورية خاصة الطاقة. ومن ناحية أخري اشارت الدراسة إلي ان انخفاض قيمة الجنيه قادم لا محالة إلا إذا تم سد العجز في ميزان المدفوعات بقروض ومساعدات طويلة الأجل تتراوح بين 01 و21 مليار دولار خلال العام الحالي. وما هو الحل للخروج من الأزمة؟ سؤال طرحته الدراسة وأجابت مشيرة في البداية إلي أن عامل الوقت مهم للغاية واضافت ان الأزمة تحتاج إلي أسلوب علاج يتسم بالشفافية ووضوح الهدف وتناغم الأداء بين الجهات التنفيذية والتشريعية المختلفة وتحييد المصالح الشخصية أو الحزبية، وقد يلزم اتخاذ اجراءات صعبة لتجنب ما هو أسوأ ولذا يلزم حسن الاتصال مع الاطراف المعنية بالقرارات.. وأشارت الدراسة إلي أن أولويات المرحلة الحالية تتمثل في مجموعة من الاجراءات تشمل توصيل الدعم لمستحقيه فقط عن طريق التحويلات النقدية المباشرة وتوفير المهدر من الطاقة والسلع المدعومة بجانب وقف استنزاف احتياطي النقد الأجنبي بالتوقف عن الدفاع عن الجنيه وتخفيض قيمته تدريجيا مع سرعة عودة الانتشار الأمني بالشارع وعودة الاستقرار السياسي لجذب السياحة. وبعد.. ليس هناك ما يقال سوي »الله يخرب بيت اللي كان السبب« وأولهم المخلوع وشركاه!