التمامى.. طرح ورقة عمل بمؤتمر جنيف للحد من الهجرة غير الشرعية    محافظ أسيوط: رفع 80 طن قمامة خلال حملات نظافة وشفط الأتربة    "حماية المستهلك" يشن حملات رقابية على الأسواق للتأكد من نزول الأسعار    رئيس COP28: العالم أمام فرصة استثنائية هى الأهم منذ الثورة الصناعية الأولى    25 ألف فلسطيني يؤدون صلاة الجمعة في الأقصى.. واستشهاد شاب بالضفة    تعظيم سلام لمصر ورئيسها    الأونروا: أكثر من 630 ألف شخص نزحوا من رفح منذ السادس من مايو الحالي    رئيس وزراء سلوفاكيا مازال يرقد بالعناية المركزة بالمستشفى عقب محاولة اغتياله    بوتين: العملية العسكرية في خاركيف هدفها إنشاء منطقة عازلة    بعد إعلان رحيله.. ماذا قدم النني في 8 سنوات مع أرسنال؟    لقاء العمالقة.. شاهد (0-0) بث مباشر مباراة النصر ضد الهلال في الدوري السعودي اليوم    جوارديولا عن التتويج بالدوري الإنجليزي: آرسنال لن يمنحنا فرصة جديدة    رئيس الاتحاد الفلسطيني يكشف تحركاته نحو تعليق مشاركة الكيان الصهيوني دوليًا    غدا انطلاق امتحانات الشهادة الإعدادية بالشرقية    أبرزهم يسرا وسعيد صالح.. نجوم برزت عادل إمام وحولته للزعيم بعد نجاحهم فنياً    ليلى علوي في موقف مُحرج بسبب احتفالها بعيد ميلاد عادل إمام.. ما القصة؟    متحف البريد المصري يستقبل الزائرين غدًا بالمجان.. وينظم عددًا من الفعاليات    محافظ أسيوط ومساعد وزير الصحة يتفقدان موقع إنشاء مستشفى القوصية المركزي    بعجينة هشة.. طريقة تحضير كرواسون الشوكولاتة    وزارة العمل تعلن عن 2772 فُرصة عمل جديدة فى 45 شركة خاصة فى 9 مُحافظات    مؤتمر أرتيتا عن – حقيقة رسالته إلى مويس لإيقاف سيتي.. وهل يؤمن بفرصة الفوز بالدوري؟    تحديث جديد لأسعار الذهب اليوم في منتصف التعاملات.. عيار 21 بكام    موعد عيد الأضحى المبارك 2024.. بدأ العد التنازلي ل وقفة عرفات    «جمارك القاهرة» تحبط محاولة تهريب 4 آلاف قرص مخدر    أوقاف البحيرة تفتتح 3 مساجد جديدة    إعلام فلسطيني: شهيدان ومصاب في قصف إسرائيلي استهدف مواطنين بحي الزهور    «تقدر في 10 أيام».. موعد مراجعات الثانوية العامة في مطروح    جوري بكر تعلن انفصالها بعد عام من الزواج: استحملت اللي مفيش جبل يستحمله    أحمد السقا: يوم ما أموت هموت قدام الكاميرا    هشام ماجد ينشر فيديو من كواليس "فاصل من اللحظات اللذيذة".. والجمهور: انت بتتحول؟    الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم: قد نتوجه لكونجرس الكاف بشأن مشاركة إسرائيل في المباريات الدولية    دعاء يوم الجمعة وساعة الاستجابة.. اغتنم تلك الفترة    مساندة الخطيب تمنح الثقة    الإنتهاء من المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلى لمبنى المفاعل بمحطة الضبعة النووية    تناولها أثناء الامتحانات.. 4 مشروبات تساعدك على الحفظ والتركيز    اندلاع حريق هائل داخل مخزن مراتب بالبدرشين    «المرض» يكتب النهاية في حياة المراسل أحمد نوير.. حزن رياضي وإعلامي    ما هو الدين الذي تعهد طارق الشناوي بسداده عندما شعر بقرب نهايته؟    محافظ المنيا: توريد 226 ألف طن قمح منذ بدء الموسم    المفتي: "حياة كريمة" من خصوصيات مصر.. ويجوز التبرع لكل مؤسسة معتمدة من الدولة    بالصور- التحفظ على 337 أسطوانة بوتاجاز لاستخدامها في غير أغراضها    ضبط سائق بالدقهلية استولى على 3 ملايين جنيه من مواطنين بدعوى توظيفها    آخر موعد لتلقي طلبات المنح دراسية لطلاب الثانوية العامة    كوريا الشمالية ترد على تدريبات جارتها الجنوبية بصاروخ بالستي.. تجاه البحر الشرقي    في اليوم العالمي ل«القاتل الصامت».. من هم الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة به ونصائح للتعامل معه؟    كيف يمكنك حفظ اللحوم بشكل صحي مع اقتراب عيد الأضحى 2024؟    أوقاف دمياط تنظم 41 ندوة علمية فقهية لشرح مناسك الحج    الاتحاد العالمي للمواطن المصري: نحن على مسافة واحدة من الكيانات المصرية بالخارج    تفاصيل حادث الفنان جلال الزكي وسبب انقلاب سيارته    وفد «اليونسكو» يزور المتحف المصري الكبير    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» موضوع خطبة الجمعة اليوم    سعر جرام الذهب في مصر صباح الجمعة 17 مايو 2024    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    "حزب الله" يشن هجوما جويا على خيم مبيت جنود الجيش الإسرائيلي في جعتون    أحمد سليمان: "أشعر أن مصر كلها زملكاوية.. وهذا موقف التذاكر"    محمد عبد الجليل: مباراة الأهلي والترجي ستكون مثل لعبة الشطرنج    «الأرصاد»: ارتفاع درجات الحرارة اليوم.. والعظمى في القاهرة 35 مئوية    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اعجبني هؤلاء
»فريدة« كل شئ فيها يؤكد أنها ملكة!
نشر في أخبار اليوم يوم 17 - 02 - 2012

يرحم الله الملكة فريدة ملكة مصر.. فقد عاشت صديقة غالية، وكانت نبيلة رقيقة.. كل ما تفعله أو تقوله يؤكد أنها ملكة.. حتي عندما لم تعد ملكة فكل تصرفاتها وحركاتها وأدبها ولطفها يؤكد أنها ملكة ولاتزال.. الله يعلم أنها كانت تعاني من قلة الفلوس ومن المبالغ التافهة التي تدفعها الحكومة لها، ولذلك كانت ترسم لوحات فنية وتبيعها. فإذا أنت اشتريت اللوحة وقعت عليها بحرفين: ف ف، أي فريدة فاروق.. ولم تكن لوحاتها تحفاً فنية وإنما لها قيمة تاريخية. وكانت راضية بذلك..
قرأت في الصحف الإيطالية أن جلالة الملكة ميمي ماتت.. نظرت في الصورة. إنها مستديرة الوجه سوداء الشعر والعينين.. الحاجبان غليظان والشفتان. وبسرعة أحسست كأنني أعرفها.. طبعا لا أعرفها. ولكن شيئا ما في داخلي اتجه إليها.. تعمقتها بعيني ثم اتجهت جميعاً إليها.. وركبت القطار لكي أمشي في جنازتها. وفي ذلك الوقت من الخمسينيات كنت غارقا في الفلسفة الوجودية. وكنت قد أصدرت أول كتاب عن »الوجودية« باللغة العربية.. إنها ميمي ملكة الغجر.
وفي ذلك الوقت كنت أري- ولا أزال- ان الإنسان غجري بطبعه. يعيش وحده. ويتمني العزلة. ويري فيها حريته.. حريته من الارتباط بالناس والضيق بهم. وإن كل المفكرين يعيشون علي حافة المجتمع.. في مواجهة المجتمع وضده وخوفا منه وتحديا له.. ولم تفارقني هذه المعاني حتي أصدرت كتابا بعنوان »نحن أولاد الغجر«.. وبعد ساعتين وصلت إلي مدينة سورنتو الإيطالية الجميلة. وعنوان الملكة في يدي. وأدركت طابورا طويلا يمر أمام جثمانها ويلقي عليها نظرة ووردة. وفعلت. وكانت دموعي في عيني، دموعي عليَّ وليس عليها.. فكل الأحرار ملوك بلا عروش، فإذا ماتوا فالذين يعزونهم، يعزون أنفسهم أولا وفي غيرهم بعد ذلك!
أما الملكة المتألقة من لحم ودم فهي الامبراطورة ثريا. فقد أوفدتني »أخبار اليوم« لأحضر طلاقها من امبراطور إيران. وكان ذلك في مدينة كولونيا بألمانيا.. بينما ذهبت الزميلة خيرية خيري زوجة المرحوم علي أمين لتشهد هذا الطلاق في طهران..
وعندما ذهبت إلي السفارة الإيرانية أطلقوا علينا الكلاب وخراطيم المياه.. وتفرق الصحفيون من كل الدنيا. وسمعنا همسات تقول: إنها في فندق كذا.. لا.. في مطعم كذا..
وجاءت صحفية إيطالية تقول: إنها في صالون كذا... وذهبت إلي الصالون.. ورأيت الامبراطورة ثريا اسفندياري لحما وشحما ودما ولمعانا في عينيها وشعرا كستنائيا مسترسلا، وساقين رفعتهما إلي ما فوق المرآة تكشف وتكشف ما لم أتمكن من رؤيته بوضوح.. وكأن الطلاق لا يهمها، ولذلك رفعت ذراعا وساقا وقالت لنا ما معناه. العاقبة عندكم جميعا.
ثم أغلقوا باب الصالون!
ولما زرت الملكة نازلي في هوليوود. لا أحببتها ملكة ولا ملكة سابقة. وكانت قد تقدمت بها السن.. وبدت سيدة ارستقراطية تلفت النظر إلي جمال ساقيها.. فلم أر إلا أظافرها المكسرة.. لعله نقص في الكالسيوم.. ووعدتها بألا أكتب شيئا مما دار بيننا.. وقد وفيت بالوعد!.. أما الامبراطورة فرح ديبا فقد رأيتها هنا في القاهرة مرتين: المرة الأولي عندما خرجت مع زوجها الامبراطور من بلادهما لآخر مرة وهبطا في مطار أسوان ليجدا الرئيس السادات في انتظارهما.. وكانت الشمس المخنوقة تنعكس علي طائرة الامبراطورة ووجه الامبراطور والحاشية.. في ذلك اليوم كان غروب لكل شئ.. فلا كان الامبراطور ملكا، ولا كانت الملكة امبراطورة.. كانت نهاية يوم ومرحلة وأبهة!.. ثم ذهبت لأقابل الامبراطورة فرح ديبا بعد وفاة الشاه، وكنت آخر من رآها وجلس إليها.
تغير كل شئ، الفستان أسود والوجه أصفر، وتجردت يدها وأذناها وعنقها من كل ما يلمع ويتألق.. حتي نور عينيها قد انطفأ هو أيضا.. وكذلك كان الحوار بيننا: جملا قصيرة.
تنتهي قبل أن تبدأ.. وكانت تسعل.. فكان سعالها المتقطع مثل نقط بغير حروف.. انتهي كل شئ.. فلا معني ولا أمل. وعندما جاءت القهوة. لم أمد يدي.. فلا أعرف إن كانت لها أو كانت لي.. فالجرسون الضخم قد وضع الفنجان علي منضدة أقرب إليها.. ولذلك لم أمد يدي ولا هي. وكنا نجلس متقاربين فصوتها خفيض. وكان الدخان بيننا. فلم أعرف إن كنت أنا الذي أدخن أو هي.. أو إن الدخان كلام في الهواء. وكان كلاما في الهواء. فقد رجتني ألا أكتب سطرا واحدا مما قالت، فهي لا تريد أن تسئ إلي المخلصين من أتباع الشاه في إيران. ولا تريد أن تستعدي الايرانيين علي أولادها!
ولم أكن أعرف الملكة فريدة.. ولكنها أرسلت في طلب بعض كتبي. وأهديتها بعض هذه الكتب.. والبعض قدمته لها، وقيل لي إنها تمنت أن يكون الإهداء إلي جلالة الملكة فريدة. لا مانع فقد كانت ملكة لمصر. وكانت محبوبة من كل الناس ولا أزال أذكر صورة زفافها الجميلة علي غلاف مجلة »سمير التلميذ« التي كان يصدرها بابا صادق.. وكنا أطفالا. وكنا نحبها ونحب الملك الشاب »فاروق«.
ثم رأيت أحد معارضها..
ولاشك أنها فنانة. وأنها تحاول. وأنها صادقة. ولوحاتها كانت تكتسب قيمة أكبر لأنها من رسم ملكة مصر. وكانت هي تعلم ذلك، فكانت لا توقع علي لوحاتها إلا بعد بيعها.. وكانت بيننا مكالمات تليفونية طويلة. ولم يكن يضايقها في مصر إلا قذارة الشوارع والمحلات. ولم تنته دهشتها ولا دهشتي، من كيف أن عجزا تاما قد أصابنا عن نظافة بلدنا ونظافة كل مكان.. وتندهش أكثر كيف يخرج أي إنسان ببنطلون ليس مكويا. لا يهم أن يكون جديدا. المهم أن يكون مغسولا. وفي استطاعة أي إنسان أن يضع بنطلونه بين المراتب ليجده في الصباح مكويا. ثم كيف لا يكون حذاؤه ولا تكون أظافره نظيفة؟
وكانت تعيش علي معاش شهري قدرة مائتا جنيه- هو أجر ترفض ان تأخذه أية خادمة الآن إذا جلست عندك طوال النهار، أما إذا باتت فهي تتقاضي 003 جنيه.. هذا إذا لم يكن في البيت أطفال. فإذا كان طفلا واحدا فهي تعمل نصف يوم.. وعلي آباء الطفل أن يبحثوا له عن »داده«.
أما شقتها في المعادي، فلا أحب أن أصفها.. ولا السلالم التي تفضي إليها ولا البيت ولا الشارع.
ولقد نقلت إلي الرئيس حالتها السيئة ومطلبها المتواضع في أن تكون لها شقة صغيرة. ومعاش أكبر. ورأيت لوحاتها الأخيرة.. وقد تم إعدادها للعرض.. كل ألوانها رمادية حالمة، وكانت حريصة جدا علي الإضاءة التي سوف تسقط علي اللوحات.. أو تسبح فيها اللوحات. قلت لها: هذه أرواح هائمة في النور والظلال!
فقالت: إذا كان هذا شعورك فأنا قد نجحت. فهذا بالضبط ما أردت أن أقوله!.. واعتبرت هذا التعليق نجاحا لها، أو حفلة تكريم تلقائية. واكتفت بهذا التكريم. وقررت ألا تعمل شيئا في ذلك اليوم علي أن تستأنف الاستعداد لإقامة المعرض في اليوم التالي! ولم أكن أعرف أنها تغالب المرض..
فلا شئ يبدو عليها. فما تزال ممشوقة القوام. عالية الكتفين والرأس.. مشدودة الساقين.. ولا تزال ملكية الخطوات والعبارات والنظرات.. تمشي كأنها في موكب ملكي. وتصعد السلالم كما كانت تصعد سلالم قصر عابدين. فإذا التفتت إليك وأنت تتحدث معها، كانت بهية الطلعة. ملكة. كانت وماتزال.
وفي يوم شكت لي من أحد البوابين قال لها: يا مدام.
فغضبت وقالت له: اسمع يا تقول لي جلالتك.. يا تقول لي أفندم.. لكن يا مدام لا.. لقد سمعتك تقول لبواب آخر: ياباشا.. فكيف يكون هو باشا وأكون أنا مدام؟!
فقال لها: حاضر يا هانم.
قالت: ولا هانم.. قولي لي: افندم!
فرد عليها: حاضر ياجلالتك.
وسافرت إلي فرنسا للعلاج.. وحددوا مرضها بأنه سرطان في الدم. وأن العلاج ممكن. هم قالوا. وهي آمنت.. وظلت تقاوم المرض. وهي علي يقين من الشفاء. ولم يكن يبدو عليها أي أثر لهذا المرض. إلا بعض الشحوب. فإذا أضيف إلي مرضها مرض اثنتين من بناتها، وإنه مرض لا شفاء له أيضا، فإنها ولاشك في غاية الشجاعة وقادرة علي احتمال الهوان النفسي والجسمي.. ولكنها لا تشكو.
وثقل عليها المرض.. فانهارت تحته. ودخلت أحد المستشفيات. ثم سافرت بعد ذلك إلي أمريكا. وفي أمريكا صارحوها بأن الدم الذي ادخلوه في جسمها في مصر كان ملوثا.
وكتبت في »الأهرام« أقول ان مرض الكبد الوبائي الذي اصيبت به إلي جانب سرطان الدم كان بسبب هذا الدم الملوث الذي نقلوه إليها في احد المستشفيات!
وسألني د. راغب دويدار وزير الصحة، فذكرت له اسم المستشفي الكبير، وأزعجه ذلك.
وسألت د. دويدار: هل معقول أن تتولي إحدي السفارات العربية علاج الملكة فريدة علي نفقتها؟!
ونقلت أنها لا تعالج علي نفقة الدولة.
وكلمني د. راغب دويدار ليقول لي إنها عولجت بعد ذلك علي نفقة الدولة. وإنها الآن تحت الرعاية الكاملة. وإن الشفاء من عند الله.. وتضاربت الأقول حول صحتها، وسألت شقيقها الزميل المصور الفنان شريف ذو الفقار، فأكد لي أنها تتحسن، وأنه رآها، وأنه علي يقين من شفائها، وذهبت ورأيتها. ورفع الاطباء أيديهم، كما فعلوا قبل ذلك عند موت أبي وأمي وأختي وعلي أمين وإحسان عبدالقدوس وتوفيق الحكيم قائلين: إنها زي الفل!
وفريدة كملكة انتهت منذ زمن طويل، ولكن الذي بقي هو لوحاتها.. فريدة الفنانة أطول عمرا من فريدة الملكة.. ومن يزور المتاحف سوف يجد صور الملك والملكات.. لقد عاشوا علي الجدران وماتوا في الواقع.. ماتوا جميعا أشخاصا وعاشوا لوحات.. فالفن هو الذي أطال عمري الملك والملكة.. وإذا كان الفنان هو الملكة فقد طال عمرها مرات: طال عمرها لوحة وطال عمرها فنانة!
فالملكة ماتت أولا..
والإنسانة ماتت ثانيا..
والفنانة لم تمت..
والناس يعاملون الملوك والملكات كأنهم مؤسسات.. أو كأنهم تماثيل أو اهرامات فيقولون: جلالتك.. وعظمتك.. جلالتك أمرت.. جلالتك شئت- كأن صاحب الجلالة غائب.. لا ينطق ولا يشارك في الحديث.
ولكن لاحظت أن الملكة فريدة كان وجهها يحمر إذا قيل لها: الفستان بسيط وجميل.. أو انت غيرت لون أحمر الشفاه هذه المرة.. والحلاق أضاف بعض الشعرات البيضاء هنا وهناك فهي في غاية الجمال!.. كل ذلك ذهب وبقيت هذه الصورة الرمزية من حب الناس ومشاعرهم الطيبة.. فسار في جنازتها من لا يعرفها.. فهي أول ملكة مصرية تموت في القاهرة- الملكة نازلي ماتت في أمريكا. وزوجها الملك فؤاد مات سنة 6391 عن 56 عاما، ولا أحد يذكر كيف كانت جنازته.. والملك فاروق مات في روما عن 54 عاما، ودفن في القاهرة بلا جنازة سنة 5691. يرحمها الله: فقد عاشت محبوبة وبقيت فنانة!
ذهبنا إلي مسجد الرفاعي لنصلي.. فقد ماتت الملكة فريدة ملكة مصر. ومن تبقي من أسرة محمد علي جاءوا للعزاء والصلاة.. أو جاءوا ليقولوا، ويسمعوا، ويظهروا أمام الكاميرات..
ووقفنا صفا واحدا، وأحد رجال المسجد يوجهنا يمينا وشمالا، ولا أحد يعرف بالضبط ماذا يتمتم به الناس.. ولكن لابد أنهم يقرأون آيات من القرآن الكريم، ويترحمون علي الفقيدة، ويدعون لأنفسهم ولها بالرحمة والجنة..
ولاحظت أن الملك أحمد فؤاد لا يقول شيئا، فقلت له »إذا لم تكن تحفظ شيئا، فافتح شفتيك وحركهما، كأنك تقول..«.
وسألني أحد أفراد الأسرة المالكة السابقة »هل الفاتحة لا تكفي..؟« قلت »تكفي..«.
قال »ولكن ألاحظ أنهم جميعا لم يتوقفوا عن تحريك شفاهم، فهل تقرأون الفاتحة كذا مرة؟«.
قلت »نعم..«.
قال »إذن..«.
قلت »ولا حاجة، اقرأ الفاتحة مرة، وعشرين.. وربنا كبير..«.
قلت لها »سمو الأميرة.. كان فيه اتفاق بيني وبين الملكة أن أكتب مذكراتها، فقد كانت لديها رغبة قوية في الدفاع عن زوجها الملك فاروق، وهي لم تكرهه في أية لحظة، ولكن حماتها الملكة نازلي، وحاشيتها السوء، هما اللتان أفسدتا ما بين فريدة وفاروق«..
وقلت لها »أنا قابلت الملكة نازلي في أمريكا سنة 9591. وشكت لي من الهجوم عليها، ومن الأحاديث الكاذبة.. ومن أنها عاجزة عن تبرئة نفسها من كل هذه التهم، وخصوصا ما قيل عن علاقتها بالملكة فريدة..« فقالت الأميرة، التي لا تحب أن أذكر اسمها، فهي تعيش في عزلة هادئة، وفي آخر أيامها »ماما كاذبة، وفريدة علي حق..«.
ولم أكتب سطرا واحدا مما دار بيني وبين الملكة نازلي، فقد وعدتها وأقسمت ألا أنشر علي لسانها شيئا، وهذا ما فعلت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.